عبد الظل - الفصل 2429
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2429 : مجموعة سرية
كان منزل إيفي مريحًا ودافئًا أكثر من كونه فخمًا، وهو أمر لم يكن المرء ليتوقعه من منزل امرأة تحكم نصف البشر في عالم الأحلام. لكن، مرة أخرى، فقد بُني قبل قبر السَّاميّ، وكان زوجها قد تولى معظم بنائه بيديه الاثنتين، لذا لَكان من الغريب أن يتوقع المرء رفاهية القصور من مقرّ سكنهما.
في الواقع، كان المنزل شبيهًا إلى حدٍّ كبير بالمزرعة الخشبية المخفية داخل قلادة الوحش الأسود – فقد زارت آيكو مزرعة الوحوش مراتٍ كثيرة، لذا كانت قادرة على تأكيد ذلك.
بالطبع، الخشب المستخدم في البناء وفي صناعة الأثاث لم يكن عاديًا أبدًا.
كان في الحقيقة أكثر صلابة من أي مادة أُنتجت على الأرض، وقد جُمِعَ بواسطة إيفي وزوجها من الغابات المسكونة المحيطة بمنطقة باستيون العظمى. كان كل شيء هنا مبنيًا ليدوم.
وكان لا بد له أن يكون كذلك، نظرًا لوجود طفل متسامي يركض في أرجاء المنزل. عادةً ما يقوم الوالدان بتأمين المنزل لحماية الطفل، لكن إيفي اضطرت لفعل العكس – عليها أن تضمن ألا يُهدم منزلها بالكامل على يد طفلها. وقد نجحت بذلك جزئيًا فقط.
لطالما كانت آيكو شخصًا عابرًا، تأتي وتذهب بسهولة، لذا بدت لها فكرة الاستقرار في مكان واحد غريبة بعض الشيء. ومع ذلك، في كل مرة كانت تزور فيها إيفي، كانت تشعر وكأنها توشك أن تفهم سحر هذا الاستقرار.
فإيفي بنت لنفسها عائلة، ثم بنت لنفسها منزلًا. ثم جمعت الأولى بالثاني، وصنعت منهما بيتًا. وربما لهذا السبب كانت تقاتل بكل ذلك الإصرار.
على أي حال، كانت آيكو والصغير لينغ وحدهما في المنزل الكبير لليوم. قادته إلى غرفة الطعام وأجلسته على الطاولة، ثم تجولت في المطبخ المجاور. وبينما كانت تتفقد المكان، نادت:
“إذاً، كيف حالك، يا ذئبي الصغير؟ هل كنت فتىً جيدًا؟”
كان يتأرجح بساقيه، في الانتظار بنفاذ الصبر.
“كنت جيدًا، يا عمّتي! آه، لكنني كنت حزينًا قليلًا. ماما كانت بعيدة وقتًا طويلًا هذه المرة، لأن أطفالًا آخرين كانوا بحاجة إليها. لكنها عادت قبل حفلة عيد ميلادي! وجلبت لي هدية من من من الربع الغربي. ذلك الذي في أفريقيا! قرأت عنه في كتاب.”
أخيرًا، وجدت آيكو ما كانت تبحث عنه. كان من المأساوي أن تلطّخ ملابسها الفاخرة، لذا ارتدت مئزرًا أبيض وتنهدت بارتياح.
“قرأتَ عنها؟ منذ متى تعرف القراءة، أيها الشقي؟”
حين خرجت من المطبخ، رمقها الصغير لينغ بنظرة شفقة.
“يا عمّتي آيكو، عمري ست سنوات. بالطبع أعرف كيف أقرأ. أستطيع قراءة الكتب المصوّرة، وحتى الكتب بدون صور.”
رفع ذقنه بفخر، ثم انكمش قليلًا.
“آه، لكن فقط بلغة البشر. لغة الرونات صعبة جدًا. لذا ما زلت بحاجة إلى صور عندما أقرأ الرونات.”
رمشت آيكو مرتين أو ثلاثًا.
‘ست سنوات؟ أليس هذا مبكرًا جدًا لتعلُّم القراءة؟ أعتقد؟ متى يبدأ الأطفال القراءة عادة؟’
لم تكن تعرف. الأهم من ذلك…
“هاه؟ من يُعلّمك القراءة بلغة الرونات؟ ولماذا؟”
والآن بعد أن فكّرت في الأمر، ربما كان على الصغير لينغ أن يعرف الرونات. فهو حامل للتعويذة، في النهاية.
استحوذ عليها الفضول فجأة، متسائلةً كيف يتفاعل الطفل مع التعويذة في الأساس. هل كانت تعرض عليه رونات؟ وكيف كانت تُترجم للناس الذين لا يعرفون القراءة؟ هل تعرض عليهم سلسلة من الصور، أم تكتفي بسرد الكلمات؟ أم أنهم يفهمون معنى الرونات رغم جهلهم بأشكال الحروف؟ وهل يمكن استغلال ذلك ماليًّا؟.
