عبد الظل - الفصل 2404
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2404 : الخطوة الخامسة
حين فكّر صني بالأمر، أدرك أن هيئة القديسة الحجرية كانت من أفضل الأشكال التي يمكن أن يتّخذها لإتقان الخطوة الخامسة من رقصة الظل – حتى دون أن يأخذ طبيعة المعركة ضد محرك العرائس في الحسبان.
فالقديسة كانت أول ظلٍّ له. لقد أمضت ما يقارب العقد إلى جانبه، أنقذت حياته مراتٍ لا تُحصى – كما أنقذ هو حياتها. لم تكن القديسة تابعه الأكثر ولاءً فحسب، بل أيضًا رفيقته في المعركة، وقد كانت مُعلمته في أكثر من مرة. هناك قلة من الكائنات في العالم يعرفها صني أكثر مما يعرف القديسة. وليس هذا فقط، بل إنه سبق وأخذها إلى أحتضان الظل مرارًا وتكرارًا، ومع تزايد قوته التي عززت القديسة بدورها، تمكّن من سبر أغوار القديسين الحجريّين بدقة – جسدًا وعقلًا.
وفوق ذلك، شارك كان صني قدرًا من القرابة تجاه تلك المخلوقات الحجرية. فهو يملك قشرة العقيق وعباءة العقيق – جزء من ميراث نيذر قد أصبحت جزءًا منه بالفعل. لذا، إن أراد صني أن يتّخذ هيئة مخلوق آخر لدرجة تجلّي سماته، فإن القديسة الحجرية كانت خيارًا ممتازًا.
لقد أتقن الخطوة الأولى من رقصة الظل بمحاكاة نيفيس، صاحبة فن المعركة الذي يعرفه أكثر من أيّ فن آخر. والآن، سيُتقن الخطوة الخامسة بمحاكاة القديسة، التي يعرفها معرفةً لا يمكن أن توجد إلا بين سيادي الموت وظلٍّ من ظلاله.
كان هذا مختلفًا عن أي شيءٍ فعله سابقًا. فلدى صني خبرة وافرة في اتخاذ هيئات مغايرة لهيئته، بطبيعة الحال، لكنها كانت محض محاكاة. حتى هيئة وليد الظلال، التي أتقنها أكثر من أي هيئة أخرى، لم تكن تغيّر سوى مظهره والبنية المادية لجسده. أما ما تبقّى، مما يختبئ عن الأنظار، فكان يبقى على حاله.
أما اليوم، فعليه أن يغوص أعمق في تجسيد شخصٍ آخر غيره. فالمحاكاة وحدها لم تعد كافية. عليه أن يصبح الشيء الحقيقي.
وهكذا…
استدعى صني صورة القديسة في ذهنه، وسمح لقشرة الظل العملاق أن تنهار. في الوقت نفسه، أطلق ظله الخاص ليشغل ذات المساحة. ارتفع ظله الهائل كموجة مدٍّ عملاقة وتموّج، معلقًا على حافة التجسّد إلى مادة، دون أن يصبح ملموسًا بعد. غاص صني في عقليةٍ غير مألوفة له، واستبدل جوهر كينونته بجوهرٍ يعود إلى شخصٍ آخر.
لم يكن مخلوقًا من لحمٍ وعظمٍ وُلد في ضواحي NQSC. ولم يكن ظلًا لذلك الرجل البشريّ أيضًا.
‘وُلدتُ في العالم السفلي.’
في أعماق قاعات نطاقه المظلم، قام آخر أبناء الـ -المجهول- بإنشائهم من الحجارة لتهدئة النار المشتعلةِ في قلبه المملوء بالضغينة. ومع ذلك، فإن تلك النار استمرت في الاشتعال، بل وازداد أوارُها. صُمِّم صني لتحقيق السلام، ولكنه وإخوته وُلدوا بدلاً من ذلك في حربٍ لا تنتهي.
‘ترعرعتُ في ساحة المعركة.’
كان فخورًا. كان قويًّا. كان محاربًا. بارعًا في جميع فنون القتال، وقد استخدم كل أنواع الأسلحة لشنّ حربه على السَاميين. في ألف ساحة معركةٍ غارقة بالدماء، غنّت أسلحةٌ لا تُحصى بين يديه – ومن خلال الاستماع لأغانيها الباردة، تعلّم كيف يصوغ نفسه سلاحًا كذلك.
