عبد الظل - الفصل 2371
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2371 : تسعةُ أقدارٍ
حين تحوّلت أصداء صوت الطفلة الصغيرة إلى صمت، سقط التسعة في الصمت كذلك. بدت كلماتها وكأنها مزاح… أو على الأقل، كان من المفترض أن تكون كذلك. فكيف لمجموعة من البشر الفانين أن يقتلوا السَاميين؟.
ومع ذلك، فقد استقرت أجواءٌ مهيبة في الحرم الداخلي لمعبد العرّافة. هذا العالم المسالم الذي يحيون فيه كان أخّاذًا ومزدهرًا، لكنه لم يكن ينعم بحماية سَامٍ. فالسَاميين قد أصبحوا متعالين ومُبتعدين منذ زمنٍ بعيد… لا تزال معابدهم شامخةً، ورغم صلوات الكهنة والكاهنات الورعة، فإنهم يُقابلون عادةً بغياب بارد ولا مبالٍ. حتى سَامي الحرب، راعي البشرية، قد انسحب من مراقبة إمبراطوريته العظيمة والمرعبة.
لم يكن العالم البشري الذي وُلد فيه التسعة محميًا حتى من قِبل سَامي مُهمل، ولهذا، لم يكن يُبجل أي سَامي. بل إن من كانوا يُبجّلون هي العرّافة – النساء القادرات على التحديق في القدر. لم يكن نسيج القدر الشاسع شيئًا يُفترض أن يراه البشر، ولهذا كانت العرّافة عمياء، إذ أن المنظر المفزع لما شهدته قد احترق في عينيها، فأتلفهما إلى الأبد. كانت تلك لعنتها، لكنها كانت أيضًا عزاءها. كانت العرّافة تخبرهم أن عالمهم محكوم بالهلاك، وأن عليهم أن يقتلوا السَاميين.
تكلم الأمير يوريس أخيرًا، وصوته يرتجف بخفوت:
“أمي… أيتها العرّافة. لكن… كيف لتسعةٍ من البشر أن يقتلوا السَاميين؟”
بدت العجوز وكأنها تدرسه بعينيها العمياء، ثم اتكأت إلى الخلف قليلًا. وانبعث صوتها المتهالك في الحرم الداخلي:
“إمبراطورية الحرب وحش لا يشبع، يتغذى على الغزو. إنها شاسعة؛ إنها مزدهرة. لكن هذا الازدهار شرير، وأسوأ من ذلك، فهو غير قابل للاستمرار. اقتصادهم، وطريقتهم في العيش، لا يمكن أن تستمر إلا بتدفق مستمر من الثروات أو الموارد – والأهم من ذلك، من العبيد الجدد. فبدون العبيد، لن تستطيع الإمبراطورية إنتاج شيء. لكن العبيد… ليسوا موردًا متجددًا.”
تكلمت المرأة بعد ذلك، وترددت كلماتها وكأنها نذيرٌ حزين في الحرم:
“لقد قرأتَ المعاهدات الإمبراطورية، يا بني. أنت تعرف قسوة أساليبهم. العبيد الذين يأخذونهم لا يصمدون طويلًا، يُنهكون في العمل حتى الموت. لبضع سنوات، وربما… عقد في أفضل الأحوال. ولهذا، تحتاج الإمبراطورية لغزو أراضٍ جديدة، وجلب عبيدٍ جدد. ولن تتوقف أبدًا، لأنها لا تستطيع – إن توقفت، ستموت جوعًا.”
تكلمت الفتاة أخيرًا، بصوتٍ خافت:
“مملكتنا مملكة مسالمة. إنها أرض الفن، والخمر، والحكمة، والشعر، والثقافة. ستأتي الإمبراطورية وتسرق فننا. ستأخذ خمرنا. ستأخذ شعراءنا وفلاسفتنا، وتحولهم إلى عبيد منزليين لتعليم السادة الصغار. أما الباقون – أولئك الذين ينجون – فسيُرسلون ليكدّوا في الحقول. وفي غضون بضعة أجيال، لن يتبقَّ من ثقافتنا شيء. لن نكون نحن من تبقّى، بل أطلال مسروقة من قبل طغاة الغزو.”
