عبد الظل - الفصل 2409
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2409 : نهاية اللعبة
مات طاغية الثلج، وانتهت اللعبة.
شعر صني بضغطٍ خافت، وكأن عالم لعبة آرييل كان يرفضه. شكّ أنه سيُطرَد قريبًا، لكنه في الحقيقة لم يكن يعرفُ ما الذي سيحدث بالضبط. فقد بقيت القطع التي وضعها ويفر وآرييل على اللوح في أماكنها لآلاف السنين، تنتظر لاعبينَ جددًا… لكن لم يأتِ أحدٌ، مما أجبر الطغاة الأسرى على تولي زمام المبادرة بأيديهم.
ولم يُكمل الشِيطَانَان اللعبة قط. فقد استسلم آرييل ببساطة عندما وُضع في موقفٍ ميؤوسٍ منه. لذا، لا سبيل لمعرفة ما سيحدث لاحقًا.
هل كان على صني أن يبحث عن سبيلٍ للخروج من لعبة آرييل بنفسه؟ بالنظر إلى الشعور بالرفض الذي شعر به، لم يبدُ الأمر كذلك. هل سيُحرَّر من دوره كطاغية الرماد ويُعاد إلى قلب الغراب، إذًا؟ ماذا عن قطعه؟ ماذا عن القطع المتبقية للطرف المهزوم؟ هل سيظل الطاغوتان الملعونان حبيسي لعبة الموت، أم سيتحرران من أدوارهما أيضًا؟ أم هل سيُطهَّران بواسطة الكيان البغيض القابع تحت السحب؟ لم يكن يعرف.
لكن مهما حصل، كان عليه أن يُسرع ويأخذ جائزته.
‘مهما حصل، هاه؟’
فالسَاميين وحدهم من يعلمون أن صني قد خاض نصيبه من الجحيم، ونصيبه من المسطحات المائية المُرعبة أيضًا.
“ابحث عن التمثال، يا كاي!”
تجاهل الألم في ذراعه المكسورة وصدره المُمزق، واستدار لينظر إلى قمة الجبل. لا بد أن مدخل قلعة الثلج كان في مكانٍ ما هناك. أطلق صني حاسة ظله إلى أعماق الجبل، وشعر بإلحاحٍ داخلي. نعم، لم يكن يعرف ما الذي سيحدث، لكن شيئًا ما أخبره أن الوقت المتبقي لهم لم يكن كثيرًا.
كان الضغط الطارد يتصاعد، واضطر صني إلى بذل إرادة عظيمة كي يبقى ثابتًا في العالم المصغر للعبة آرييل. كان جسد محرك العرائس الضخم يعلو فوقه، خافيًا كنوزًا مغرية.
كان من الممكن أن تُستخدم أجنحة العثة العظيمة لصناعة دروعٍ وثيابٍ مذهلة، وأن تُصاغ أطرافها إلى أسلحةٍ قاتلةٍ للسَاميين، وكانت شظايا أرواحها الخمس المخبأة في أعماق جثتها قد تصبح مراسٍ لنسيج تعويذاتٍ لذكرياتٍ بالغة القوة. لكن لم يكن هناك وقت لجمع أي من هذه الذخائر المقدسة.
وحتى لو كان هناك وقت، لم يكن صني واثقًا من أنه كان سيفعل. لقد رأى كيف بدا أن العالم نفسه قد تلوث وفسد بقطرات من دم محرك العرائس.
هل كان من الحكمة حقًا أن يطمع في كنوزه، حتى بعد موته؟ الأمر أشبه وكأن جثة السَامي الساقط ما زالت مصدرًا لفسادٍ لا يتوقف. لعل هذه الكنوز لم تكن مقدسة، بل ملعونة. لذا، الشيء الوحيد الذي أراد صني إيجاده هو تمثال طاغية الثلج المصنوع من اليشم. وعليه أن يُسرع. فقد ربح الكثير أصلًا بهزيمة روح الشك.
أصبح ظل محرك العرائس متواجدًا الآن في بحر روحه. كما أنه قد أتقن الخطوة الخامسة من رقصة الظل. صحيحٌ أن استخدامها كان أمرًا بالغ الخطورة – فقد كادت تكلف كاي حياته، بعد كل شيء. لكن حتى لو امتنع صني عن أداء الخطوة الخامسة لاحقًا، فإنه سيبقى يجني فوائد إتقانها.
لأن الثعبان لا بد أنه قد أصبح ‘عملاقًا’ فائقًا نتيجةً لذلك. وإن أصبح صني حاملًا لتعويذة الكابوس مرة أخرى ذات يومٍ، فمن يعلم؟ قد يكون هناك أثر إرث جانبٍ جديد يلمع في انتظاره، جاهزًا ليُطالب به. وهناك القاتلة، أيضًا. لعل صني كان ضائعًا في هيئة عملاق اليشم، لكنه لم يفُتْه رؤيتها تدمر ظل الإدانة. بعد كل هذا الوقت، ها هي القاتلة قد اصطادت فريستها، أخيرًا.
