عبد الظل - الفصل 2426
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2426 : الفروق الدقيقة في طباعة أموال
أصبحت باستيون شاسعةً للغاية بحيث لا يمكن عبورها سيرًا على الأقدام – صحيحٌ أن وجهة آيكو لم تكن بعيدة عن ضفة البحيرة. وبعد أن نزلت من العبّارة، فكرت في استدعاء عربة، لكنها صادفت واجهة متجر ووقعت في سحرها، محدقةً في المعروضات بعينين لامعتين.
خطر لها حينها أنها ارتكبت خطأً فادحًا في اختيار ملابسها. لا بد أن العيش في ظلام المدينة المظلمة أفسد ذوقها في الأزياء. فقد اعتادت على رؤية العالم بدرجات الرمادي فقط، حتى نسيت أن تضيف لونًا واحدًا إلى مظهرها!
‘آه، يا له من تقصير!’
كانت آيكو محرَجة حتى النخاع.
‘ذلك الوشاح الأحمر. وتلك الأزرار الياقوتية. وتلك الأحذية ذات النعال القرمزي!’
لا، لا. لا يمكنها فعلها. فزيّها كان تكريمًا لأيقونة الموضة التي لا تُقدّر حق قدرها: مورغان من فالور نفسها – لا تقليدًا وقحًا. كانت مورغان تملك تلك العيون الخلابة بلون القرمز، والتي كانت تجمع مظهرها بأكمله في شكلٍ ساحر. لذلك كانت ملابسها تتناسق تمامًا مع اللمسات الحمراء والإكسسوارات الياقوتية!.
لم تكن آيكو، للأسف، تملك عيونًا قرمزية. كانت عيناها بنيتين، إذن…
‘أزرق؟ أخضر؟ لا، هذان لا يتماشيان مع الفضة. وردي؟ ماذا عن الأرجواني؟’
حدّقت في واجهة المتجر بشدة، وهي تكاد تُحدث فيها ثقبًا من تركيزها.
في الماضي، حين كانت آيكو فقيرة وبائسة – حتى قبل استيقاظها – كانت تمضي ساعات طويلة أمام واجهات المتاجر كهذه، تحدّق في أشياء فاتنة لم تكن لها إلا في أحلام اليقظة.
لكن الآن، لم تعد من النوع الذي يكتفي بالمشاهدة من خلف الزجاج.
لماذا تحدق من خلف النوافذ إذا كانت تستطيع شراء ما تشاء من داخل المتجر – أو حتى شراء المتجر نفسه؟.
دخلت المتجر الصغير، ونظرت إلى العاملين فيه نظرة محايدة. بدأ المحترفون على الفور بتقييم ملابسها وإكسسواراتها ومظهرها العام. بعد لحظة، تغيّرت تعابيرهم، وارتسمت ابتساماتٌ مشرقة على وجوههم.
“آنستي! مرحبًا بكِ!”
سمحت آيكو لطرف فمها بأن ينحني للأعلى قليلًا.
‘آه. الثراء هو الأفضل فعلًا.’
ثم رفعت يدها وأشارت إلى رفٍّ معين.
“هذا. وهذا. وهذا أيضًا. وأيضًا ذاك، وذاك، وذلك هناك.”
فقدت الإحساس بالوقت. وبعد برهة، كانت هناك كومة من الصناديق الملوّنة أمامها، وابتسامات العاملين قد اتسعت حتى كادت وجوههم تتشقق.
“المجموع هو مئة قطعة نقدية، يا آنستي.”
أخرجت آيكو كيس نقودها، وفكّت عقدته، وسكبت محتواه على المنضدة.
تلألأت عينا البائع بحدة.
وكذلك عيناها. فقد حان الجزء المهم الآن: المساومة!.
بالطبع، كأشخاص حضاريين وراقيين، لن يساوموا على سعر البضاعة المشتراة.
بل سيساومون على قيمة نقودها.
أشارت آيكو إلى نقودها.
“كما ترى، هذه قطع من عملة قلب الغراب في حالة ممتازة. لذا، أنا مستعدة لدفع خمسين منها.”
ابتسم البائع بلطف.
“آه، لكن جودة عملات قلب الغراب الحديثة ليست كما كانت سابقًا. وحتى لو كانت كذلك، فلا يمكن أن تساوي ضعف القيمة. ربما أكثر بعُشر القيمة فقط، في أفضل الأحوال. يؤسفني قول هذا، يا آنستي، لكن لا يمكنني التفريط بهذه القطع الرائعة بأقل من تسعين من هذه القطع.”
كانت العملات المصكوكة في باستيون وقلب الغراب من المفترض أن تكون متطابقة، إذ تحتوي على كمية محددة من جوهر الروح. لكن عملية صكّها وحقنها بالجوهر لم تكن دقيقة تمامًا. فمختلف المصانع، وحتى الدُفعات المختلفة من المصنع نفسه، كانت تنتج نتائج متفاوتة قليلاً. وكانت عملات قلب الغراب غالبًا أكثر قيمة، لكن ذلك أيضًا كان يعتمد على عوامل متعددة.
