عبد الظل - الفصل 2438
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2438 : مفهوم البشرية
ضرب شعاعٌ النور الأبيض النقي المبهِر مخلوق الكابوس الشاهق، فانطفأ، فقط تم إنكار القوة اللازمة فيه لإيذاء المخلوق، بل تلاشى دون أن يترك أثرًا على لحم الشيطان الرمادي.
انحنى الزمكان ذاتُه، ليسمح لكتلته الهائلة بالاقتراب من نيفيس بسرعةٍ أكبر بكثير مما كان ينبغي أن يكون عليها. رفرفت أجنحتها مما صنع إعصارًا، فدفعتها إلى الخلف، بعيدًا عن مجسات لا تُحصى عظميةٍ كانت تمتد نحوها، محاولةً أن تُمسك بها قبضة مميتة.
قاوم العالَم الذي سمح للشيطان أن يمرّ بهذه السرعة حركتها، استنزف زخمها وأبطأها. لولا درع الإرادة الذي صاغته نيفيس لنفسها، لربما لم تكن قادرةً على الحركة أصلًا.
ومع ذلك، فبالكاد أفلتت من غابة المجسات المتفحمة، متسللةً بين أصابع الشيطان الملعون.
طارت إلى الخلف، وصرت على أسنانها.
كان لمخلوق الكابوس مئة مجس، أما نيفيس فلم يكن لها سوى سيف واحد.
وحتى هذا السيف ثبت أنه غير نافع ضد سُلطة السَامي الساقط.
كانت السُلطة التي يملكها مُطلقة للغاية في قدرتها على نفيها. كان ذلك الرعب القديم يستخدمها كدرع وسلاح معًا، وكطُعمٍ وفخٍّ في الوقت ذاته، يمنع خصومه من إيذائه بينما يرفض أيضًا أن يسمح لهم بالفرار.
عبست نيفيس.
لا… لم يكن خصمها يكتفي باستخدام سُلطة النفي. بل كان يُجسِّد النفي ذاته – مفهوم التبرؤ من شيء ما، وبالتالي نفي قوته ووجوده.
ذاك ما يمكن أن تُحققه الإرادة حين تُرفَع إلى حافة المُطلَق.
فكيف يمكن للمرء أن يقاتل إرادةً مطلقة؟.
رغم أن نيفيس لم تكن تعرف ذلك بعد، فإن التقنية التي سيستخدمها صني في لعبة آرييل كانت ستقوم على توجيه واستحضار مفهوم يعارض مباشرةً سُلطة خصمه.
لكن الاثنين كانا شخصين مختلفين تمامًا، وما كان بمقدور صني تحقيقه لم يكن ما يجب على نيفيس أن تُحاكيه أو تسعى إليه. كان عليها أن تشق طريقها الخاص.
وفي تلك اللحظة، التفتت أعين الشيطان الملعون التي لا تُحصى على هيئة نيفيس الهاربة، بينما كانت أعماقها غير المفهومة تلألأ بنيةٍ كئيبة.
وبعد لحظة، شعرت نيفيس بوجودها ذاته يبدأ بالاضمحلال.
لأن النفي قد كفّ عن اللعب بطعامه. فبدلًا من مقاومة هجماتها، اختار الشرير ببساطة أن ينفي نيفيس نفسها – أن يرفض وجودها، ويجبر العالم على محوها تمامًا.
‘كيف أقاوم إرادة سَامي؟’
كان سؤالًا معقّدًا – سؤالًا لم يُجبر على طرحه سوى قِلّة من الناس منذ أن هبطت تعويذة الكابوس على العالم.
لكن بالنسبة لنيفيس، كان الجواب سهلًا. عليها فقط أن تحطّمه بإرادتها الخاصة. عليها فقط أن تسحقه.
إذا رفض مخلوق الكابوس أن يحترق، فعليها أن تحرقه بلهيبٍ أشدّ وطأةً.
وإذا رفض أن يُقطَع، فعليها أن تشقّه بنصلٍ أَكثر حدةً.
وإذا رفض أن يموت… فعليها ببساطة أن تُقنِع الموت أن يفنيه.
“مرحبًا، يا مخلوق الكابوس.”
هبطت نيفيس على الأطلال وانزلقت إلى الخلف، حتى كادت تصل إلى حافة الماء.
توهّجت عيناها بإشعاعٍ أبيض مقلق.