ثم تكلّمت المرأة المرتدية جلد غزال على كتفيها، بصوتها الهادئ المتزن:
“هذا لا يجيب عن السؤال. لا نستطيع جميعنا حتى أن نوقف إمبراطورية يحرسها سَامٍ واحد. فكيف لنا أن نقتل الستة كلهم؟”
صمتت العرافة.
وبعد فترة، تكلّمت العجوز بصوت خافت وجليل:
“أنتِ صيّادة، صحيح؟ إذاً، عليكِ أن تعرفي كيف تقتلين وحشًا أقوى منك.”
تكلمت المرأة من بعدها:
“الإجابة بسيطة. لكنها لن تكون سهلة. ستكون صعبة. ستكون لا تُطاق. ستكون مستحيلة، حتى، على كلٍ منكم.”
وأتمّت الطفلة الصغيرة ما بدأت قوله المرأة:
“لكن عليكم أن تحققوا المستحيل، كل واحدٍ منكم. عليكم أن تجدوا نقطة ضعف الوحش. أن تستدرجوه إلى الفخ. وأن تغرسوا نصلَكم في موضع الضعف الذي كشفتموه.”
ثم تكلمن الثلاثة معًا…
“لقد تم اختيار التسعة لأنكم مميزون، كما كان عالمنا هذا كذلك. بعضكم حكيم، وبعضكم قوي. بعضكم قديسون. لكن القدر لا يحتاج الحكماء، ولا يهتم بالأقوياء، ولا يعبأ بالقديسين. إنما يهتم فقط…”
غمرت أصواتهم الحرم المقدّس، وكأنها نبوءةٌ:
“هم أولئك المقدرون. وهذا ما أنتم عليه، أنتم التسعة. أنتم مباركون بالقدر… وأنتم ملعونون به. تلتف خيوط القدر حولكم بقوةٍ، ولهذا، فإن كل ما تفعلونه سيتردد صداه في عبر أوتار القدر، هازًا أسسه.”
فتحت العجوز فمها لتكمل، لكن الأمير الذي كان راكعًا على الأرض قاطعها:
“تقولين إن أرضنا ستُداس من قِبل الإمبراطورية، وإن شعبنا سيُذبح ويُستعبد. وإننا لا نستطيع إنقاذ أحد، بل علينا أن ننتقم للجميع. وأن علينا قتل السَاميين؟”
ارتجف صوته بغضبٍ لا يكاد يُكبت.
“لكن… هل علينا حقًا أن نهجر شعبنا؟ وماذا سيحدث للعالم حين يموت السَاميين؟ فرغم تعاليهم، فإن السَاميين هم ركائز الوجود. كل شيءٍ يستند إليهم. هل علينا… أن ندمّر كل شيء؟”
بدلاً من العرّافة، أجاب أحد التسعة – محارب طويل القامة عريض الكتفين، وجهه شاحب كالرّماد، وعيناه تفيضان بالحزن والقتامة:
“إن لم يعد أولئك الذين نحبهم ونعرِفهم موجودين… فما قيمة ذاك الوجود؟ أنت شابٌ ونبيل، يا أميري. لا زوجةً لك، لا حبيبة، لا أطفال. ولن تضطر إلى مشاهدتهم يموتون أو يؤخذون على يد الحرب. لا يوجد فكرٌ أفظع من أن تعلم أن كل شيءٍ لك محتومٌ عليه بالهلاك – سوى أن تعلم أن من سيهلكك… سيبقى بلا عقاب. نعم… إن كانت العرّافة تقول الحق، فسوف نُفني كل شيء. علينا ذلك. ولمَ لا نفعل؟”
صرّ الأمير على أسنانه:
“لأننا بذلك سندمّر شعبنا، أيضًا! فماذا عن أولئك الذين سينجون من المذبحة ويؤخذون من قِبل الإمبراطورية؟”
بدا أن كلماته قد هدأت الحرم فجأةً. ارتسمت على وجوه التسعة علامات استياء، وتسللت لمحات من الشك إلى عيونهم. وغرقوا في صمت كئيب.