رفعت آيكو يدها وهزّت إصبعها نافيًا.
“أوه، يبدو أن بصرك ليس حادًا كفايةً. لقد فاتك ملاحظة أن هذه القطع هناك ليست مجرد عملات قلب الغراب. بل هي في الحقيقة عملات من نطاق الأغنية في حالته البكر. والحق أنني لم ألاحظ ذلك أيضًا. يا لي من غافلة! لذا، أنا مستعدة للتنازل عن أربعين من هذه القطع الرائعة.”
شحب وجه البائع من الخوف.
كيف تحوّلت الخمسون إلى أربعين؟ أليست المساومة تتجه للأعلى، لا للأسفل؟.
والأسوأ من ذلك، أنه لم يستطع حتى مجادلة منطق هذه الفتاة الصغيرة.
فبجانب عملات باستيون وقلب الغراب المتداولة اليوم، لا تزال هناك العملات التي صُكَّت في نطاقي الأغنية والسيف الساقطين. ولم تكن جودتها أفضل من العملات الحديثة – بل أدنى منها في معظم النواحي. ومع ذلك، كانت أكثر قيمة بكثير، ليس إلا لندرتها.
فالنطاقان لم يسكّا العملات إلا لسنوات معدودة قبل أن يختفيا في كتب التاريخ، ولن يتم صكّ أي دفعات جديدة منهما بعد الآن. وعددها محدود، ويتناقص بسرعة – فعملة الجوهر يمكن استهلاكها للحصول على دفعة من الجوهر عند الحاجة. لذا، وحدها ندرتها جعلتها باهظة القيمة.
فالناس كائنات غريبة، ترى في الأشياء عديمة القيمة قيمة عظيمة، فقط لأنها تعلم أن الآخرين لن يتمكنوا من امتلاكها.
ابتلع البائع لعابه.
“أر… أربعين؟ لا، لا أستطيع. فنحن جميعًا من أبناء باستيون هنا. وعملات الأغنية المزعجة تلك غير مرحّب بها هنا؟”
لكن صوته لم يكن واثقًا.
ابتسمت آيكو بابتسامة المنتصر.
“النقود لا تصدر رائحة، كما تعلم. لكن، في الواقع. أظن حمل كل هذه العملات سيكون مرهقًا عليك. ما رأيك أن أدفع بشيء آخر؟”
فجأة، ظهرت عملة مختلفة بين أصابعها. كانت تلك أكبر حجمًا وأثقل وزنًا، سوداء بالكامل، وعليها نقش لثعبان ملتف.
اتسعت عينا البائع بشدّة.
“أهي… عملة ظل؟”
مدّ يده المرتجفة نحوها.
ابتسمت آيكو ابتسامة عريضة وسحبت يدها بعيدًا.
“نعم، هي كذلك. إذًا، ما رأيك أن أدفع بواحدة فقط؟”
تردد البائع لثوانٍ.
فإذا كانت عملات النطاقات الساقطة ثمينة، فإن عملات الظل بالغة الندرة. لا أحد يعرف من أين تأتي، ولا من يصكها، لكن الجميع يتمنى امتلاك واحدة – لأنها ليست عملات جوهر.
بل كانت عملات شظايا. استهلاكها لا يمنح جوهر للمستيقظ، بل يمنح شظية روح – أو حتى أكثر، إن كانت من فئة عالية.
بالطبع، توجد طرق أسهل للحصول على شظايا الروح. شراء شظية روح مثلًا أسهل بكثير من مطاردة عملات الظل الغامضة. لكن الغموض ذاته، والندرة الساحقة، هو ما جعلها كنوزًا بحق.
أما عملات الظل، فكانت تُنتَج في القلعة المظلمة – المُقلد الرائع – ولم تكن تكلّف آيكو شيئًا. فكل ما عليها فعله للحصول عليها هو إطعام المقلد بنظام غذائي ثابت من مخلوقات الكابوس المروعة، وهي طريقة ممتازة لصنع المال من العدم.
أخذ البائع العملة بعينين يلمع فيهما الجشع، ثم أخرج ابتسامة مجاملة بالقوة.
“رائع، يا آنستي. نرجو أن تزورينا مرة أخرى. آه، هل تحتاجين من يساعدك في حمل الصناديق إلى عربتكِ؟”
ابتسمت آيكو.
“لا داعي.”
استدعت حقيبة أنيقة من الجلد الأسود، فتحتها، ووضعت فيها الصندوق الأول. كان الصندوق أكبر من الحقيبة، ومع ذلك اختفى دون أثر.
ثم اختفى الثاني. والثالث. والرابع.
ولم يمض وقت طويل حتى اختفت كومة الصناديق بالكامل.
ربطت ربطة عنق زاهية اللون حول عنقها، وابتسمت برضا.
“حسنًا، إلى اللقاء!”
ثم طردت الحقيبة، وغادرت المتجر منتشيةً بالكامل.
بالطبع، لم تنسَ أن تجمع نقودها من على المنضدة أولًا.
‘والآن، إلى لقاء إيفي!’
ترجمة آمون