عبد الظل - الفصل 2406
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2406 : روح الشك
كانت أجنحة محرك العرائس قوية، لكنها كانت هشة أيضًا.
نسبيًا، بطبيعة الحال. في الحقيقة، لا يوجد مادة أكثر صلابة من أجنحة طاغية ملعون. ومع ذلك، كان يتعرض لهجوم من كاي والقاتلة – كائنَين متساميين نالا هبة الرماد ثلاث مرات، وتعززا بإرادة صني نتيجة لذلك.
كانت قدرتهما على جرح سَامٍ ساقط نتيجة إزالة ستة قطع ثلج من عن على اللوح، أغلبها من الرتبة الملعونة. موت تلك المخلوقات الكابوسية الملعونة هو ما غذّى هذا الهجوم.
مزّق سهم القاتلة ثقبًا في جناح محرك العرائس الأيسر. كانت الظل الأنيقة قد سحبت قوسها ووجّهته بمهارة وهي تمتطي ظهر تنين – أتى السهم من أسفل الترس المظلم الذي رماه صني، وكان مخفيًا عن النظر خلف كتلته الدوّارة. ولم تحظَ العثة الغريبة إلا بلحظة قصيرة للرد.
أما هجوم كاي الصوتي، فكان أقل تركيزًا. لم يتمكن من تمزيق الجناح الأسود العظيم، لكنه دفعه بقوة ارتجاجية شديدة، مما جعله ينطوي.
فاقدًا توازنه فجأة، فانحرف محرك العرائس في الهواء وفقد السيطرة على طيرانه. هَوى إلى الأسفل، محاولًا جاهدًا استعادة توازنه بينما امتدت خيوط حرير لا تُحصى من قبة الشرنقة السوداء للإمساك به.
لكن الترس الذي تمكنت العثة العملاقة تفاديه قد اصطدم بالخيوط بعد لحظة، دافعًا إياها بعيدًا.
انخفض صني بجذعه، ثم اندفع بجسده الشاهق صاعدًا إلى المنحدر، راكضًا نحو المكان الذي سيسقط فيه محرك العرائس.
على الأرجح، لن يحصل على فرصة أخرى لإنهاء هذه المعركة المؤلمة، لكن ذلك كان لا بأس به.
كان عقله الحجري هادئًا ومتّزنًا، لا يملؤه سوى التخطيط البارد. كان يشعر بأعماق الجبل تهتز تحت خطواته الثقيلة، وكلما حدث ذلك، تسارعت حركته. ارتفعت خيوط حرير سوداء عظيمة من سطح المنحدر المحطم لتقيّده، لكنه قطع بعضها بسيفه وتفادى البقية، رافضًا السماح لها بتقييده أو إبطائه.
حاولت أوتار الشك كذلك أن تمسكه بعناقها المقيت. لكنها فشلت في اختراق جلده، وسقطت عاجزة تحت قدميه، تتحطم دون أن تجد موطئًا في روحه أو عقله الراسخ.
‘الشك.’
كيف تجرؤ هذه النَفس الجبانة، والخبيثة، أن تُوجّه بصرها عليه، هو، بطل العالم السفلي؟ قريبًا، ستدفع العثة الضعيفة ثمن غطرستها.
بنوعٍ من الرأفة، كاد القديس الحجري أن يشفق على محرك العرائس. من بين جميع الكائنات في العالم، كان عليه أن يصادفهم هم الثلاثة – هو ورفيقاه. لم يكتفوا بذبح خدمه، بل كان كلٌّ منهم مقاومًا بطبيعته لقوى العثة الشريرة المُفزعة.
لم يستطع القديس الحجري أن يُصاب بالشك لأنه يمتلك روحًا لا تُقهر، بينما كانت صائدة الظلال منيعةً على أنياب الشك بنقاء روحها، أما التنين، فكان ببساطة كائنًا يعيش حياته بإصرار لا يلين. حتى لو حاول محرك العرائس أن يبحث عن ثلاثة أعداء لا يُناسبونه في القتال، لما وجد من هم أكثر توافقًا ضده من طفل نيذر ورفيقيه. كأنما القدر هو من قادهم إليه.
