عبد الظل - الفصل 2400
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2400 : كسر القواعد
‘آآآه.’
شعر صني بعقله ينزلق بعيدًا.
أطلّ محرك العرائس مهيمنًا على العالم مثل جرفٍ مظلم، وحدقت حدقات عينيه السوداء العملاقة والغامضة، نحو منحدرات الجبل الحريري بلا مبالاة.
كان كاي لا يزال يُكافح ليحرر نفسه من تحت كتلة الحرير الأسود، لكنه أصبح عاجزًا تمامًا تقريبًا. وكان صني هو الآخر يجهد نفسه ضد خيوط محرك العرائس. لكن دون جدوى.
لو كانت الخيوط تكتفي بإبقاءه في مكانه، لكان تمكن من تمزيقها. كان ليزحف خارجًا من هذا الاحتضان الذي لا مفر منه، على الأقل. لكن لم تكن الخيوط تقيد جسده وظله فحسب، بل كانت تقيد عقله أيضًا – كانت أفكاره نفسها مقيدة، ولم يعد صني قادرًا حتى على تخيل فكرة المقاومة. والوقت ينفد.
الفكرة الوحيدة التي لم يستطع محرك العرائس تسميمها بالشك، كانت تلك التي بقي صني يكررها بصمت، مستخدمًا إياها كمرساة تُبقي عقله متماسكًا وتمنعه من السقوط التام تحت سيطرة هذا المخلوق الكابوسي الغريب.
‘قتله، لا بد لي من قتله!’
كان تعطشه للدماء هو خلاصه الوحيد. تحركت الظلال الهائلة. فَتَّت صني عقله إلى تيارات لا حصر لها، متخليًا عن معظمها لتحرير بعضها من قبضة محرك العرائس الخبيثة.
كان عليه أن يفعل شيئًا جذريًا. لقد حلّ وقت التدابير اليائسة. بل وقد أنتهى.
الآن، حان وقت الجنون الخالص. تخيل صني نفسه يأخذ نفسًا عميقًا. ثم استجمع كل إرادته، وكل سلطته، وكل نيته في القتل، وكل القوة التي منحتها له نجمة المساء. واستخدمها لاستدعاء شبح.
لو فكر بالأمر، لوجد أن محرك العرائس في وضعٍ سيءٍ فعلاً. فمصدر قوته الحقيقي يكمن في عبيده، لكن أياً منهم لم يكن موجودًا لحماية سيده. بقيت العثة السوداء ساكنةً بلا حراك، وليس لأنها لا تحتاج إلى التحرك – بل لأن طاغية الثلج لم يكن بذلك القدر من الشراسة أو القوة الجسدية. وكل ما يمكنه فعله لردع خصمه هو استخدام قواه الدنسة وإرادته الغريبة للوصول إليه. وفوق ذلك، كان صني بطبيعته مفترسًا لها.
وذلك لأن صني كان يتحكم في فيلق من الأشباح، ولا تملك الأشباح إرادةً، ولا وعيًا بالذات. ليس لها رغبات، ولا عزيمة، ولا تصميم خاص بها. ولهذا، فإنها لا تعرف التردد. كانت منيعة على الشك، لأن الشك غريب عن طبيعتها. لم يكن هناك ما يمكن لمحرك العرائس تسميمه، لذلك كان عاجزًا عن التحكم بها – لم يكن يستطيع التحكم إلا بسيدها. وطالما بقي صني ثابتًا في قناعته، فإن أشباحه ستتمكن من فعل ما يعجز هو عنه.
لكن كان هناك مشكلة واحدة… ضخمة بحجم الجبل. فرغم أن محرك العرائس كان ضعيفًا في المواجهة المباشرة، إلا أن ذلك كان نسبيًا فقط. فما يزال طاغية ملعونًا، بغض النظر عن مصدر قوته.
لم يكن أي شبح يصلح لمواجهته. كانت الدبابير الكريستالية ستُسحق برفرفة واحدة من جناحيه. أما الذئاب الظلية فكانت ستُفتك وتُمزق في لحظة. كانت الوفرة ستصمد أكثر، لكنها لن تتمكن من توجيه قوة هجومية كافية لقتل تلك العثة المقيتة قبل فوات الأوان. وكان ملك الجرذان مفترسًا وساحقًا، لكنه يحتاج وقتًا لينتشر ويصبح لا يُقهر. وهذا لم يترك سوى الذئب.
ذلك المفترس القاسي، المتغطرس، القادم من فجر التاريخ، قوي ووحشي بما يكفي ليمزق أجنحة محرك العرائس ويُحطم رأسه البشع. ومع ذلك… كان الشك يملأ قلب صني.
هل سيتمكن الذئب فعلاً من قتل طاغية الثلج؟ وهل سيبقى صني صامدًا بما يكفي ليمنع نفسه من إصدار أمرٍ لهذا الشبح المفزع بالانسحاب؟.
