عبد الظل - الفصل 2394
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2394 : ملتقى التناقضات
ابتسم كاي في البداية، كما لو أنه اعتقد أن صني يمزح، ثم نظر إليه بدهشة بعد أن أدرك أنه يقول الحقيقة.
قال مستنكراً:
“أأنت قلق على نفسك أكثر مما أنت قلق عليّ؟”
أومأ صني ببساطة.
“نعم. أنا… معرض للخطر أكثر مما تتخيل من ذلك الشيء وما يخبئه لنا.”
بقي كاي صامتاً لبضع ثوانٍ، ثم هز رأسه.
“يصعب عليّ تصديق ذلك. فأنت فائق، في النهاية. ألم تقل لي بنفسك أن السيّادي هو من يجرؤ على لوي العالم بإرادته؟ كيف يمكن لشخص بهذا العناد أن يشك بنفسه في الوقت ذاته؟”
نظر إليه صني بتعبير قاتم وهز كتفيه.
“وماذا عساي أن أقول؟ البشر مخلوقات معقدة. يمكنهم أن يكونوا شيئين في الوقت ذاته. يمكنني أن أكون واثقاً بنفسي إلى الحد الذي يجعلني أفرض على العالم أن يوافق مشاعري، لكنني أشك بكل خطوة أخطوها أيضاً.”
كان بالفعل يملك إرادة حادة بما يكفي لتشطر العالم.
لكن، في الوقت نفسه، كان وجود صني… متناقضاً إلى حدٍّ عميق.
كان يحب نيفيس ويستمتع بحبّها له، لكنه، في الوقت نفسه، كان دائماً يشك في مشاعرها تجاهه، ويتساءل عن مكانه في حياتها. فالشخص الذي تعرفه لم يكن سوى قشرة من صني الحقيقي، في نهاية المطاف.
كان يرغب في استعادة قدره وجعلها – وجعل الجميع – يتذكرونه. لكنه، في الوقت ذاته، لم يكن متأكداً إن كان يريد ذلك بشدة تكفي لدفع ثمن أن يُقيّد من جديد.
كان مصمماً على مقاومة أهوال تعويذة الكابوس وحماية البشرية، لكنه، في الوقت ذاته، كان يختبئ من الجميع، مدفوعاً إلى الظلال بسبب نسب السَامي المنسي الملعون.
كان صني، في أفضل أيامه، مزيجاً من تناقضات لا يمكن التوفيق بينها. وفي أسوأ أيامه… كان على بعد دفعة واحدة من فقدان السيطرة والانزلاق إلى نوبة قتل مجنونة.
كل تلك المشاعر المتضاربة كانت تغلي بصمت في الخلفية بينما كان يعيش حياته. وفي العادة، لم تكن تمثل مشكلة.
لكن غداً… كل شك من تلك الشكوك غير المحلولة سيصبح ذخيرة يمكن لمحرك العرائس استخدامها لتحطيمه. كل واحدة منها كانت شرخاً في درعه، يمكن لنصل العدو أن ينفذ منه.
وهكذا…
معركة الغد لن تكون ممتعة لصني.
تأوه.
‘آه. أكثر مخلوقات الكابوس التي أكرهها هي تلك التي تعبث بعقلي…’
هز رأسه، ثم عاد إلى نسج سحر نجمة المساء وهو يتمتم بضيق:
“على أي حال… لا داعي لأن تقلق عليّ فعلاً. سأتعامل مع الأمر. وإن فشل كل شيء… فإن الحقد الخالص لم يخذلني قط.”
ثم تحوّل تعبيره إلى القلق:
“مع ذلك، أتوقع أن تكون المعركة ضد محرك العرائس بشعة بما يكفي لدفعي إلى أقصى حدودي. بل ما هو أبعد بكثير من حدودي، في الواقع. قد أُجبر على اللجوء إلى أمر يائس جداً… وإن حدث ذلك، فدورك سيكون الأهم. سيتوجب عليك مساعدتي على العودة.”
عبس كاي.
“العودة؟ العودة من أين؟ ماذا تعني؟”
ابتسم صني ابتسامةً باهتة.
“الأمر بسيط، حقاً. عليك أن تجعلني أتذكر نفسي. بتذكيري من أكون.”