‘لا أعرف الاستسلام.’
كانت هناك كائناتٌ قادرةٌ على تدميره – لكن لا أحد قادرٌ على إذلاله. كان جسده الحجريّ شبه غير قابل للتدمير. وروحه لا تُقهَر. عزيمته صلبة كجبل، صافية كالبلور. وقلبه الضاري لا يعرف الخضوع، بل الولاء فقط.
“أنا.”
كان يتيمًا. فقد مات صانعه منذ أمدٍ، وكل إخوته إما دُمّروا أو ابتلعهم الفساد. والآن، أصبح صني وحيدًا. موحشًا، متروكًا.
حتى…
تجسّد صني ببطء الى الوجود. لم يكن جسده حجرًا ولا لحمًا. بل شيئًا بينهما، يحمل نفس السمة الحجرية لعباءة العقيق. وفي صدره، لم يكن هناك قلب، بل فرن من لهبٍ سامٍ. وبدلًا من الدم، كان غبار الياقوت يسري في عروقه. واخترقت أوتارٌ ماسية رقيقة بما لا يُصدق جسده كنظامٍ عصبيّ، مكونةً مصفوفةً سحرية مُعقّدة وجميلة. يدفق من خلالها جوهره، مانحًا إياه الحياة. ومانحًا إياه القوة.
“أنا قديسٌ حجري.”
تجسّد الظل الهائل أخيرًا في هيئة عملاقٍ مظلم، شامخًا فوق سطح الأرض بمئتي متر على الأقل. كان جسده القوي مغلفًا بدرعٍ أسود مخيف، صاغه أمير العالم السفلي – والده – بنفسه. وفي الظلمة الدامسة خلف قناع خوذته، انارت شعلتين قرمزيّتين مشتعتين.
كان جسده الحجريّ ثقيلًا كجبل، لكنه يستطيع أن يُصبح خفيفًا كالريشة. حملت كل حركة منه وزنًا ساحقًا، وحين عززته نجمة المساء، شعر وكأنهُ قادرٌ على هدم العالم. كان عقله عميقًا وعصيًّا على الفهم. وإرادته لا تُقهر.
وحينها، علم صني أنه نجح. لقد قلّد سمات القديسة الحجرية وقدراتها. [سيدة المعارك]، [ثابتة]، وغيرهما. بعض تلك السمات، مثل [شعلة السُموّ] و [تسليح العالم السفلي]، كانت لديه من قبل بالفعل، لكن حضورها الآن أصبح مختلفًا تمامًا، متخللًا كيانه.
لقد أصبح كائنًا يُشبه القديسة، لكنه ليس هي. فالقديسين الحجريّين أفراد، تمامًا كما البشر. لكلٍّ منهم مهاراته الفريدة وطريقه الخاص، ورغم اشتراكهم في بعض الميول – كالميول إلى الظلام الحقيقي مثلًا – فإنهم لسوا نسخًا متطابقة.
كانت القديسة طاغوتة متسامية تأمر الظلام الحقيقي، وقد تعلمت مؤخرًا كيف تتحكم بمفهوم اللاشيء لتعزيز أهدافها.
أما صني، فكان ‘عملاقًا’ فائقًا يأمر الظلال. لذا، فإن القديس الحجري الذي أصبح عليه الآن كان عملاقًا فائقًا وليًا على الظلال أيضًا. اكتملت الخطوة الخامسة. وكان كل شيء كما ينبغي أن يكون.
لا. شيءٌ ما كان ناقصًا.
‘لماذا أنا بلا سلاح؟’
مدّ يده إلى الظلال، وانتشل منها سيفًا عملاقًا وترسًا عملاقًا.
ثم رفع بصره نحو الطاغية الملعون والشبح المقدّس المتقاتلين. رفع سيفه، وضرب حافة ترسه مرتين، كل ضربةٍ منهما تدوي فوق الجبل المتهاوي كرنّة جرسٍ عملاق. يُعلن بها عزيمته التي لا تهتزّ، متحديًا من يجرؤ على مواجهته، ومبشّرًا بالموت والدمار لأعدائه.
ترجمة آمون