عبد الظل - الفصل 2396
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2396 : نجمة المساء
بينما كان صني يعبر الجسر، حاملاً معه نطاق الرماد، تحرّكت العثة السوداء الهائلة قليلاً، وهي جاثمةٌ على قمة الجبل الأبيض البعيد. كان حجمها عظيماً إلى حد أنّه بدا، من بعيد، وكأنّ الجبل ذاته قد تحرّك.
وفجأة، شعرَ بشيءٍ شاسع، سحيق، وغريب على نحوٍ مطلق يحدّق فيه. كان الأمر كما لو أنّ كل شيء فيه قد انكشف تحت تلك النظرة المرعبة – كان الكائن يدرسه بدقّة متجرّدة من العاطفة، كما يدرس المرء عيّنة غريبة وفضولية بعد تشريح جسدها.
ثم بدا أنّ الكائن فقد اهتمامه. تبعته النظرة الثقيلة، لكنّها أصبحت أقلّ اختراقاً مما كانت عليه.
نظر صني إلى وجه العثة السوداء الجبّارة، إن جاز تسميته وجهاً. كان مغطّى بما يشبه الفرو الأسود الناعم، تتدلّى منه عينان كرويتان ضخمتان من كل جانب.
كان فكّها مخفياً عن الأنظار، وكانت قرنا استشعارها الهائلان يتمايلان بخفّة في الرياح. وعلى الرغم من أنّ كلّاً منهما يبلغ طوله مئات الأمتار، إلا أنّهما بدا كحاجبين ناعمين طويلين لحكيمٍ طاعنٍ في السن.
بقي محرّك العرائس ساكنًا، وكانت تلك السكينة هي ما جعل رؤية عثة جبّارة أمراً مفزعاً إلى هذا الحد. لَكان توتر صني أقلّ لو حاول الطاغية تهديده أو أظهر أيّ علامةٍ على استعداده للقتال. لكنّ بقي المخلوق ساكنًا، يحدّق فيه ببرود.
‘إنه لا يأخذني على محمل الجد إطلاقاً.’
كان بحر السحب أدناه يلمع، مصبوغاً بمليون ظلٍّ من القرمزي والعنّابي بفعل الغروب. خطا صني خطوةً وفعّل سحر نجمة المساء – فأصبحت الظلال المحيطة به أكثر قتامةً، وأشتدّ حجابُ الرماد استعصاءً على الاختراق. شعر بالقوّة.
بل لقد أصبح أقوى بالفعل، وإن لم يكن ذلك بكثير… بعد.
كان سحر نجمة المساء شديد الفعالية، لكنه أبسط في التنفيذ من كثير من الأسحار التي نسجها من قبل. ذلك لأن صني اختار ألا يعتمد على الأنماط المعتادة التي حفظها أو طوّرها أثناء تصميمه لها. وبدلاً من أن ينسج بعناية المسارات والآليات التي يفترض بالسحر أن يتبعها، نسج في النمط نفسه مفهوم ما يُراد تحقيقه.
أسّس صني نسيج تعويذة نجمة المساء على مفهومين بسيطين: الوفرة والقوة. كانت نجمة المساء تهدف إلى منح حاملها وفرةً من القوة. لا القوة الجسدية، ولا جوهر الروح، ولا الصلابة الذهنية، ولا حتى الإرادة، بل القوة ببساطة – بكل أشكالها وصورها.
لم يحتج صني إلى تصميم دقيق للطريقة التي سيتحقّق بها هذا الأثر لأنّه بنى نسيج التعويذة على مفاهيم لا على مبادئ سحرية.
فنجمة المساء ذكرى مقدّسة، وطرق عملها ليست بذات أهمية بقدر حقيقة أنها تعمل. لم تكن تتبع أنماطاً مدروسة من السبب والنتيجة – بل كانت تُجبر العالم على الانحناء لحالة تدعم تأثيرها. التأثير يأتي أولاً، ثم يتبعه السبب.
هكذا تمارس الكائنات المقدّسة قواها، لذا خمّن صني أن على الذكرى المقدّسة أن تعمل بالطريقة نفسها.