أو ربما المصير، من يدري.
تمكنت العثة العملاقة من استعادة توازنها في اللحظات الأخيرة قبل أن ترتطم بالأرض. انبسطت أجنحتها مجددًا، دافعة الرياح إلى الأسفل بجبروتها، لكنها كانت متأخرةً. كانت قوة سقوطها كبيرة جدًا بحيث لا يمكن إيقافها في الوقت المناسب.
اصطدمت بالأرض بعنف، وانهارت ساقيها المتضررة. سقط محرك العرائس على جانبه بشكل مرتبك، متكئًا على قدميه الأماميتين السليمتين. رفع رأسه، وحدّق في العملاق الحجري القادم نحوه دون أن يظهر أي تعبير في عينيه السوداء العملاقة.
هل كان الأمر مجرد وهم… أم أن لمحة من الخوف ظهرت فيهما للحظة خاطفة؟.
لم يعلم القديس الحجري. ولكن، ما كان يعلمه، أنه ما يزال بعيدًا عن العثة الساقطة.
كان يمكن لها أن تهرب، إن تحركت فورًا.
“أيها الذئب!”
في تلك اللحظة، اندفع ظل وحشي على محرك العرائس من الخلف، فمزقت أنيابٌ مروعة أجنحته.
وانهمرت أغنية مروعة عليه من الأعلى، دافعةً إياه نحو الأرض.
ثم هبط سهمٌ سريعٌ مثل المذنّب، وانفجر مسببًا دمارًا هائلًا.
لم تهدد أي من هذه الهجمات حياة محرك العرائس. لكنها أبقته في مكانه لبضع ثوانٍ ثمينة.
وبحلول الوقت الذي تعافى فيه، كان القديس الحجري قد وصل إليه.
ارتفع سيفه الثقيل، مستعدًا للسقوط وتمزيق ذلك الطاغية البغيض إلى نصفين. نظر في عيني السَامي الساقط مباشرة، وقال ببرود قاتل:
“مت.”
لكن قبل أن يسقط السيف، اهتزت قرون الاستشعار الطويلة لمحرك العرائس باهتزاز غريب.
وفجأة، تجمّد العالم.
وقف العملاق الحجري والعثة العملاقة دون حراك، ناظرين إلى بعضهما. بقيت خيوط الحرير السوداء ساكنة وهي تهبط عليهما كأنها انهيار أسود. لم يتحرك الذئب الغاضب، أنيابه ما تزال تمزق الجناح الأسود.
كان التنين المظلم متجمدًا في الهواء وهو يندفع نحو الأرض بأجنحته المطوية، وشكل الصائدة الجميلة على ظهره في لحظة لا تنتهي من سحب سهم من جعبتها. كان العالم ساكنًا وصامتًا.
وكذلك القديس الحجري، ساكن وصامت، غير قادر على الحراك.
وفي هذا الصمت، دوى صوت ناعم من كل مكان حوله، يسأل سؤالًا غريبًا:
“أتريد قتلي حقًا؟”
ابتسم القديس الحجري ابتسامةً باردة خلف خوذته.
“بالطبع.”
سكن الصمت الأجواء من جديد. ثم سأل محرك العرائس دون عاطفة:
“…لماذا؟”
قطّب القديس الحجري حاجبيه.
‘يا له من سؤالٍ سخيف.’
كان هناك سبب، بطبيعة الحال.
لا بد أنه كان هناك. لكن ذلك السبب لم يكن له. بل كان يعود لكائن آخر. مختلف في جوهره. إلى ظل مليء بالشك، والأمل، والألم.
لم يعد القديس الحجري قادرًا على تذكّر اسم ذلك الظل. فكيف له أن يتذكّر أسبابه؟.
تعمّق عبوسه.
“لا أتذكر.”
بدت العثة العملاقة وكأنها تنظر إليه بشفقة.
أحاط صوته الناعم به كخشخشة حريرٍ رقيق، فأخمد قليلًا لهيب النيران القرمزية في عينيه.
“هل أنت متأكد أنك تريد قتلي، يا طفل نيذر؟”
ترجمة آمون