عبد الظل - الفصل 2408
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2408 : خسارتكَ للأبد
[لقد قتلتَ خصمًا.]
أمال القديس الحجريّ رأسه، ناظرًا إلى جثة السَامي الساقط.
‘صوت مَن كان ذلك؟’
كثيرةٌ هي الأشياء التي بدت غريبة الآن بعد أن انتهت المعركة. لقد شعرّ بشكلٍ مبهم أنه كان من المفترض أن يشعر بشيء ما الآن بعد أن ماتت روح الشك. هل كان شعورًا بالنصر؟ أم بالخسارة؟ لقد كانت إنجازًا نادرًا ومذهلًا أن يقتل فائقٌ كائنًا ملعونًا – فضلًا عن طاغية ملعون، وطاغية ماكر كمحرك العرائس. ومع ذلك، لم يشعر القديس الحجريّ بالفرح. لقد كان بطلًا للعالم السفلي، في النهاية. وكان نصره مسألة طبيعية.
كل ما شعر به هو الشفقة لأن تلك العثة السوداء المذهلة لم تعد موجودة. لقد قاتلت ببسالة وكانت تستحق الاحترام. موت خصمٍ كهذا لم تكن مناسبةً للفرح.
لكنه لم يكن أيضًا أمرًا يدعو لهذا الشعور الغريب.
فلماذا؟.
كأنما كان ينسى شيئًا ما.
‘آه. فهمت.’
لم تنتهِ المعركة بعد.
رفع القديس الحجريّ رأسه ونظر إلى التنين القادم نحوه. كان ظل الذئب يَشمّ جثة العثة العملاقة القريبة. وكان هناك ظلٌ آخر على مسافة غير بعيدة – عبارة عن دوامة مظلمة تبتلع كل شيء تلمسه، وقد بدأ يتكوّن وعاء جديد من حولها.
وظلٌ ثالث. امرأة أنيقة تتحرك كراقصة، متخفية على ظهر التنين.
خَدَمُ السَاميينَ.
وبينما كان القديس الحجريّ يراقب، قفز ظل الصائدة من على ظهر التنين. فسحبت قوسها في الهواء، بسهمٌ يحمل بصمة الموت مزّق نسيج العالم، مخترقًا قلب الدوامة المظلمة.
‘إنهم يقاتلون بعضهم البعض.’
شعر القديس الحجريّ بلمحة من الارتياح.
فذلك سيجعل مهمته أسهل، رغم أن القضاء على هؤلاء الأعداء لم يكن يبدو مهمةً صعبة على أي حال. كان يستطيع قتلهم في رمشة عين.
عاليًا فوقهم، كان الحجاب الأسود الذي يحجب العالم ينهار. والحرير الذي يكسو سطح الجبل بدأ يذبل، أيضًا. أخذت خيوطٌ لا تُحصى منه تتقصّف وتتلاشى، وبريقها الأسود الجميل يتآكل ببطء. وكأن الجبل بدأ يشيب.
وكان هناك شيء آخر يحدث كذلك. كأنّ قوة غير مرئية تشعّ من مكان بعيد، مخفية وسط بحر السحب…
تدفعه. وتنبذه من هذا العالم.
قطّب القديس الحجريّ جبينه حينما حطّ التنين قريبًا منه وتكلم، وهدر صوته العذب فوق الجبل المتشقق:
“صني! لقد… لقد فزنا!”
نظر العملاق الحجريّ إلى التنين بصمت، وغبار الياقوت ما زال يتساقط من درعه المصقول المصنوع من اليشم. وكان هناك شيء غريب في ذلك أيضًا.
لماذا كان ينزف؟.
ثم تساءل.
ولمَ لا؟.
‘عليّ أن أنهي هذه المعركة بسرعة وأهتم بجراحي.’
“صني؟”
بالقرب، رفع ظل الذئب خطمه ونظر إلى القديس الحجريّ. انتفش فراؤه وتراجع ببطء، مطلقًا زمجرة تهديد.
في مكان أبعد، اخترقت سهام أخرى الدوامة المظلمة، وهبطت صائدة الظلال برشاقة على المنحدر، وأشهرت سيفيها التوأمين ثم انطلقت نحوه.
‘من الأفضل قتلهم الآن ما داموا منقسمين.’
نظر القديس الحجريّ إلى تنين منتصف الليل ببرود. فهذه، أيضًا، كانت ساحة من ساحات الحرب.
تحرك سيفه بسرعة تفوق ما يجب أن يتحرك به نصل بهذا الحجم. استهدف القديس الحجريّ أولًا ظل الذئب، وأعاده إلى عالم الظلال بضربة واحدة. وحدث شيء غريب حينها. شعر كأن شيئًا ما قد عاد إليه في اللحظة التي تحوّل فيها جسد الوحش المظلم إلى سيل من الظلال وذاب في العدم.
لكن لم يُعره القديس الحجريّ اهتمامًا كبيرًا، لأن التنين كان التالي.
“ما الذي تفعله؟! توقف!”
كان في صوت التنين إكراهٌ قوي، لكنه كان عاجزًا ضده مثل أوتار الشك. ومع ذلك، فإن السؤال أبطأ سيفه بجزء من الثانية. وكان ذلك كافيًا لكي يتفادى الوحش العظيم الضربة القاتلة، لكنه لم يكن كافيًا لتجنب النصل الحجري بالكامل.
