عبد الظل - الفصل 2405
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2405 : حكام السماء
إجابةً للنداء المدويّ الذي أطلقه الترس الطنان، اشتعلت شعلتين وحشيّتين من اللهب القرمزيّ في الظلام الذي ألقاه العملاق الأسود الشاهق. غطّت زمجرة مروّعة على عواء الرياح، ونهض شيءٌ هائل من الظلال عند قدميه.
كان ذئبًا عملاقًا، يتحرك فراؤه في مع الرياح كألسنة من اللهب الداكن. بلغ حجم الشبّح المُقدَّس حدًّا هائلًا، ورغم ذلك لم يكن يصل إلا إلى ورك العملاق المدرّع. بدا الاثنان معًا كمحارب وكلبه الحربيّ – وُلد كلاهما من الظلال، وأحاط بهما الظلام، وامتلآ بنيةٍ قاتلة.
“كلبٌ جيد.”
أظهر صني أبتسامةً عريضة من خلف حاجب خوذته.
في اللحظة ذاتها، انتابه شعور بالمفاجأة.
‘ما هذا؟ أأستطيع الكلام؟’
لم تفعل القديسة ذلك قط، وكان غالبًا ما يفترض أن القدّيسين الحجريين لم يُمنحوا تلك القدرة من قِبَل نيذر. لكن، كما تبيّن الآن، فقد كان افتراضه خاطئًا. خفض ذئب الظل رأسه إلى الأرض، مطلقًا زمجرةً مخيفة أخرى.
كان صني قد استدعاه لمجرد أنه استطاع. عادةً، كان العبء الناتج عن التحكم بشبح مُقدَّس يفوق قدرته، ويمنعه من استدعاء أكثر من واحد في آن – ليس مستحيلًا، لكنه مرهق أكثر من أن يكون ذا جدوى في أغلب المواقف.
غير أنّ صني لم يكن يتحكم بالإدانة أصلًا، ولا يستطيع التحكم به، ولم يكن قد استدعى ظلّ الطاغية الملعون بالوسائل المعتادة، لذا بقيت لديه القدرة على استدعاء مُعين. وكان الذئب، بصفته الأقوى من بين أشباحه، هو الخيار الواضح.
والآن، لم يبقَ سوى سؤالٍ واحد:
هل سيكون هو وشبّحه المقدّس كافيَين لهزيمة محرك العرائس وإسقاط الإدانة مرة أخرى؟.
في مكانٍ ما خارج شرنقة الحرير الأسود التي تُحيط بقلعة الثلج، كانت الشمس قد غاب معضهما بالفعل في بحر السحب. لم يبقَ الكثير من الوقت قبل أن تنطفئ شمس الغروب – دقائق قليلة، على الأرجح. مع العلم أن الزمن قلّما يبقى ثابتًا في معركةٍ بين كائنات سامية، ما لم ترغب تلك الكائنات بذلك. وكان محرك العرائس حتمًا سيحاول الصمود حتى يسدل الليل ستاره، ولو تطلّب الأمر أن يُجبر الزمن على الجري أسرع.
لذا، كان على صني أن يقتله بسرعة.
رفع بصره، فرأى الإدانة ينهار تحت وطأة وزنه. لقد تقلّص ظلّ الطاغية الملعون بشكل مأساوي، وانكمش إلى نصف حجمه السابق. كان ينهار ويتفتّت في آن، عاجزًا عن الاستمرار.
لكن لم يتزعزع الإدانة، ولا زال مستعدًا لمواصلة القتال.
فقد تضرّر الوعاء المادي لذلك الظلّ الشاسع فقط – أما القوة الغامضة نفسها، فبقيت سليمة لم يُمسّها سوء. وكان على وشك تكوين جسدٍ جديد لنفسه قريبًا، هذه المرة من نسيج لعبة آرييل.
وفي الأثناء، رفرف محرك العرائس بجناحيه العظيمين، وارتفع في الهواء، دافعًا نفسه عن صدر الإدانة المتداعي، ما عجّل بسقوط العملاق المتهاوي نحو الأرض.