‘يا لها من مُثابرّة.’
لكن، على عكس الذئب، الذي عاد ظله إلى فراغ روحه الخالي من النور بعد تدميره، كان الإدانة قد اختفى ببساطة. امتصته الظل القاتلة بطريقةٍ ما، وكأنه تضحية قُدِّمت لنفسها. وبعد ذلك، اختفت القاتلة ببساطة. كما تفعل القديسة والظلال الأخرى حين تعود إلى لهيب روح صني المظلمة والمغذية وتخضع للتطور.
‘القاتلة… ستتطور؟’
هل سترتقي إلى رتبة أعلى؟ أم فئة أعلى؟ ربما حتى تفك ختم جانبها؟ شعر بالحماسة لذلك الاحتمال، وبالقلق في آنٍ معًا.
كان سبب الحماسةِ واضحًا، فكلما قويت ظلاله، أزداد هو قوةً كذلك. وكان القلق أيضًا سهل الفهم.
‘آه، مواجهاتنا الأسبوعية على وشك أن تصبح مزعجةً أكثر، أليس كذلك؟’
ومع ذلك، كانت هذه أيضًا من النِعَم التي تلقاها في معركته ضد محرك العرائس. نظر بصمت إلى رأس العثة العملاقة.
كان صني يظن سابقًا أن ملك الجبل هو الشكل النهائي لدودة محرك العرائس. لكنه الآن، بعد أن واجه روح الشك، علم أنه كان مخطئًا. لم يكن ملك الجبل محرك العرائس، ولم يكن من ذريته حتى.
بل لم يكن سوى قشرة مهجورة خلّفتها دودة شك منذ زمنٍ بعيد، بعدما استخدمتها كمضيف لتنضج إلى عثةٍ مرعبة. ملكٌ فانٍ أصابه الشكُّ وتحوَّل إلى وحشٍ، مُطلقًا لعنةً مُزعجةً على العالم.
استمرت تلك اللعنة في النمو والنضوج حتى أصبحت روح الشك… محرك العرائس. والآن، قد ماتت.
لو كان صني صادقًا مع نفسه، فهو ما زال لا يصدق أنه قد انتصر. أنه قتل طاغيًا ملعونًا، وطاغيًا ماكرًا مثل محرك العرائس، على وجه الخصوص. صحيحٌ أنه ورفاقه كانوا متوافقين تمامًا مع هذا الخصم الشرير، لدرجة أن المعركة بدَت وكأنها رتّبت خصيصًا لهم. وإن كانت كذلك… فليس عليه أن يخمّن من الفاعل.
‘ويفر.’
إلى أي مدى يمتد تأثير هذا الشيطان الغامض؟ ماذا كان شيطان القدر يسعى لتحقيقه؟ هل كانوا جميعًا مجرد دمى ترقص على خيوطٍ مربوطةٍ بأصابع ويفر السبعة المخلبية؟ خيوط القدر…
“وجدته!”
طار كاي عبر خيوط الحرير الذابلة، وهبط في عاصفة من الثلج قرب صني. كان تمثال اليشم في راحة يده، يرتدي تاجًا.
ابتسم صني بضعف.
“أجل، أنا أيضًا وجدته.”
في أعماق الجبل، اكتشف بحاسة ظله كهفًا عملاقًا، وفي داخله قلعة مبنية من الجليد. وكانت شرنقة الحرير الأسود قد تلاشت بالكامل الآن.
أهتز الجبل، وأتسعت التشققات التي شطرت منحدراته. شيء ما كان يتحرك تحت السحب. شدّ صني إرادته، وأجبر نفسه على البقاء في العالم الذي يحاول طرده، وأمسك كتف كاي.
“هيا بنا!”
وبذلك، استخدم ما تبقى من جوهره وسحب كليهما إلى الظلال. كان الكهف الهائل يتفكك، وكتل الجليد العظيمة تتساقط من سقفه وتتحطم إلى شظايا لا تُحصى بصخبٍ يصم الآذان. ومع ذلك، لم يتمكن أي منها من إلحاق الضرر بالقلعة التي انتصبت في مركز الكهف. كانت تشبه قلعة الرماد إلى حدٍ كبير، إلا أنها مصنوعة من الجليد ومغلفة بالثلج.
لم يُضِع صني وقتًا في تأمل هندستها، بل جذب نفسه وكاي مباشرة إلى الفراغ الهائل لقلب الحصن الرئيسي.