ضحك الصغير لينغ.
“الجد يوليوس!”
خرجت آيكو من شرودها، شاعرةً بغصّة طفيفة وهي تستمع إلى صدى العملات الوهمية الخلابة وهي تتلاشى.
“أوه؟ ومن يكون هذا؟”
ابتسم الفتى، ولا يزال يتأرجح بساقيه.
“مُعلّمي. ماما تقول إن الجد يوليوس هو الأفضل!”
‘يوليوس… يوليوس.’
هل كان هو الأكاديمي المُسنّ المسؤول عن مبادرة التعليم الكبرى في عالم الأحلام؟.
اللعنة. يبدو أن إيفي لم تبخل بشيءٍ حين تعلق الأمر بتعليم الصغير لينغ.
هزّت آيكو رأسها مبتسمةً واستدعت حقيبتها الجلدية الفاخرة.
“على أي حال، عمّتك كانت حزينة جدًا لأنها فوتت عيد ميلادك، يا ذئبي. وعمّك صني كان حزينًا أيضًا. لذا، أعدّ لك هدية صغيرة.”
ثم فتحت الحقيبة وبدأت تُخرج منها عنصرًا تلو الآخر. راحت تطفو في الهواء مثل السحر، ثم تهبط برفق على الطاولة. أولاً المثلجات، ثم الوافل المنفوش، والفراولة الطازجة، وكعكة الكاسترد مع ست شموع ملوّنة، وبودينغ الشوكولاتة، وزجاجات عصير طازج، والمزيد من المثلجات. سرعان ما غصّت الطاولة بأشهى المأكولات. وبعد أن وضعت آخر عنصر، عدّلت آيكو مئزرها وابتسمت.
“في الحقيقة، قررت أن أُقيم حفلة عيد ميلاد ثانية وسريّة – بس بيني وبينك. فقط أطيب الفتية يحصلون على واحدة. تفضّل، عيد ميلاد سعيد، يا ذئبي!”
اتسعت عينا الصغير لينغ حتى أصبحتا كالصحون. نظر إلى الوليمة الشهية وكأنها سحر آسر، ثم مدّ يده المرتجفة نحو المثلجات.
لكنه توقف فجأة، وتردد للحظة. ولما رأت آيكو أنه منزعج من شيء، رفعت حاجبها.
“ما الأمر؟”
تردّد لينغ لبضع ثوانٍ، ثم سأل بنبرة حذرة:
“عمّتي آيكو، أعلم أن هذه حفلة سرية، لكن… هل يمكننا أن نترك قطعة كعك لماما؟ فماما تأكل كثيرًا.”
ارتجفت شفتا آيكو. وفي محاولة للحفاظ على ملامحها هادئة، تظاهرت بأنها تفكر للحظة، ثم أومأت.
“حسنًا. والدتك بالفعل تأكل كثيرًا. سنضع لها قليلاً من هذا وقليلاً من ذاك. ويمكنها أن تشارك والدك أيضًا. ما رأيك؟”
لكن الصغير لينغ لم يكن يسمعها. كان قد بدأ بالفعل يملأ وجنتيه بالحلوى.
“ثكرًا، يا عمّتي آيهو!”
راقبته آيكو لبضع ثوانٍ، ثم تنهدت وجلست بدورها. أسندت ذقنها إلى يدها ونظرت إليه بكسل دون أن تتكلم. كان الفتى مستغرقًا في تناول المثلجات لدرجة أن العالم من حوله اختفى.
تطايرت في رأسها أفكار عشوائية، حتى لفت انتباهها واحد منها تحديدًا. هل من المفترض أن نبقى هنا طوال اليوم؟ متى قالت إيفي إنها ستعود؟.
في الحقيقة، لم تذكر إيفي شيئًا عن المدة التي يفترض أن تبقى فيها آيكو لمراقبة لينغ. وماذا كان الصغير من المفترض أن يفعل طيلة اليوم؟ وبما أنه يملك معلمًا بالفعل، فمن غير المرجح أن والديه يسمحان له بالخمول. كانت تعلم أنهما درّباه بلطف منذ ما قبل أن يتعلم المشي على كيفية السيطرة على قوته المتسامية. وهو الآن تقريبًا في عمر الأطفال الذين يذهبون للمدرسة… طبعًا، لا وجود لمدرسة يمكنها التعامل مع قديس صغير.
في النهاية، لمعت عينا آيكو.
“مرحبًا، يا ذئبي…”
ترددت للحظة أو اثنتين، ثم ابتسمت ابتسامةً عريضة.
“ما رأيك أن نذهب في مغامرة؟ لنقل إنها رحلة تعليمية.”
رفع الصغير لينغ رأسه، ووجهه ملطّخ بالمثلجات والشوكولاتة على حد سواء. واتسعت عيناه.
“رحلة تعليمية؟”
واتّسعت ابتسامة آيكو أكثر.
“بالضبط. دعي عمّتك آيكو تُعلّمك شيئًا أو اثنين.”
ترجمة آمون