عبد الظل - الفصل 2419
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2419 : قبو البنك
في أعماق أحشاء البنك المحصن بشدة، انفتحت الأبواب العملاقة للقبو، وقاد الطاغية رجاله إلى الداخل. واضطرّت رَين وتمار إلى اللحاق بهما، ليجدوا أنفسهم داخل…
‘هاه؟’
لم يكن قبو البنك يشبه ما توقّعَته رَين على الإطلاق.
في الواقع، لم يكن مختلفًا عن شقة فاخرة مُزيّنة بذوق رفيع. كانت هناك غرفة ضيوف فسيحة بأثاث فاخر، وجدران فيديو تعرض مناظر خلابة لساحل بحري، ونظام تحكم بالمناخ يحاكي نسيمًا منعشًا.
تؤدي عدة أبواب إلى خارج غرفة الضيوف، نحو مطبخ مفروش بأناقة، وغرفة نوم مرتبة ودافئة، وغرفة ترفيه تحتوي على نظام ترفيهي متطور، وصالون أنيق. كان كل شيء هنا مُهيّأً ليعيش المرء حياة مريحة دون الحاجة إلى الخروج على الإطلاق.
وتواجدت امرأة ترتدي بزّة عمل أنيقة وهادئة الألوان تقف في وسط غرفة الضيوف، ناظرةً إلى الطاغية بتعبير مضطرب.
“ما الذي يحدث؟”
نظرت رَين إلى تمار والقرصان بقلق، لكن لا أحد منهما بدا متفاجئًا من المشهد.
أومأ الطاغية برأسه، فتوزّع رجاله عبر الشقة الفاخرة التي هي… قبو؟ أما هو، فتقدم نحو المرأة، وحدّق بها بنظرته الزجاجية الباردة المعتادة.
تكلّم أولًا:
“تشرفت بلقائكِ، يا حارسة القبو. وأفترض أنه لا جدوى من توقّع تعاونكِ الطوعي؟”
هزّت المرأة رأسها بأسى.
ضحك الطاغية.
“كما تشائين. سيكون العذاب إذًا.”
اعطته ابتسامةً باردة.
“يبدو أنك تعرف الأساسيات. إذًا لا بد أنك تعلم أن من هم مثلي يُوظفون لسبب. جانبي يجعلني منيعةً ضد الألم، فجرب أسوأ ما لديك.”
فهمت رَين أخيرًا ما يحدث. وبالنظر إلى الخلف، كان الأمر واضحًا تمامًا.
كان هذا البنك قديمًا ومرموقًا، يقدم خدماته للعديد من عائلات الإرث البارزة. وما الشيء الذي قد ترغب عشائر الإرث في الحفاظ عليه بأمان؟.
مجوهرات، مواد ثمينة، قطع فنية لا تُقدّر بثمن؟.
نعم، هؤلاء أيضًا. ولكن في المقام الأول، كان أغلى ما تملكه عشائر الإرث هو الذكريات والأصداء.
ولا يستطيع امتلاك تلك الأشياء إلا المستيقظون.
وفي حال لم يكن ورثة العائلة قد استيقظوا بعد، فكان لا بد من وجود وسيط موثوق يضمن تسليم الإرث إليهم – إذ إن حياة المستيقظين مليئة بالمخاطر، وقد يموتون في أي لحظة. لم يكن الآباء دائمًا قادرين على نقل آثار الإرث والذكريات الثمينة إلى أبنائهم بأنفسهم. لذا اعتاد الورثة الراشدون إيداع ميراث عشيرتهم لدى طرف محايد موثوق للحفاظ عليه، خاصة قبل خوض مغامرات مميتة مثل تحدي كابوس أو المشاركة في حرب.
ومن هنا أتت الحاجة إلى هذا البنك… وإلى المرأة التي كانت واقفة أمام الطاغية بابتسامة باردة.
كان قد ناداها بحارسة القبو، لكن الأدق أنها كانت القبو. كانت تلك المرأة المستيقظة التي أودعت في روحها الذكريات والأصداء التي ائتُمن البنك عليها. ولهذا السبب كانت محجوزة تحت الأرض، تعيش في أمان هذا السكن الفاخر المحصن بشدة.
وفوق ذلك، وفي حال تعرّضت هذه الغرفة السرّية تحت الأرض للاقتحام، كانت حارسة القبو تملك جانبًا يبدّد الألم – ولهذا كانت منيعة ضد أشكال العذاب العادية، مما جعل إرغامها على نقل الذكريات والأصداء أمرًا في غاية الصعوبة.