بدت هيئة العثة العملاقة وهي تفتح جناحيها فوق خصمها الساقط مزيجًا بين الجلال والكابوس، كأنّ الليل نفسه أنجب روح الشك المقلقة.
وكانت ستكون هذه مشكلة.
ارتجف الجبل حين اصطدمت كتلة الإدانة الساحقة بمنحدره المتصدع. أما صني، فبقي واقفًا كأنه مغروس في الأرض، راسخًا كقاعات العالم السفلي، محافظًا على توازنه بسهولة. فكّر في الموقف لنبضة قلب، ثم حرّك بصره قليلًا، ناظرًا نحو يمينه.
هناك، كان تلّ من الحرير الأسود ينهار، وقد شقّته نصال القاتلة الحادة. انطلق زئيرٌ غاضب من كتلة الخيوط الميتة، ومن ثم اندفع تنّينٌ مهيب منها، شاقًا طريقه خارج التابوت الحريريّ.
خرج كاي من المهد الأسود الخانق، واعتلى أعلاه، ناظرًا إلى أجنحة محرك العرائس العظيمة، والتي حجبت السماء. كانت القاتلة تقف بالجوار، ضئيلةً أمام حجمه الهائل. وكانت قد غمدت سيفيها، وبدأت بالفعل في استدعاء قوسها.
تردّد صني للحظة، ثم رفع سيفه نحو السماء، مشيرًا به إلى العثة المقيتة.
“كاي، قاتلة… أسقطاها!”
كان يعلم أنه يستطيع قتل محرك العرائس. كان واثقًا من ذلك، بلا أدنى شك. ولكن، فعل ذلك بينما بقيت تلك العثة السوداء المزعجة في الهواء، سيشكّل تحديًا – فـالقدّيسين الحجريين لم يُصمموا للطيران.
بالطبع، يستطيع صني أن يُخفف من وزن جسده الشاهق ويقفز إلى السماء، لكن محرك سيملك العرائس الأفضلية في معركة جوّية. وفي المقابل، سيكون لصني اليد العليا على الأرض. ولحسن الحظ، فإن أحد رفاقه يملك أيضًا حقّ ادعاء عرش السماء. فكاي تنّين، في نهاية المطاف، ورغم أنه لا يملك القوة الكافية لقتل العثة العملاقة، إلا أنه يستطيع على الأقل أن يمنعها من الحفاظ على مسافتها من صني.
بينما دوّى صوت صني فوق الجبل المرتجف، اهتزّ كاي والقاتلة تحت وطأته المدمرة. ثم تبادلا نظرة. فقفزت الظلّ الأنيقة على ظهر التنين المظلم، وانطلق الأخير محلّقًا في السماء، مندفعًا نحو محرك العرائس. لحقت بهما خيوط من الحرير الأسود، لكن تفاداها كاي برشاقة، طائرًا أسرع بكثير من حركة الحرير.
ثم خفّض صني سيفه، وأشار نحو أنقاض الإدانة – ونحو دوّامة غريبة من الظلال، والسج، والصخور المحطّمة، والجليد، والحرير الأسود، كانت تدور ببطء في قلب الأنقاض، وتبتلع المزيد من المادة، بينما تعيد تشكيل نفسها.
“هذا هو طُعمك. انقضّ عليه!”
كان الذئب، أولًا وأخيرًا، مفترسًا. ويعلم المفترس كيف يستهدف فريسته عندما تكون ضعيفة، أو مهددة، أو مريضة.
انطلق الشبح المقدّس قافزًا، مندفعًا نحو قريبه المارق.
أما صني…
فقد جذب يده اليمنى إلى الخلف. ثم ألقى بترسه الهائل بكل قوة ‘عملاق’ فائق، فأرسله طائرًا إلى السماء السوداء كقرصٍ مدمّر. مباشرةً نحو هيئة محرك العرائس الغريبة. رفرفت العثة السوداء بجناحيها، وتفادت الترس العملاق بصعوبة.
لكنها تشتّتت للحظة وجيزة فقط. وفي تلك اللحظة، ضرب انفجار صوتيّ مدمّر أحد جناحيها، فيما اخترق الآخر سهم قاتل.
ترجمة آمون