فقد قطع حراشف منتصف الليل بسهولة، وغاص في لحمه، محدثًا جرحًا نزف دمًا فضيًّا. أطلق التنين صرخة ألم وترنّح مبتعدًا.
لكنه لم يكن ليذهب بعيدًا، بطبيعة الحال.
“أنا أضع حدًا لكلبٍ من كلاب السَاميين.”
شدّ القديس الحجريّ جسده، مستعدًا للانقضاض وإنهاء خصمه تمامًا.
“صـ–صني، توقف!”
لمن كان ذاك المخلوق ينادي؟ لأحد حلفائه؟.
لعلّها الصائدة.
وإن كان كذلك، فإن نداءه عبثٌ. فالصائدة ستموت تحت سيف القديس الحجريّ عاجلًا أم أجلًا.
مزّق الإكراه بسهولة، وانطلق رافعًا سيفه.
لم يبقَ للتنين سوى لحظة واحدة ليعيش.
“نـ–نيفيس، كاسي، إيفي!”
تردد.
‘ما… هذا؟’
“كاي، رَين، جيت!”
تجمّد القديس الحجريّ، ونصل سيفه يلمس عنق التنين بالكاد.
“نوكتس، أنانكي! تذكّر، سحقا! آيكو، يوليوس، بيث!”
‘تلك الأسماء.’
اتسعت عيناه.
“كيم، لاستر، كوينتين، دورن، بيل، سمارا، أوبل!”
لم يتحرك التنين أيضًا، ناظرًا إليه بعينين تمزجهما الخوف والأمل.
في مكان بعيد، تلاشت الدوامة المظلمة، واختفت دون أثر. وكأنها امتصّت في جسد صائدة الظلال الأبنوسي.
ثم نظرت الصائدة نحوهما للحظة، وتلاشت هي الأخرى.
حدق التنين في صني، ثم أرتفع وصرخ:
“كيف نسيت؟ استفِق، الآن!”
حدّق فيه صني من أرتفاعه العظيم.
ثم خفض سيفه وهزّ رأسه.
“هل كان حقًا لا بد أن تصرخ بهذا الشكل؟ لستُ أصمًا، كما تعلم.”
أخفى الارتجاف في صوته، وسارع إلى إنهاء هيئة القديس الحجريّ والعودة إلى شكله البشريّ المألوف والمريح.
صحيحٌ أن هناك ثقبًا في صدره، وأن ذراعه التي استعادت حركتها مؤخرًا كانت مكسورة الآن. لكن كونه نفسه، لا يزال شعورًا رائعًا.
أوقف صني النزيف وارتجف، متذكرًا كم كان قريبًا من قتل كاي.
ومن فقدان نفسه كليًا، إلى الأبد.
‘كان ذلك… قريبًا جدًا.’
في النهاية، كانت ذكريات الأشخاص الذين ذكّره كاي بهم هي من أعادته… بالكاد.
أسماؤهم، وحقيقة أنه حتى وهو في هيئة القديس الحجريّ، ما زال يحمل نفس العيب.
حين سأله كاي كيف نسي، لم يجد صني إجابة، لكنه شعر بأنه مُلزم بأن يقدّم واحدة. وحين بحث عن الجواب، انحلّت شخصية عملاق اليشم كسراب.
لم يكن متأكدًا مما كان سيحدث لو بقي في تلك الهيئة مدة أطول، وتوغّل أكثر في وهم الهيئة الغريبة.
“ولأُجيبك… لم أنسَ حقًا. فقط أقنعت نفسي بأنني شخصٌ آخر، بإتقان. أنا شخصٌ مقنع للغاية، كما تعلم؟ في الواقع، أنا مقنع إلى درجة أنني أقنعت نفسي بالوجود.”
وهكذا كان الأمر عبر الجبال الجوفاء دون أن يختفي في اللاشيء.
حدق كاي فيه بسخطٍ تام.
وكان ذلك يبدو غريبًا، خصوصًا أنه ما زال في هيئة تنين.
“أقنعت نفسك… بالوجود. ماذا؟”
هزّ صني كتفيه.
“إنها الحقيقة.”
تخلّى كاي عن هيئته وتحول إلى إنسان مرة أخرى. وكان على وجهه الشاحب المتعب تعبير مذهول.
وكان الدم يسيل من جرح عميق في كتفه، مما جعل صني يتألم في داخله.
“إنه أنت فعلًا!”
من حولهم، كانت شرنقة الحرير الأسود تتهاوى.
وكانت جثة محرك العرائس تعلوهما مثل تلٍ مظلم.
لقد مات طاغية الثلج.
نظر صني إلى الأطراف الهائلة المقطوعة، ثم تنهد.
‘لتجدي العزاء في داخلي، أيتها العثة الشريرة. لقد كان كابوسكِ طويلًا… لكنه الآن قد انتهى.’
عليه أن يُسرع. فقد مات خصمه، وهذا يعني أن أمام صني وقتًا قليلًا ليحقق ما أتى من أجله.
“هيا. علينا أن نجد قلعة الثلج!”
شارفت لعبة الموت على النهاية.
ترجمة آمون