لكن حيث تتواجد الإرادة، تتواجد الطريقة.
أصبح وجه رَين قاتمًا.
لا شك أن هناك غرفة مدرعة بها صناديق ودائع مادية في مكان ما، لكن هذا لم يكن هدف الطاغية.
كان هدفه هو حارسة القبو.
بقي يحدق بها بصمت للحظة، ثم بدا كأنه يبتسم خلف قناعه.
“كلام جريء… لكن هل ستتحملين عواقبه؟ سنرى قريبًا مدى قوة جانبكِ يا حارسة القبو. هل أنتِ فعلًا منيعة ضد كل الألام؟ هل يشمل ذلك الألم الجسدي كله؟ أم أنكِ لا تشعرين حتى بعذاب تمزق الروح؟ وماذا عن الخوف؟ ألا تخافين رؤية نفسكِ تُشوهين وتُبترين، حتى وإن لم تشعري بشيء؟”
ضمت شفتيها، لكنها بقيت صامتة، محدقةً فيه بوجه شاحب.
‘كلا. لا أعلم ما هي مهمة القرصان، لكنني لن أقف مكتوفة الأيدي وأشاهد امرأة بريئة تُعذّب أمامي.’
في تلك اللحظة، ضحك الطاغية مرة أخرى.
“لا بأس، مع أنني أتوق لاختبار حدودكِ، أيتها الحمقاء، فلا وقت لذلك. لذا دعيني أُقدّم لك صديقي.”
فجأة، أحاط به دوّار من الشرر المتلألئ. وكان هذا الدوّار كبيرًا للغاية بحيث لا يمكن أن يتجسد في صورة ذكرى، مما يعني…
‘صدى؟’
فجأة، انبعث صوت مخالبٍ تخدش الأرضية.
ظهر مخلوقٌ بشع في الغرفة الشاسعة، يعلو البشر قامةً. بلغ طوله نحو ثلاثة أمتار، بجذعٍ هزيل وأطرافٍ طويلة شاحبة. كانت أطرافه السفلية طويلة وقوية، تشبه أرجل الضفدع، بينما كانت أطرافه العلوية أقرب للبشر – باستثناء شحوبها الشبيه بالجثث، وتناسقها الغريب، وأياديه ذات المخالب.
أما الجزء المروّع حقًا، فكان وجهه.
‘آه… مقرف.’
كانت كتلة من المجسّات الزاحفة تتدلّى من فمه، حاجبةً صدره. عيناه واسعتان ومغطّاتان بالساد، وعلى رأسه بروزات على شكل زعانف وكأنها تاج. وكان جسده بأكمله رطبًا ولامعًا بنورٍ خافت، كأنه زحف لتوه من بركة مظلمة من الماء الراكد.
من مظهره، بدا كأنه صدى لطاغوت ساقط.
تراجعت حارسة القبو خطوة لا إرادية إلى الخلف، بينما تقدّم القرصان بخطوة متكاسلة، جعلته واقفًا بين رَين والصدى.
وصادف أنه كاد يصطدم بتمار، التي فعلت الشيء ذاته.
“ما… ما هذا الشيء؟”
كان صوت حارسة القبو قلقًا.
أمال الطاغية عنقه لينظر إلى صداه، ثم التفت نحو المرأة.
“هذا صدى فريد في قدرته على الإقناع. تؤثر قواه على العقل. للأسف، يدمر دماغ الضحية بعد أن يجعلها تنفذ ما يطلبه سيد الرجع منها. إذًا، يا حارسة القبو، أمامكِ خياران، إما أن تتعرّفي إلى صديقي عن قرب، أو تسلّمي لي الذكرى المسماة ‘مفتاح الصعود’ طواعيةً.”
خفضت رَين رأسها واستعدّت لتجسيد علامتها كسلاح.
لكن حدث شيء غير متوقع.
فكما أتى القرصان بخطوة متكاسلة ليقف بينها وبين الصدى، تقدّم بخطوة أخرى.
وغرس خنجرًا أسود في مؤخرة جمجمة الطاغية.
أو… حاول أن يفعل ذلك.
لسبب غريب، انزلق النصل الحاد ببساطة عن رأس الصدى، ولم يُخلّف سوى خدش سطحي.
وبدا أن الزمن قد تباطأ فجأة.
‘كلا… ما الذي يجري؟ هل تباطأ الزمن فعلًا؟’
تنهد القرصان.
“راي، الآن!”
ثم غُمر كل شيء حولهم فجأة في الظلام.
ترجمة آمون