عبد الظل - الفصل 2398
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2398 : وقود الرغبة
في البداية، ضحك صني.
كان السؤال في غاية السخف. الى ماذا كان محرك العرائس يلمّح؟ أن أهوال العصر الحديث سببها البشر، وليس الطاعون ومخلوقات الكابوس المتعطشة لتدمير العالم وافتراسه؟.
“أوه، بل هو بالتأكيد بسببكم أنتم. صدقني، أنا شخص مسالم للغاية. يمكنك حتى مناداتي بوريث السلام، إن شئت.”
حسنًا.
كان لدى صني جيش من عشرات الآلاف من الأرواح الميتة المقيمة في روحه، وكلهم – أو معظمهم، على الأقل – قتلهم بنفسه. لكن ذلك لم يكن لأنه شخص عدواني وعنيف. بل فقط لأن الظروف اضطرّته إلى القيام بمجزرة أو اثنتين.
وبينما لم يكن هناك حتى بين مخلوقات الكابوس من تسبب بعدد من الوفيات العنيفة مماثل لما تسبب به صني، لم يكن ذلك لأنه يستمتع بسفك الدماء والخراب. حسنًا، كان يستمتع بهما أحيانًا، لكن ليس كثيرًا.
نادراً جدًا، في الواقع.
فتح صني فمه ليقول شيئًا، ثم أغلقه مجددًا.
كان يريد أن يوضح أن البشر كانوا ليتركوا مخلوقات الكابوس وشأنها لو أنها لم تكن تمثل تهديدًا وجوديًا للبشرية، لو أنها لم تهاجم أولًا. لكن ذلك كان سيكون كذبًا.
فالبشر، في نهاية المطاف، كانوا قد تمكنوا من إبادة معظم أشكال الحياة على الأرض – وكانوا على وشك إبادة بعضهم البعض – قبل أن تحل تعويذة الكابوس. كانوا مملوئين بالطمع والعنف والرغبة التي لا تشبع في الحصول على المزيد، والانتشار أكثر، وأن يصبحوا أكثر. كانوا ينهبون ويسلبون كل ما له قيمة دون هوادة، مرارًا وتكرارًا، ودون ندم. لذا، حتى لو كان هناك بالفعل سرب من مخلوقات الكابوس المسالمة ترعى بهدوء في أحد المروج، لكان البشر قد ذبحوها على الأرجح ومزقوا أجسادها الثمينة إلى أجزاء. فقد كانت شظايا الأرواح وحدها كافية لدفعهم لإبادتها.
ضَمَّ صني شفتيه، وقد تملكه الشك فجأةً.
وفي النهاية، اكتفى بتكرار:
“نعم… على الأرجح بسببكم أنتم.”
بدا أن محرك العرائس ينظر إليه بشفقة.
وبعد بضعة لحظات من الصمت، نطق الصوت الناعم مجددًا:
“ثمة سؤال أعمق، أيها المُحرِّر. تجسيدات الشعلة، لماذا أنشأوا عالمهم القاسي بهذا الشكل؟ لماذا كان عليهم أن يجعلوا الحياة صراعًا دائمًا، ويحرموا الكائنات المحاصرة في قفص تصميمهم من العزاء؟ لماذا هناك يأس، ورغبة، وأمل، وحرب؟ أخبريني، يا كائن الشعلة.”
كتم صني رغبته في السخرية، وقد فاجأه السؤال الفلسفي المفاجئ. فالأسئلة الفلسفية، بطبيعتها، لا إجابة لها – وهذا ما يجعله فلسفيًا، من الأساس. لذا، كان السؤال الأفضل هو: لماذا يُصر محرك العرائس على إضاعة وقته. ولكن بعد ذلك، اختفت الابتسامة الساخرة ببطء من وجهه. لأن صني أدرك فجأة أنه يعرف الإجابة.
تردد لبرهة، ثم همس بصوت مذهول:
“لأن الشعلة… تتضاءل.”
رفرف الحرير الأسود في الرياح، وخشخشت خيوطه العديدة مثل بحر.
