عبد الظل - الفصل 2440
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2440 : معرفة العاطفة
كان إطلاق اسم العاطفة أصعب بكثير من أي اسم آخر سبق أن أطلقته نيفيس.
ربما كان السبب هو أن مصدر هذا الاسم، على عكس الأسماء الأخرى، هي نيفيس نفسها.
فشوقها الخاص، رغبتها الخاصة، توقها الخاص، عاطفتها الخاصة… كان عليها أن تعرفها، أن تشتعل بها، أن تعترف بها بصدق صارخ من دون تزيف أو إدعاء. ثم، كان عليها أن تضخّها في الاسم، وتُمرّر ذلك الاسم من خلال روحها.
أن تُشكّل العالم وفقًا لنغمة قلبها، وتُرغم الاثنين على الانسجام معًا.
لقد كان الفعل بحد ذاته شديد الصعوبة… فمَن من البشر كان صادقًا تمامًا مع نفسه؟ صادقًا تمامًا بشأن ذاته؟ مَن لم يكن خائفًا من كشف ذاته وطرح حقيقة ما هو عليه أمام العالم ليراها؟.
وأمام ذاته ليراها؟.
كانت الخطوة الأولى صعبة، أما الثانية فكانت شاقة. إطلاق اسم العاطفة يعني أن تستخرجه من أعماقها، وسبّب تمريره ضغطًا على روح نيف وقدرتها على الاحتمال أكثر من أي وقت مضى خلال التشكيل.
لكنها صمدت.
صمدت في لحظة التأمل الذاتي القاسية بصدقها، حيث كُشف كل أنانيتها وضعفها، وصمدت أيضًا في وجه العناء الناتج عن تمرير اسم العاطفة.
لقد أطلقته.
نجحت أخيرًا!
وحين فعلت…
كان الأمر كما لو أن عصابةً قد أزيلت عن عينيها.
سمعت نيفيس التعويذة تهمس في أذنها، لكنها لم تكن مضطرة للاستماع إلى صوتها البغيض لتعرف أنها قد أتقنت فرعًا آخر من إرث جانبها، ذاكرة النور.
لقد أتقنت معرفة العاطفة.
ومثلما حدث مع معرفة النار ومعرفة الدمار، استطاعت الآن أن تجني ثمار تعبها — إذ انهمر سيل من المعلومات في ذهنها، وكأن ختمًا قد كُسر، فأكمل ما كانت قد فهمته بفطرتها، وأكّده.
فهمٌ باطني لعددٍ هائلٍ من الأمور، إدراكٌ غريزيٌ لأسرار دقيقة وتقنيات معقدة، مجموعةٌ من الأسماء المرتبطة بالعاطفة والرغبة…
وكأنها قضت عمرًا كاملًا تسعى نظريًا لاكتشاف أمر ما وتطبيقه عمليًا في ذات الوقت — والآن، قد نالت ثمرة تلك التجربة الحية من دون ذكرياتها.
لكن ذلك لم يكن مهمًا في تلك اللحظة. كان بإمكان نيفيس أن تُقيّم وتستوعب نعمة إتقان فرعٍ آخر من إرث جانبها لاحقًا… أما الآن، فقد كانت لا تزال مصدومة من إطلاق اسم العاطفة.
كان تمرير ذلك الاسم مثل صبّ الوقود على رغبتها المشتعلة أصلًا. إذ أشعلتها أكثر، ومنحها السحر قوة وجُرأة.
ورغبتها، بدورها، عززت إرادتها، ومنحتها قدرًا هائلًا من القوة.
لقد كان ذلك بمثابة تعزيز شامل لروحها النارية… وكأنه نبوءة تتحقق بذاتها، تشبه الغش، لكنها نابعة منها. وكأنها شيءٌ كانت دومًا من حقها، لكنها حُرمت منه حتى الآن. حجر الأساس لكل جزء من أجزاء جانبها… أو ربما القطعة الناقصة التي منعتها من التقدم للخطوة التالية.
فجأة، شعرت نيفيس بأنها حية تمامًا.
حتى الألم المروع الناتج عن عيبها بدا أقل عذابًا، ولو للحظة. فالألم بقي على حاله… لكن المعاناة الناتجة عنه لم تعد بلا معنى، ولذلك أصبحت أكثر احتمالًا.
بلا شك، بلا تردد، مشتعلةً بالعاطفة…
ازدهرت إرادتها بحرارةٍ غير مقيّدة، وكان ذلك كافيًا لكسر الجمود بين سلطتها وسلطة الشيطان الملعون.
العالم، الذي انشطر إلى نصفين، استُعيد أخيرًا ليعود متّحدًا.
لتم قهر جحيم النفي الجليدي، وبرز الجحيم المتّقد من اللهب المُطهّر، ليأخذ مكانه الشرعي في الواقع.
وهكذا…
كما وعدت نيفيس…
احترق النفي.
***
[…لقد قتلتِ النفي.]