حدّق كاي فيه لوهلة، ثم تنحنح.
“لكن، صني… يؤسفني أن أقول هذا، لكن بالرغم من التفاهم الجميل بيننا خلال الأسبوعين الماضيين… لا أعرفك حقاً. نحن بالكاد نعرف بعضنا.”
ضحك صني.
“عادل بما يكفي.”
ثم عبس فجأة:
“لا، انتظر. ماذا تعني بأننا بالكاد نعرف بعضنا؟! أنت وأنا أعز الأصدقاء! قاتلنا جنباً إلى جنب وقتلنا سَاميين حرفياً. تدحرجنا في نفس الطين وأكلنا نفس الفئران. هل هناك ثنائي أقرب منّا في هذا العالم؟”
سعل كاي:
“أنا لم آكل الفئران، على كل حال.”
‘آه، صحيح. رفض المشاركة في حفلة الشواء بالفئران، الأحمق.’
تنهد صني.
كان كاي محقاً، بطبيعة الحال.
كيف يمكنه مساعدة صني على تذكّر نفسه إن لم يكن يعرف حتى من هو صني الحقيقي؟.
بدت كأنها مشكلة، لكنها، في الحقيقة، لم تكن كذلك. فالجواب كان واضحاً. في الواقع، سبق لصني أن خاض موقفاً مشابهاً جداً، وإن كان دوره الآن معاكساً تماماً لدوره في ذلك الحين.
منذ وقت طويل، كانت نيفيس قد علمته كيف يجعلها تهرب جزئياً من تلاعب الذاكرة الذي استخدمه مفترس الروح. كل ما كان عليه فعله هو تلاوة ثلاثة أسماء لها – أسماء أشخاص تكرههم – والذين سيذكّرونها بأهم شيء في حياتها. رغبتها المشتعلة في تدمير التعويذة.
آستر، سونغ، فال.
والآن، كان على صني أن يصنع ‘آستر، سونغ، فال’ الخاصة به.
تردد قليلاً، ثم قال:
“فقط ردد لي بضعة أسماء: نيفيس، كاسي، إيفي، كاي، رَين، جيت. وإن لم ينفع ذلك، أضف نوكتس وأنانكي. آيكو، يوليوس، بيث… كيم، لاستر، كوينتين، دورن، بيل، سمارة، أوبل. هممم. هذا يكفي، على ما أظن.”
كانت هذه أقوى الروابط التي تقيّد صني بذاته في غياب اسم حقيقي. الحبال التي تربطه بالعالم، وتشكّل ماهيته.
إن كان هناك شيء يمكنه تذكيره من هو، وما الأهم في حياته، فكانت تلك الأسماء. بطريقة غريبة… كانت هذه الكلمات القليلة هي أصدق تلخيص لحياته.
نظر إليه كاي بنظرة غريبة، ثم أومأ ببطء.
“حسناً. سأحفظها.”
تردد قليلاً قبل أن يضيف:
“لكن، عليّ الاعتراف أنني أشعر بشيء من الغرابة لوجود اسمي بينها.”
ابتسم صني.
“وماذا عساي أن أقول؟ أنت تترك أثراً.”
ثم أشار له بأن يقترب.
“أوه، بالمناسبة… سأضربك بقوة الآن.”
رمش كاي مرتين.
“هاه؟ ماذا؟ لماذا؟”
هز صني كتفيه بلا مبالاة.
“هل ترى الأفق؟ الشمس على وشك الشروق. أشك في أن محرك العرائس سيغادر قلعة الثلج، لكنه بالتأكيد يستطيع شن هجوم ذهني مرعب علينا دون أن يتحرك. لا تريد أن تتعرض لهجوم ذهني من طاغية ملعون أكثر من مرة، أليس كذلك؟”
تراجع كاي قليلاً، بعينين حذرتين.
“لا، لا أريد… لكن ما علاقة هذا بلكمي؟!”
سخر صني:
“أعني، أفضل طريقة لتجنّب هجوم ذهني… أن تكون فاقد الوعي. هذه بديهة! لذا، تعال… لن يؤلم كثيراً…”
لكن كاي لم يقترب.
وبعد لحظات قليلة، ارتفعت سحابة من الرماد فوق منحدر البركان الشاهق.
ترجمة آمون