ومن بين تلك الخشخشة، وُلد صوت محرك العرائس الناعم:
“بالفعل. الشعلة هي الرغبة، والرغبة هي الشعلة. لكن الشعلة تحتاج إلى وقود لتشتعل، يا مُحرِّر. تحتاج إلى غذاء. تحتاج إلى التهام شيء ما كي تستمر في الاشتعال. شوقنا، توقنا، رغبتنا، أملنا – كلّها تُغذي الشعلة. أنتِ وأنا مختلفان، لكننا في النهاية متشابهان. حياتنا وقود، ووجودنا لا معنى له إلا أن تُلتهمه الشعلة.”
أنزلت العثة السوداء العملاقة رأسها الهائل، محدقةً في صني من علوٍ.
“ونحن أيضًا أسيران لهذه اللعبة. صحيحٌ نحن مختلفان، لكننا متشابهان. فما نشترك فيه أضخم بكثير مما يُفرّقنا. ولذلك… فلا داعي لأن نكون أعداء.”
تحرك صني، مأخوذًا بالحقيقة – أو نسخة من الحقيقة، على الأقل – التي قدّمها له محرك العرائس. ثم انجرف عقله ببطء إلى آخر ما قاله، وبعد تردد قصير، سأل بنبرة هادئة:
“أسيران؟ أهذا هو سبب مناداتك لي بالمحرّر؟”
تأرجحت قرون استشعار العثة السوداء العملاقة برفق.
“نعم. فمنذ زمنٍ بعيد، الكائن الذي تسمونه ويفر قد عرض عليّ صفقةً. أن أساعده في هزيمة شيطان الرعب في لعبة الموت، وفي المقابل، كان سيلوي خيوط القدر ليضمن نجاتي. وإن انتظرتُ بما فيه الكفاية… فإن كائنًا ما سيأتي ليحررني من قفصي.”
ضحك صني بخفوت.
“وعدك ويفر بالحرية، هاه؟”
تحرّك محرك العرائس قليلًا.
“حريةٌ. نجاةٌ. خلاص.”
عوت الرياح فوق نسجه الحريري، جاعلةً خيوط الحرير الأسود تتماوج بعنف، وبإلحاح.
ابتسم صني ابتسامةً قاتمة.
“ألم تكن تعلم أن ويفر كاذبٌ بارع؟ لا، حقًا. من الصعب أن تجد وغدًا أكثر خيانةً منه لعقد صفقة معه.”
هز رأسه.
“دعني أخبرك، يا محرك العرائس. لا يجب أن تثق في السَاميين مطلقًا. لكن ما يجب ألّا تفعله أبدًا… هو الوثوق بويفر. لا يفعل ذلك إلا الأحمق. وفي الحقيقة، الشيء الوحيد الأكثر حماقة من هذا… هو أن تثق بطاغية ملعون.”
رفع بصره وحدّق مباشرةً في عين العثة السوداء العملاقة.
“دعني أطرح عليك سؤالًا.”
تنهد صني ورفع يده، تمدد ببطء.
“في الواقع، لقد طرحت هذا السؤال من قبل – كان، في الحقيقة، أول سؤال طرحته تقريبًا. لماذا تتحدث إليّ؟”
أنزل يديه وحدّق في محرك العرائس بنظرةٍ باردة.
“لن يكون سببك هو كسب الوقت، والتأكد من أنني لن أتمكن من قتلك قبل غروب الشمس، أليس كذلك؟”
ساد الصمت لبضعة لحظات طويلة.
ثم، دوى الصوت الخافت من العدم مرة أخرى. لكنه لم يعد ناعمًا بعد الآن. ولم يعد يشبه أي صوت يمكن حتى أن يُخطأ في كونه صوتًا بشريًا.
بل، كان خشخشة غريبة، مقلقة، مروعة، اجتاحت صني وجعل جلده يقشعر.
“آررغه، قتـلـــي؟”
بدا وكأن العالم نفسه يسخر من صني، ممتلئًا بالازدراء، دافعًا عقله إلى هاوية الدوار.
“موتك هو الحرية. يا طاغية الرماد. ويفر… أوفى بوعده.”
ولم يتكلم محرك العرائس بعد ذلك، لكن في اللحظات التي سبقت التحامهما، ظن صني أنه سمع صدىً محتضر يغرق في الرياح.
وبالكاد استطاع تمييز الكلمات:
“شعلتك… حلوةٌ جدًا… إنها تناديني.”
ترجمة آمون