وبعد العودة لهيئتها البشرية، هوت نيفيس على ركبتيها ولهثت، قابضةً على صدرها. محاولةً أن تسحب الهواء إلى رئتيها المحترقتين، لكن لم يبقَ في المكان هواءٌ تتنفسه — إذ احترق كلّه، وتحولت أطلال باستيون الحقيقية إلى صحراء متوهجة وخانقة.
لم يعد هناك قلعةٌ متداعية، بل سهلٌ شاسع من الركام الأبيض المتوهج. أما البحيرة، فقد اختفت بدورها، وتحولت مياهها الداكنة إلى سُحبٍ من البلازما شديدة الحرارة. بقايا المدينة التي كانت مخفية تحت البحيرة، وعظام سكانها السابقين، تحولت إلى رماد.
‘آآرغ…’
حاولت نيفيس أن تتأوه، لكن من دون هواء يحمل صوتها، لم يصدر عنها أي صوت.
أغلقت فمها، وصرت على أسنانها، وصبرت على الألم بصمت.
حتى بعد أن تغلبت على إرادة الشيطان الملعون بإطلاق اسم العاطفة، استمرت معركتهما طويلًا. لقد سبّبت للرجس المقيت جراحًا فادحة، وتلقت في المقابل أكثر من بضع طعنات.
كان جسدها لا يزال سليمًا ونقيًا، لكن كانت روحها محطمة. حتى أنوية روحها قد احترقت، وتعرض بعضها للضرر لحدّ الاقتراب من الانكسار.
لكن بما أنها هجينة، وُلدت من عالمين ولا تنتمي لأي منهما، فقد كانت قادرة على امتصاص شظايا الأرواح لمخلوقات الكابوس التي أحرقتها، تمامًا كما كانت تفعل مع البشر. وكان النفي شيطانًا ملعونًا… وواحدًا عتيقًا جدًا بينهم… لذا، كانت أنوية نيف تعيد بناء نفسها الآن، بعد أن تلقت ضخًا كريمًا من شظايا الأرواح إثر موت الرجس.
‘…فقط النفي، هاه؟’
يبدو أن التعويذة لم ترَ في الأمر قيمة تُذكر لدرجة أنها لم تُعنَ حتى بذكر رتبة الشيطان الملعون أو فئته عند إعلان موته.
وهذا منطقي، في الحقيقة. فبعد كل شيء… لم يكن هناك، ولم يوجد من قبل، إلا نفي واحد في هذا العالم. كان فريدًا من نوعه، فلا يمكن لأحد أن يخلط بينه وبين وحشٍ آخر يحمل نفس الاسم.
نظرت نيفيس حولها، غارقةً في حرارة الجحيم المشع الذي تسبب به بيديها.
سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن تبرد باستيون الحقيقية…
وليس هناك أي سبب يدعوها للبقاء هنا أكثر. على العكس، هناك الكثير من الأسباب التي تدفعها للرحيل بأسرع وقت ممكن.
رغم أنها لم تعد تمرّر اسم العاطفة، فإنها كانت لا تزال تشعر بآثاره اللاحقة. عادةً، كانت تُستنزف من كل المشاعر والعواطف بعد أن تسيء استخدام جانبها بهذا الشكل… لكن اليوم، كانت نيفيس مفعمةً بها.
أرادت أن تعود إلى باستيون الوهمية. أرادت أن تنغمس في الطعام الشهي، أن تُطفئ ظمأها بالنبيذ العطِر، أن تُريح جسدها المتعب بلمسة الماء الباردة وتنعم بحضنه…
أرادت أن ترى صني.
لقد اشتاقت إليه بشدةٍ مخيفة.
‘فلنذهب…’
وحابسةً أنفاسها — لم يكن لها خيار آخر — وقفت نيفيس على قدميها ونظرت حولها للمرة الأخيرة.
تحولت جثة النفي إلى رماد. لم يتبقَّ أي شظايا روح لتجمعها، إذ إنها قد امتصّت الشظايا بالفعل. كانت تقف قرب أحد الشقوق العميقة التي ظهرت في الجبل خلال حصار باستيون… كان مظلمًا ويبدو بلا قاع، يقود إلى أعماق سحيقة.
لم يتبقَّ ما تفعله هنا.
استدارت نيفيس، ناويةً العودة…
لكن شيئًا ما خدش تحت قدميها.
عابسة، انحنت والتقطت قطعة صغيرة من زجاج مكسور كانت مستلقية على حافة الشق — الشيء البارد الوحيد في الفرن الأبيض الساخن لأنقاض الأطلال.
كانت قطعة الزجاج مكسوة بالسُخام، لكن حين خدشتها بإحدى أظافرها، حدّق فيها من الأسفل عين بيضاء متقدة.
كانت انعكاس عينها، والنار البيضاء تتراقص في أعماقها.
‘مرآة؟’
ألقت نيفيس نظرة أخيرة إلى الشق المظلم، وازداد عبوسها.
ثم، رمت شظية المرآة المحطّمة بعيدًا واستدارت.
لقد حان وقت الرحيل.
فقلب الغراب ينتظر…
ترجمة آمون
Mixus14
اشم ريحة موردريت