كان التغيير في منهجية تصميم نسيج التعويذة جذرياً إلى درجة أنه كان من الصعب استيعابه. لكن عندما غيّر صني منظوره ورأى أسس الميكانيكا السحرية من زاوية جديدة، كانت الأنماط التي تخيّلها أبسط ممّا اعتاد تصميمه.
بالطبع، تعويذةٌ كهذه لا يمكن تقويتها إلا على يد سيّدٍ يمكن لإرادته أن تتحمّل عبئها. لكن بما أن صني كان ‘عملاقاً’ فائقاً، فقد كان أكثر من مؤهّل لذلك.
ومع ذلك، فإن إنشاء ذكرى هدفها الوحيد هو جعل سيّدها أكثر قوة ما كان ليكون ذا نفع كبير. فلإرادته حدود، وحتى إن لم تكن لها، فإن سحراً بسيطاً كهذا لا يمكنه أن يحني قوانين العالم كثيراً. سيكون الأثر ضئيلاً.
هنا تدخل الحدّ الاصطناعي الذي أضافه صني بنفسه إلى نسيج تعويذة نجمة المساء. من خلال تقييد الذكرى المقدّسة ذاتياً، أتاح لها أن تحني قوانين الوجود أكثر بكثير مما كان ممكنًا لولا ذلك – ما دامت الشروط المناسبة قد توفرت. وكأنّه ركّز طاقتها في شعاع ضيّق بدل أن يطلقها على العالم كموجة مشتتة.
أما القيد الذي وضعه صني على سحر نجمة المساء فكان كالتالي: فاعليّتها تعتمد على مدى سطوع العالم من حولها. هذه الذكرى المقدّسة تكاد تكون عديمة الجدوى حين تكون محاطة بالضياء والنور. لكنها تزداد قوة بشكل متسارع كلما ازدادت الظلمة من حولها، وتبلغ ذروتها في العتمة التامة.
وبما أنّ صني لم يكن يستطيع مهاجمة قلعة الثلج إلا عند الغروب، فستعزّزه نجمة المساء أكثر فأكثر كلّما اقترب حلول الظلام.
وكان تعزيز الذكرى المقدّسة بحدّ ذاته أمراً شديد القوّة. ومع ذلك، كان هناك أيضاً سِمة [تسليح العالم السفلي] التي تحملها عباءة اليشم – السِمة التي تعزّز تأثير أيّ تميمة تُدمج داخل الدرع الداكن.
ببساطة، كلّما طال بقاء صني في المعركة ضد محرّك العرائس، ازداد قوّة. وكان أي تعزيز ذا أهمية، لكن هذا بالذات كان حاسماً، نظراً لأن المقاتلين عادةً ما ينهكون ويضعفون مع نهاية المعارك الشرسة – وفي تلك الحالة من الإرهاق والضعف، يكون لكلّ قطرة من القوّة قيمة ثمينة. إذن…
فلعلّ محرّك العرائس على وشك أن يتلقّى مفاجأة غير سارّة. وبالطبع، كان صني متأكداً تماماً أنّ ذلك المخلوق الرجس يخبّئ له بعض المفاجآت أيضاً.
توتّرت كلّ حواسه بينما اقترب من نهاية الجسر. وتشنّجت عضلاته استعداداً لمعركة هوجاء، قاتلة.
استنشق صني نفساً عميقاً، ثم صرّ على أسنانه، وخطى فوق المنحدر الثلجي للجبل الشاهق.
كان يتوقّع هجوماً عقلياً مدمّراً يضربه على الفور – وربّما حتى اعتداءً دنيئاً لا يمكنه حتى تخيّله، فضلاً عن وصفه. كان قد أعدّ نفسه لكلّ شيء… أو هكذا ظن.
لكنه كان مخطئاً. لأنّ ما حدث تالياً ترك صني مذهولاً تماماً، بل ومرتعشاً بعض الشيء.
فبدلاً من هجوم طاغٍ، استقبله على منحدرات قلعة الثلج صوت.
كان الصوت يتردّد من كلّ مكان حوله، خافتاً وغريباً في رقّته.
قال:
“مرحباً، أيها المُحرِّر. آه… لقد انتظرت طويلاً جداً.”
ترجمة آمون
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.