عبد الظل - الفصل 2401
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2401 : طاغيان
ارتفعت ذراعٌ عملاقة منسوجة من الظلام والسجّ من الظلّ عديم الشكل، تمتدّ لما يقارب كيلومترين. ثمّ هوت ببطء، ضاربةً المنحدر الجبلي براحة يدها الهائلة بقوة مدمّرة.
تطايرت خيوط من الحرير الأسود في رياح الإعصار، واندفعت زوبعة من الثلج من تحتها إلى الهواء الجليدي.
تأوّه الجبل عندما ضغط عليه ظلّ الإدانة، وتبع الذراعَ ‘العملاقة’ رأسٌ هائل.
جرّ ظلُّ الطاغية الميّت نفسه ببطء خارج الظلّ، واستقام، شامخًا فوق العالم. كان حجمه لا يُصدّق حقًا – فهيئة الإدانة المظلمة كانت بارتفاع يعادل معظم الجبال على الأرض، وحتى في هذا العالم الاصطناعي للعبة آرييل، بدت شاسعة بشكل غير معقولة.
واقفًا عند النقطة الأكثر أنخفاضًا من المنحدر، قريبًا من بحر السُحب المتماوج والستائر الحريرية السوداء التي تخفيه، بلغ ظلّ الطاغية الملعون أكثر من نصف الطريق إلى أعلى نقطة في جبل قلعة الثلج – ولو رفع الإدانة يدَيه، لألقيا بظلهما على القمة المسنّنة، وعلى العثة السوداء العملاقة التي تعتليها.
كان محرك العرائس ينظر إلى هيئة الإدانة الشامخة، بينما يزال ساكنًا بشكل مخيف. وبالمقارنة مع الظلّ الهائل، بدا صغيرًا تقريبًا. من طرف قرنيه إلى حوافّ جناحيه المطويين، لم يكن طول العثة السوداء العملاقة يتجاوز كيلومترًا واحدًا – مجرد ربع ارتفاع الإدانة الذي يمكن تخيّله. وكان جسدها الفعلي أصغر حتى من ذلك.
وحين استقام الظلّ الهائل، تحرّك الطاغية الملعون أخيرًا. ارتجف، واهتزت أجنحته قليلًا. اجتاح العالم صوت نقرٍ غريب، جعل الرياح تجنّ من الرعب.
حدّق محرك العرائس نحو ظلّ الإدانة. ونظر ظلّ الإدانة إلى الأعلى، مسلّطًا نظرته الخالية من النور نحو محرك العرائس.
‘اذهبا. مزّقا بعضكما البعض!’
قاوم صني الأوتار الخفية، صارخًا بصامت بينما تمزّق وجوده ذاته. ومهما قاوم بضراوة، ومهما أصاب نفسه بمحاولاته للانفلات من أوتار الشكّ، لم يستطع أن يحرّر نفسه من قبضتها. بل على العكس، مع كل لحظة تمرّ، كان تأثير محرك العرائس الخبيث ينتشر أكثر، يقيده بإحكام أشدّ.
ورغم أمله اليائس في أن يصطدم ظلّ الإدانة بالعثة السوداء المرعبة، لم يكن هناك ما يضمن حدوث ذلك.
فذلك الظلّ يختلف عن بقيّة الأشباح، إذ يمتلك عقلًا خاصًا به. لكن ذلك العقل غريبٌ وأجنبي، يصعب فهمه – لم يكن صني يعلم ما الذي يحرّكه، وبالتالي لم يكن يعلم ما الذي سيفعله الإدانة. فقد يهاجم محرك العرائس، أو يدير ظهره ويدوس صني حتى يسحقه، أو حتى لا يفعل شيئًا على الإطلاق.
لكن ذلك لم يكن مهمًّا كثيرًا في النهاية، لأن محرك العرائس سيكون مُجبرًا على الردّ، مهما فعل الإدانة. فحتى إن لم يُظهر الظلّ أي عداء مباشر تجاه تلك العثة الماكرة، فلن يكون بإمكانها تجاهل التهديد الذي يمثّله، أو تحمّل وجوده داخل نطاق الثلج. سيكون على محرك العرائس أن يتحرّك، وبالتالي فإن الصدام بينه وبين ظلّ الإدانة كان حتميًا.