“أتظن أن بإمكانك أن تطفئني بهذه السهولة؟”
حضورها، الذي كان قد خَفَت، بدا فجأة واضحًا، شاسعًا، وغير مفهومٍ.
قد يكون بوسع النفي أن يُنكر وجود قديسة، أو سياديٍّ أضعف، ربما. لكن نيفيس كانت تحكم وتُلهم البشرية بأسرها. لكي يُنكر وجودها، لَزِمَ على المخلوق أن يمحو البشرية جمعاءً أولًا. أن يُطفئ جميع النجوم التي لا تُحصى والتي تُنير سماء روحها الفسيحة في لحظةٍ واحدة.
لقد كانت نجمة التغيير. نجمة الخراب. سَامية البشرية.
لم تكن نيفيس تحب هذه الكلمات، وكانت قد اتخذت تدابير لثني الناس عن مناداتها بذلك اللقب، أو عبادتها كسَامية. لكنها، ورغم أنها لم تخضع بعدُ للتبجيل، إلا أن هناك في الأمر بعض الصدق.
لجميع المقاصد والغايات، كانت قد أصبحت تجسيدًا للبشرية. سيفها كان سيف كل البشر، وحمل وزن آمالهم وأحلامهم جميعًا.
وجميع أشواقهم.
كانت نيرانها مُغذاة برغبتهم.
“كيف تجرؤ على إنكاري؟”
زمجرت، وانطلقت نيفيس إلى الأمام.
كان البركة مشحونة بجميع لهيب روحها، ومقوًّى أكثر من جسدها وروحها أنفسهما، وذلك بسبب خاصية [مجرى اللهب]. وفي الوقت ذاته، كانت قدرته على قهر إرادة مخلوقات الكابوس مُعزّزة أكثر بخاصية [النور المُطهِّر] – تلك السمة الخاصة بالسيف المرتبط بالظل، والتي جعلته فتاكًا بشكل خاص ضد أولئك الملوثين بالفساد.
لكن، والأهم، أنه قد أصبح وعاءً لإرادتها.
وكانت إرادتها مُغذاةً برغبتها في قتل الشيطان الملعون.
والرغبة هي أصل كل الفضائل، ولا تقلّ، كذلك، عن كونها أصل كل الخطايا. قلّ أن وُجِد مصدرٌ للإرادة أقوى من التوق المتّقد.
‘احتَرِق!’
جمعت نيفيس إرادتها كلّها في رأس النصل، ثم حرّكته في ضربة مائلة نحو الأسفل – نفس الضربة التي تمرّنت عليها آلاف المرات، حتى امتصّتها عظامها، وأتقنت أدقّ تفاصيلها.
ولبَّى العالم إرادتها.
فاحترق.
احترق بشدّةٍ، حتى ذابت الحجارة وغَلَت البحيرة المظلمة.
لكن ذلك لم يكن سوى البداية. ففي اللحظة التالية، صبّت نيفيس إرادتها في النطق بالكلمات، أيضًا.
انطلقت من شفتيها ترنيمةٌ مرعبة من الأسماء الحقيقية المترابطة، مستدعيةً النار والدمار على العالم. اجتاحت ألسنة اللهب البيضاء الشديدة، وهدرت، واستهلكت نسيج الوجود ذاته.
لكنَ نيفيس لم تنتهِ بعد.
فأطلقت العنان لهيئتها الفائقة، متخليةً عن حدود جسدها الفاني.
ارتفعت من الأرض كُتلة من اللهب الأبيض، بارتفاع الجبل المشوَّه من اللحم الرمادي. وتحركت النيران كما لو كان لها حياة خاصة بها، فاندفعت لملاقاة الشيطان الملعون.
وأثناء ذلك، اتخذت كتلة اللهب هيئة كائن مشرق ذي أجنحة يشهر نصلًا مشعًا.
سقط النصل العملاق المنسوج من نورٍ أبيضٍ نقي، مستهدفًا قطع عشرات المجسات المقطوعة للرجس.
كان وهج هذه الأفعال مُعميٍ للأبصار، حتى خُيِّل لمن يرى وكأن الفجر قد أشرق على عتمة باستيون الحقيقية المحطمة.
وهنالك، في نور ذلك الإشراق، ارتجف الشيطان الملعون، مرتعدًا من ذكريات السماء المُهلكة عديمة الرحمة.
وبطبيعة الحال، لم يتردد إلا للحظة عابرة.
ترجمة آمون
اشور
اا