هناك، غطّى الثلج الأرضية بدلًا من الرماد. وامتلأت أغلب القاعة الجليدية العظيمة بخيوط الحرير السوداء التي تسد الطريق مثل شبكة عنكبوت. لم تبدأ هذه الخيوط بالذبلان بعد، واحتفظت بقوتها المدهشة.
كان بإمكان صني أن يشق طريقه عبر شبكة الحرير الأسود لو أراد، لكنه كان جريحًا بشدة، وعلى وشك يستنفد جوهره، وتحت ضغط الوقت أيضًا. لذا، دفع أكبر قدر ممكن من الحرير إلى بحر روحه، مخلّفًا نفقًا ضيقًا إلى قلب القاعة.
هناك، تواجد مذبحٌ من اليشم أمام حفرةٍ دائرية. لم يكن هناك دخان يتصاعد من الحفرة، ولا حممٌ تغلي في الأعماق. بل كانت بئرًا مظلمًا لا قعر لهُ، مغمورًا ببردٍ قاتل. كان البرد محتملًا إلى حدٍ ما قرب المذبح، لكن في الأعماق المظلمة، لم يكن بوسع شيء أن ينجو من حضنه المتجمد. ولا حتى ‘عملاقٌ’ فائق مثل صني.
“أسرع.”
عرج نحو الحفرة، ساحبًا كاي معه.
وازداد ضغط لعبة آرييل عليه شدّةً، محاولةً طرده من لوح اللعب — وبات صني الآن مضطرًا إلى استنفاد كل ما لديه من إرادة لمقاومته، وقد شارفت قدرة تحمّله على الانتهاء.
‘آه.’
عندما وصلا إلى الحفرة المظلمة، تردد صني للحظة ونظر إلى يده. هناك، استقرت تمثالان من اليشم جنبًا إلى جنب – أحدهما نقيٌ ويرتدي تاجًا، والآخر وحشيٌ ملطخٌ بالدم. كانا تمثالي محرك العرائس وملك الجرذان. شعر صني أن ما أتى لأجله – جزء من نسب ويفر – كان مخبأً في تمثال طاغية الثلج. أما الآخر، فقد يكشف له حقيقة لا تُقدَّر بثمن. لقد كان كنزًا لا يُعوَّض، إرثًا تركه آرييل، شيطان الرعب.
ومع ذلك، أجبر نفسه على التقاط تمثال وحش الثلج وقدّمه إلى كاي.
“خذ، أنت تستحقه. خذه.”
تأمل كاي التمثال الملطخ بالدماء لفترة، مفتونًا بوعده الآسِر. ارتجفت عيناه. ثم، ابتسم بخفوتٍ وهزّ رأسه.
“لا، سيكون أكثر فائدةً لك.”
حدّق فيه صني بصمت، ثم سأله بحدة:
“أمتأكد؟ سيكشف هذا الشيء لك الحقائق. أي حقيقةٍ – أي شيء أردت معرفته يومًا، أي إجابة تمنيتها. نعم، أعلم أنك عانيت كثيرًا من الحقائق بسبب عيبك، لكن مع ذلك، لن تحصل على فرصةٍ مثل هذه مرةً أخرى.”
بقي كاي صامتًا للحظة. وأخيرًا، اتسعت ابتسامته قليلًا.
“أعرف. لكني تعلّمت الكثير في هذه الرحلة. الكثير. لذا، أعتقد أنني بخير. أعرف كل ما أحتاج معرفته. شكرًا لك، على أية حال – أقدّر ذلك.”
حدّق فيه صني لبضع ثوانٍ، ثم أومأ برأسه وتنهد وهو يُبعد بصرهُ.
“أنت غريبٌ، أتعلم هذا؟”
ضحك كاي.
“الغريب يعرف الغريب.”
أخذ صني نفسًا عميقًا وحاول أن يبتسم، هو الآخر.
“أراك على الجانب الآخر، إذًا.”
ثم، رمى التمثالين في الحفرة واستعد. وبينما كانا يسقطان في الظلمة، تذكّر صني المرات السابقة التي امتص فيها أجزاءً من نسب ويفر. كانت مؤلمةً كالجحيم في كل مرة. في الحقيقة، كانت من أسوأ الآلام التي اختبرها صني على الإطلاق.
ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ باهتة.
“أوه، بالمناسبة. إن بدأت أصرخ وأتلوى من الألم، لا تعرني اهتمامًا. فقط تأكد أنني لا أعض لساني أو أقتلع عينيّ، إن لم يكن ذلك كثيرًا عليك. حسنًا، لا بأس بعينٍ واحدة.”
رمش كاي.
“هاه؟ مهلاً، ماذا؟”
لكن صني لم يسمعه.
لأنه كان قد أصبح في مكانٍ آخر بالفعل.
ذهب ليستلم جائزته.
ترجمة آمون