عبد الظل - الفصل 2436
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2436 : النعيم الضائع
اشتعلت نجمةٌ ساطعة في السماء العاتمة فوق باستيون. رفع الناس – من أولئك الذين ما زالوا في الشوارع، منشغلين في مساعٍ مثمرة أو يحتفلون ببساطة بعد يوم عملٍ شاق – أبصارهم بدهشةٍ، وقد اشتعلت أعينهم بالصدمةِ والرهبة.
هوت النجمة من السماء، متضخمةً ومزدادةً أشراقًا مع كل لحظةٍ. وسرعان ما أصبحت أشبه بنيزكٍ أبيض ضاري، ملتهبٍ يهوي من السماوات العاتمة إلى الأرض أدناه. منيرًا بنوره الليل، وطاردًا الظلام، جاعلًا القمر المكتمل المعلق عاليًا يبدو باهتًا في ظلاله. فلم يكن لنور القمر الفضي أن ينافس التوهج الأبيض الحارق للنجمةِ الساقطة. ولم يكن لليل ذاتهُ قدرةٌ على مجاراته.
ولوهلةٍ، بدا وكأن الشمس قد أشرقت فوق باستيون في منتصف الليل، حاملةً معها الجمال الصارخ لشروق النهار. ثم، قبل أن يتسنى للناس أن يشعروا بالخوف، ارتطم النيزك الأبيض الملتهب بسطح البحيرة.
أعمى انفجارٌ من النور الساطع أبصارهم تلا الارتطام، وتفجرت نافورةٌ عملاقة من الماء المغلي إلى السماء، متبخرة في سحابة شاسعة أثناء صعودها. توهجت البحيرة كلها للحظة، كما لو كانت تُنار من الداخل، ثم عادت إلى الظلمة مرة أخرى. وهكذا، اختفت النجمة الساقطة دون أن تترك أثرًا.
هاجت مياه البحيرة وتموجت، فلم يعد سطحها هادئًا – تمزق انعكاس القمر المكتمل المثالي على سطحها وتلاشى، واستُبدل بشظايا متناثرة من النور الفضي.
على الجانب الآخر من الانعكاس، اندفعت نيفيس خارجةً من هاوية البحيرة المظلمة، محلّقةً في السماء الضبابية لباستيون الحقيقية، وقد انبسط جناحاها المتلألئان ليشعا بنورٍ أبيض يعمي الأبصار تحت نور القمر المحطم. ارتفعت عاليًا فوق أطلال القلعة العظيمة، ناظرةً من علٍ بينما كانت ألسنة اللهب البيضاء تتراقص في عينيها، وتغمر بشرتها، وتلهب شعرها. كانت نظرتها المتقدة باردة وقاسية. لم يكن فيها رحمةٌ، ولا تردد، ولا شك، ولا أمل في النجاة. بل وعدٌ صارمٌ لا مفرّ منه بالاحتراق إلى رماد تحت طوفان لا يُحدّ من اللهيب المطهِّر. كانت تنظر إلى أطلال باستيون الحقيقي دون أي انفعال.
لقد تحولت القلعة المحطمة إلى ركامٍ بسبب المعركة بين مورغان وموردريت. امتلأت البحيرة، التي كانت قد جفّت نتيجة مواجهتهما الطويلة، بالماء من جديد، لامعةً بشكل مخيف تحت نور القمر المحطم.
شقت تشققاتٌ عميقة الجبل الذي تقع عليه القلعة، ممتلئةً بالماء الراكد ومكسوّةً بالطحالب القرمزية. وكان هناك مخلوقٌ ينتظرها في قلب الأطلال. جبلٌ عديم الشكل من اللحم الرمادي كان يعلو فوق الركام، مغطىً بالطحالب، وممتلئًا بمئات المجسات المقززة التي ترتفع منه كغابةٍ مروعة.
أنبعث من هذا المخلوق البشع حضورٌ مرعب وغريب، جعل نور القمر يتردد في ملامسته. ونتيجة لذلك، كان محاطًا برداءٍ من الظلام. وحتى الرياح كانت تتجنبه، فلا شيء كان يعكر الصمت الميت الذي يلف الأطلال. وكأن العالم نفسه كان يحاول الفرار منه، مشمئزًا وخائفًا من هذا الطاغوت القديم.