‘لا.’
جعل الشك صني ضعيفًا ومترددًا. وجعله يشعر باليأس. كان لا يزال يتحكم بجزءٍ كافٍ من نفسه لاستدعاء شبح، لكنه لم يكن واثقًا أن هذا الوضع سيبقى على حاله بعد دقائق. لذا… فعل ما اعتاد أن يفعله عندما يُحاصر.
لقد غشّ.
الشبح الذي استدعاه صني لم يكن دبورًا كريستاليًا، ولا الوفرة، ولا ملك الجرذان، ولا حتى الذئب. بل كان ظل طاغية ملعون آخر.
كان الإدانة.
كان صني قد فقد قدرته على الوصول إلى أشباحه بعد دخوله لعبة آرييل، لكنها لا تزال موجودة في مكان ما، داخل روحه. ربما تم استدعاء الأشباح الأخرى وكانت تنفذ أوامره، لكن الإدانة لم يكن كذلك. لأنه لم يستجب لندائه قط.
مدعومًا بنجمة المساء، هبطت إرادة صني الطاغية وسلطته التي لا تُنكر على ذاك العملاق الكئيب، آمراً إياه بأن يخرج من ظلمة روحه الساكنة. كان صني يظن أن باستطاعته التغلب على هذا الطاغية المعاند بينما هو مُعزز بذكرى مقدسة.
لكنه كان مخطئًا.
انهارت إرادته وسلطته أمام الأعماق السحيقة والساكنة للظل الهائل غير القابل للفهم. رفض الإدانة التحرك، كما اعتاد دائمًا. بقي ساكنًا، بلا حراك، شاهقًا فوق مياه روحه الصامتة.
وكان صني يتوقع ذلك.
فبعد كل شيء، لم يتمكن من استدعاء أي شبحٍ آخر ناله خارج حدود لعبة آرييل. لكن رغم أن صني لم يكن يستطيع استدعاءه عبر قدرة [فيلق الظل] بسبب قوانين هذا العالم الاصطناعي، لم يكن هذا يعني أنه لا يمكنه خداع تلك القوانين.
لذا، بدلًا من أن يأمر الشبح العملاق بالكشف عن نفسه، استجمع كل إرادته. ونفى الإدانة من روحه.
لقد طرد الإدانة.
لم يفعل صني شيئًا كهذا من قبل – لكن هذا لا يعني أنه لم يكن يستطيع فعله. الآن وقد أصبح فائقًا، وأصبح يملك سلطة أكبر على روحه وعلى الظلال القاطنة فيها، بات بإمكانه استدعاؤهم أو إعادتهم. وكان بمقدوره أيضًا تخزين أشياء مادية داخل روحه وطردها منها، مما يعني أنه يستطيع تجسيدها. وهذا ما فعله مع ظل الإدانة الهائل – لقد أخرجه.
لكنه لم يكن يفعل هذا من قبل لسبب وجيه. فكل شبحٍ لا يستطيع استدعاءه بقدرة [فيلق الظل] هو شبحٌ لا يطيعه. وهذا لن يتغير حتى لو تمكن من استدعائه بأي طريقة. ما يعني أن ظل الإدانة إذا خرج إلى النور، فإن صني لن يملك أي سلطة عليه.
ربما يهاجم محرك العرائس. وربما يهاجم صني بدلاً منه. وربما يبقى ساكنًا دون فعل شيء، راضيًا بالوجود. لكن كانت هذه مخاطرةً كان صني مستعدًا لخوضها في تلك اللحظة. في الواقع، رحّب بها.
فالعيب القاتل في استدعاء شبحٍ عاصٍ أصبح نعمةً منقذة للحياة في وضعه الحالي. لأن صني إن لم يستطع التحكم بـالإدانة، فلن يستطيع محرك العرائس السيطرة عليه لإصدار أمر إلى الإدانة بالتراجع. وبما أنه لا يستخدم [فيلق الظل] في الاستدعاء، فربما ستفشل قوانين لعبة آرييل في منع ظهور ذلك الظل الهائل.
‘طاغية الثلج، طاغية الرماد، لِنُضف طاغيةً ثالثًا إلى المجموعة، ولِم لا؟ لِنكسر القواعد!’
بينما كانت خيوط الحرير الأسود التي لا تُحصى تتمايل في الرياح، مُسرعة لتقييد الظل الهائل… بدا الواقع وكأنه تموّج. وتحرك بحر السحب. ثم، تمزقت كتلة الخيوط الحريرية حين خرجت يد عملاقة من إتساع هيئة صني عديمة الشكل، ممتدةً إلى عنان السماء، وملقيةً بظلٍ جبّار على منحدر الجبل المرتجف.
ترجمة آمون