وكان صني ينوي استغلال تلك الفرصة ليحرّر نفسه من قيوده.
‘هيّا!’
ولحسن حظه، بدا أنّ ظلّ الإدانة قد شعر بالعداوة الصامتة لتلك العثة العملاقة المتربعة فوق الجبل.
بقي ينظر إلى الأعلى، ثمّ رفع قدمه الهائلة ببطء، وخطا خطوة واحدة عبر بها مسافة شاسعة. لقد بدأ يصعد الجبل.
‘نعم!’
رغم الشكّ والألم، شعر صني ببعض النشوة الشرسة. لم يكن يأمل أن يتمكن ذلك الظلّ العملاق من قتل محرك العرائس. فحتى لو كانت تلك العثة الملعونة ضعيفة جسديًّا، فهي تبقى ملعونة، في حين أن ظلّ الإدانة ليس إلا ظلّ كائن جبار سابق. قوته التدميرية لا تُقارن بقوة طاغية ملعون حقيقي، وظلّ إرادته لا يُقارن بسلطة كيان سَامي حيّ.
وحتى إن كانت الأشباح منيعة أمام قوة محرك العرائس الخبيثة، فلم يكن صني يعتقد أن فرص الإدانة عالية. ومع ذلك، فالدّمار الذي سينتج عن الصدام بين الاثنين سيكون كارثيًّا. من المحتمل أن ينتصر محرك العرائس، لكنه لن يفعل ذلك بسهولة، ولن يخرج سالمًا. والأهم من ذلك، أنه لن ينتصر بسرعة. وذلك سيمنح صني وقتًا كافيًا ليحرّر نفسه، بينما يكون انتباه الخصم مشغولًا في مكان آخر.
وهناك أمامه، خطا الإدانة خطوة عملاقة أخرى، فاهتز الجبل.
وفي تلك اللحظة، تحرّك محرك العرائس أخيرًا. انبسطت أجنحته السوداء العظيمة، فحجبت السماء على الفور. وابتلع الظلّ الذي ألقته العالم، ثمّ قفز محرك العرائس من عرشه الحريري في حركة واحدة سريعة وصامتة. وبينما كان يهوي، كانت الرياح تئنّ وتصرخ، أثناء قطعها على يد حوافّ الأجنحة السوداء الحادّة.
كان السَامي المدنس للشكّ كأنّه نصل مقصلةٍ مصنوعٌ من الظلام الخالص، يشقّ العالم وهو يهوي نحو ظلّ الإدانة.
تراقص الحرير الأسود وتموّج أثناء مروره. وفي اللحظة الأخيرة، عدّل محرك العرائس مساره، ودع الرياح تحمل أجنحته، مائلًا من المنحدر المظلم نحو العملاق الشامخ. واصطدم الاثنان بعنف مروع، فانشطرت السّماء وارتجّف الجبل.
غرست أرجل العثة الستّ في صدر الإدانة وعنقه، فامتطت الشبح المقدّس، مواجهةً إيّاه مباشرة. ترنّح العملاق المظلم من أثر الصدمة.
رفع يده، ناويًا تمزيق أجنحة محرك العرائس، لكن في تلك اللحظة، تموج واندفع نسيج الحرير الأسود اللامتناهي. فاندفعت مجسّات عملاقة منه نحو الأعلى، ولفّت معصمي الإدانة، ساحبةً يديه إلى الأسفل. وارتبطت أطرافه وساقاه وخصره بالمزيد، مثقلةً إياه بقوة لا مفر منها.
ولم يكن هذا كلّ شيء. ففي الوقت ذاته، تحرّكت المساحة اللامتناهية من الحرير الأسود الممتدة بين قلعة الثلج والجبال المحيطة.
فقد انبثقت خيوط لا تُحصى من الجبل الحريري، تمتدّ كنسيج عنكبوت بلا حدود. والآن، ارتفعت في الهواء، وأحاطت قلعة الثلج، مغلقةً حولها كشرنقة عملاقة. وكلما أغلقت أكثر، تلاشى نور العالم الخارجي.
فقد حُجب جحيم الغروب النازف المشتعل، وسقط ظلامٌ عميق على الجبل المتصدّع. وفي ذلك الظلام، أنارت نجمة المساء، غامرةً صني بطوفانٍ من القوّة.
ترجمة آمون