عبد الظل - الفصل 2427
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2427 : أوضاع المواصلات
كانت آيكو في مزاجٍ رائع وهي تلوّح لعربة، إذ كانت وسيلتها المفضّلة للتنقّل في باستيون. في الواقع، كان التنقّل داخل باستيون مسألة معقّدة إلى حدٍّ ما. كان هناك مشروع ضخم قيد التنفيذ لتبسيط ذلك – حيث كانت تُزرع خطوط ترام خاصة في الشوارع الرئيسية، مدعّمة بالسحر البدائي. صُنعت القضبان من سبيكة خاصة تسمح لها بتوجيه الجوهر، بينما سُحرت عربات الترام لتتحرّك بامتصاصه.
لكن، بعد أن أصبحت محطة بوابة النهر تعمل بكامل طاقتها، بدأ الحديث عن الاستغناء عن عربات الشوارع السحرية لصالح الترام الكهربائي التقليدي. كانت آيكو تظن أنّه في نهاية المطاف، سيتمّ اعتماد كلا النوعين، بحيث تكون خطوط الترام المسحورة بمثابة شرايين شبكة النقل العام، بينما تتفرّع منها الترامات الكهربائية العادية كمخارج فرعية. وكان من المفترض إطلاق أول عربة شارع قريبًا.
لكن، قبل حدوث ذلك، كان أمام سكّان باستيون ست وسائل رئيسية للتنقّل داخل المدينة. أولها كان استخدام العبّارة لعبور البحيرة. بطبيعة الحال، لا يمكن للعبّارة أن توصلك سوى إلى موقع آخر على ضفة البحيرة – غير أنّ المدينة كانت تطوّق البحيرة كحلقة، فكان من الأسرع غالبًا السفر عبر الماء ثم مواصلة الطريق سيرًا على الأقدام، بدلاً من قضاء الرحلة بأكملها برًّا دون مغادرته.
أما الطريقة الثانية فكانت الأبسط: استخدام قدميك. غير أن باستيون مدينة ضخمة إلى حدّ أنّ الشخص يمكن أن يسير لأيام دون أن يبلغ وجهته، إن كانت تقع في طرف بعيد من المدينة. بطبيعة الحال، كان للمستيقظين أفضليّة عظيمة على البشر العاديين في هذا الشأن، لكن حتى أولئك كان يصعب عليهم السير في كل مكان ببساطة.
الطريقة الثالثة كانت أسرع بكثير، وإن كانت غير مريحة بعض الشيء. وهي استئجار عربة ريكشا يُجرّها مستيقظ – وكانت تأتي بأشكال وأحجام متعددة، من العربات الفردية أو ثنائية المقاعد إلى العربات الثقيلة القادرة على حمل اثني عشر راكبًا أو أكثر. كانت سرعتها وسعتها تعتمدان بالكامل على قوة الساحب الشخصية، وبينما سعى معظم المستيقظين إلى فرص عمل أفضل، رأى البعض أنّ امتلاك ريكشا وسيلة آمنة لجني دخل متواضع.
أما الطريقة الرابعة، فكانت النسخة الأكثر راحة ورفاهية وهيبة من الطريقة الثالثة – استئجار عربة يجرّها صدى. لم يكن في باستيون هناك سيدة الوحوش، وبالتالي لم تكن هناك مجموعات من الرجسات المستعبدة لتعمل كقوّة محرّكة للبنية التحتية المدنية. لذا، كانت الأصداء هي الخيار الأفضل التالي. ولسوء الحظ، رغم أنّ عدد المستيقظين في العالم قد ازداد أضعافًا مضاعفة، وكثير منهم يقاتلون ضد عالم الأحلام في جبهات عدّيدة، لم يكن هناك ما يكفي من الأصداء لجعل هذا النوع من المواصلات متاحًا على نطاق واسع.
وفقط الأثرياء من كانوا قادرين على استئجار عربة صدى. ولحسن الحظ، كانت آيكو من هؤلاء. لذا، كانت تفضّل استدعاء عربة، حتى إن وُجدت وسيلة أسرع للوصول إلى وجهتها.