وحين نظرت نيفيس، انفتحت فجأة عيونٌ لا تُعدّ ولا تُحصى، بشعة المظهر، على كتلة اللحم الرمادي للشيطان الملعون، تنظر إليها من الأعماق بنظرةٍ مرعبة، تخلو من كل عاطفة، وغريبةٍ إلى حد مخيف.
حدّقت فيه لثوانٍ طويلة، ثم أغلقت جناحيها واندفعت نحو الأرض.
هبطت على حافة الماء، على مسافة من مخلوق الكابوس، تنفّست نيفيس بعمق، ثم بدأت تسير نحوه بخطوات ثابتة. لكن حينها، حدث أمر غريب.
صدرت خشخشة، كما لو أن الأطلال نفسها أطلقت تنهيدة طويلة، ثم، انبعث صوتٌ بعيد من أعماق القلعة المتداعية:
“لقد رأيتُ حلمًا.”
كان الصوت يتحدث بلغةٍ منسية منذ زمنٍ بعيد، رغم نبرته الغريبة وغير البشرية، إلا أنه بدا إنسانيًا على نحو مريب. تابعت نيفيس سيرها، ولم تتغير تعابير وجهها. وتكلم الصوت من جديد، مملوءًا بعاطفة يصعب وصفها، خافتة، عميقة:
“رأيتُ حلمًا بأن أكون مكتملا من جديد.”
تحركت العيون المقززة قليلاً، مخترقةً روحها بنظراتها.
“رأيتُ حلمًا بأن تكون الشمس رؤوفةً من جديد.”
ثم تسللت نغمة غريبة إلى الصوت البعيد، مما جعل العالم بأسره يرتجف:
“رأيتُ حلمًا بأن أمتلك أجنحةً من جديد.”
تحركت غابة المجسات العظمية، محترقة، ومتفحمة.
“وأنتِ لستِ من أجبرني على رؤية ذلك الحلم المقيت. ولستِ من سرقه مني أيضًا… أليس كذلك؟”
تابعت نيفيس السير، دون أن تردّ.
“ومع ذلك، لا يمكنني أن أغفر لكِ. تلك الأجنحة التي تحملينها… يا لجمالها.”
ازدادت عيون الشيطان الملعون قتامةً، وأصبح صوته باردًا، خبيثًا، مشبعًا بالضغينة لدرجة جعلت نيفيس تتوقف للحظة.
“يا ذات دماء الشمس… هل جئتِ لتحرقيني؟”
تحرك جبل اللحم الرمادي، متموجًا بينما تحولت قطع من الحجارة القديمة إلى غبارٍ تحت وزنه الهائل. انطلقت ضحكةٌ جوفاء، مجنونة، ومرعبة في أرجاء الأطلال.
“هل ينبغي لي أن أطفئكِ إذًا؟ أم أن ألعنكِ؟ هل أخبركِ كيف دُمّرت الشمس؟ كيف احترقت سماواتنا؟ كيف ابتُلعت أرض القمر بالرماد؟ كيف سقطنا جميعًا، الواحد تلو الآخر؟ هل أساعدكِ على أن تصبحي أبدية، متغيرة بلا نهاية؟”
ثم همس الصوت، ضعيفًا واهنًا:
“مثلي.”
تابعت نيفيس سيرها إلى الأمام، مع السيف في يدها، وأجابت بهدوء:
“لست مهتمة بالكلام معك، يا مخلوق الكابوس. فلم نضيع أنفاسنا؟”
توهج نصل النعمة بنورٍ مُعمي، متوهجًا حتى أصبح أبيض حارقًا.
“كل ما يهمني هو إنهاؤك. لذا… استعد للموت.”
رفعت سيفها، وأشارت به نحو الشيطان الملعون. كانت نيفيس ‘عملاقة’ فائقة، ونطاقها يضم مليارات الأرواح. ولم يكن هذا المخلوق سوى سَامٍ قديمٍ مكسورٍ وساقط. فبأي حق يلعنها؟.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة مُرّة.
“نعم، جئتُ لأحرقك. جئتُ لأدمّرك. وبخلاف ألمي، سيكون ألمك سريعًا. فشكرني.”
ترجمة آمون
VAxSHADOW
شكرا على الفصل