كانت تلك الوسيلة الأسرع ركوب صدى يمتطيه الراكب. لم يكن كل المستيقظين يمتلكون صدى، وعددٌ أقلّ منهم كان يملك صدى يمكن ركوبه – لكن امتلاك واحدٍ كهذا كان سريعًا ما يصبح رمزًا للأناقة والهيبة والتفرّد. لقد بلغ الأمر حدّ أن الصدى المهيب بات مطلوبًا بشدّة، وأحيانًا تُدفع فيه مبالغ تفوق ما يُدفع لقاء وحوش قتال قوية. وقد يؤدّي امتلاك صدى مهيب إلى جعل المستيقظ مشهورًا ومعجبًا به في لحظة.
كان بإمكان آيكو على الأرجح أن تقتني صدىً رائعًا، أنيقًا، ومذهلًا تمامًا – واحدًا أو حتى اثنين – لكنها لم تكن تحبّ ركوبها إطلاقًا. لِمَ قد ترغب في التمايل والاهتزاز على ظهر وحشٍ شاهق؟ لا يقتصر الأمر على تدمير تسريحة شعرها المتقنة بتشويشها فعليًّا – ياللرعب! – بل سيؤدي أيضًا إلى تجعّد ملابسها، ناهيك عن تقييد خزانة ملابسها.
‘شكرًا، لا أريد!’
والوسيلة الأخيرة للتنقّل في باستيون كانت غريبة بعض الشيء، والمثير للدهشة أنها كانت في منافسة فعلية مع الصدى الشخصي من حيث الراحة. ليس ذلك فحسب، بل كانت متاحة بسهولة لكل مواطن، سواء كان مستيقظًا أم لا. تلك الوسيلة كانت ركوب الدراجة.
لم تكن الدراجات آلات معقّدة جدًا، لذا لم يكن هناك ما يمنع استخدامها في عالم الأحلام. وقد طوّر سكّان باستيون تقديرًا كبيرًا لها في الواقع – فمعظمها كان لا يزال يُستورد من عالم اليقظة، لكن بعضها بدأ يُصنع في المدينة نفسها. وكانت آيكو تعرف ذلك جيدًا، إذ استثمرت استثمارًا كبيرًا في تصنيع الدراجات. في الواقع، كانت قد استثمرت في مشاريع لا تُعدّ ولا تُحصى حول باستيون، لكن تجارة الدراجات كانت إحدى دجاجاتها التي تبيض ذهبًا. لذا، أحبتها كثيرًا. لكن، هذا لم يكن يعني أنها تميل إلى استخدامها كوسيلة للتنقّل، والسبب في ذلك بسيط جدًا.
كانت آيكو قادرة على جعل الدراجة تطير. لكنها لم تكن تعرف كيف تقود واحدة. كان الأمر كله لغزًا محيّرًا بالنسبة لها.
‘هل أطلب من الزعيم أن يعلّمني؟’
سيكون ذلك أمرًا طريفًا ترويه لأحفادها يومًا ما… إن عاشت لتحكي القصة.
في كلّ الأحوال، تمكّنت آيكو من إيقاف عربة بسرعة. وما إن جلست على المقعد الوثير حتى أخبرت السائق بوجهتها واتكأت إلى الخلف، مستمتعةً بالمشهد وبدفء الشمس على وجهها. بل بدأت تدندن بلحنٍ سعيد بهدوء، شاعرةً أن يومها لا يمكن أن يصبح أفضل. وكانت لا تزال تدندن عندما اهتزت العربة فجأة وتوقّفت بحدة، وكأن زلزالًا قد ضربها.
ثم، ظهر خارج النافذة عين صفراء ضخمة، تحدّق في آيكو بشدّة مشتعلة.
تراجع السائق في مقعده، وهو يصرخ بفزع وغضب:
“صدى؟! من الذي ترك صداه يهيم على وجهه، اللعنة؟!”
أطلقت آيكو تنهيدة، وفتحت الباب ثم طافت خارجة من العربة.
“ألفاظك!”
في الخارج، كان ذئبٌ ضخم يجلس على الأرض، شامخًا فوق العربة مثل جبلٍ صغير من الفرو الأبيض. كان ذيله يهتز بعنف، مما جعل الأرض تهتز قليلًا مع كلّ ضربة. وكان لسانه يتدلّى من جانب فمه، وهو يلهث بسعادة، محدّقًا في آيكو بعينين متلألئتين. نظرت إلى السائق بعبوس وقالت:
“هذا ليس صدى. ألا ترى؟ هذا هو القدّيس لينغ الموقّر. راقب ألفاظك أمام طفل، يا هذا!”
ترجمة آمون