وفي ذلك الصمت، تكلمت السافلة التي ترتدي ثياب كاهنة، بصوتٍ خافت، لكنّه يحمل أقسى أنواع العزم:
“الموت أرحم من العبودية. القتل أهون من القيود. سأرحّب بالموت قبل أن أرحب بالسلاسل… أولئك الذين أحبّوني سيفتقدونني، لكنهم سيعلمون. حين أموت، سأكون حرّةً.”
فالموت، في نهاية المطاف، كان رحيمًا… أما حياة العبد، فكانت قاسية.
وببطء، أومأ الباقون برؤوسهم، وأخفض الأمير رأسه.
تغيرت وجوه العرافات تغيرًا طفيفًا.
وفي النهاية، تكلمت العجوز:
“سيكون لكل منكم مهمة. مهمةٌ عظيمة… مهمةٌ مروعة. مهمةٌ لا بد من إنجازها مهما كان الثمن. نحن العرّافة، نرى القدر. ولهذا، فنحن نقرّبكم كقرابين إلى القدر. امضوا، وأغرقوا العالم بالإيكور، انتقامًا لدمائنا التي لم تُسفك اليوم، لكنها ستصبغ البحر باللون القرمزي غدًا.”
عوت الرياح خارج المعبد، بينما استدارت المرأة لتنظر إلى الباحثة الآسرة.
“أيتها الساحرة أليثيا، الفيلسوفة. مهمتكِ أن تكتشفي الحقيقة. اذهبي، واكشفي كذب السَاميين! ستجدين موطن ضعفهم، وتعلّمين الآخرين كيف يُنزِلون الهلاك.”
ثم نظرت الفتاة إلى الرجل الرشيق ذو الملابس الأنيقة:
“أيميدون النحّات، مشكّل الحجارة. أنت من سيبني فخًا للسَاميين… أنت من سيعلن الحقيقة التي اكتشفتها أليثيا، وينقلها لأولئك الذين يجب أن يسمعوها. لتشكّل قلوبهم إلى شواهد قبور، وتبني جدران الفخ من تلك الحجارة.”
انحنت المرأة، وانعكس الحزن على ملامحها.
“الأمير يوريس… يا بني. سامحني. مهمتك هي الأشد مرارةً من بينها جميعًا…”
كان على الأمير الشاب أن يصبح عبدًا.
وكان على الشاعر الأعمى أن يضيع في الوهم…
استمعت المرأة المرتدية جلد الغزال لما أمرت به العرّافة الآخرين، وتحوّلت تعابيرها إلى الكآبة والشحوب. كانت مهمة الطفل الصغير أورَو مروّعة بشكل خاص.
ارتجف جسدها حين قالت الطفلة الصغيرة تلك الكلمات المفزعة. ومع ذلك، وفي النهاية، صمتت العرّافة، وصرفت الآخرين.
ولم تبقَ إلا هي.
رفعت المرأة ذقنها بخفوت.
“وماذا عني؟ ما هي المهمة التي يجب عليّ إنجازها؟”
رغم سؤالها، بقيت العرّافة صامتة.
وبعد برهة، أطلقت العجوز تنهيدة طويلة، بدت بها من الهشاشة والشيخوخة ما جعلها تبدو وكأنها ستتفتّت في اللحظة التالية.
وخرج صوتها أجشًا، متعبًا، وخائفًا.
“أنتِ… أيتها الصيّادة الشجاعة. مهمتك هي الأشد خطرًا. فمهمتكِ هي الأهم من بينها جميعًا، وكذلك الأشد رهبةً.”
أكملت الفتاة:
“نحن العرّافة رأينا القدر. وباستخدام القدر، رسمنا دربًا للتسعة. ولكن… هناك كائن يعرف القدر أكثر مما نعرفه نحن؛ كائن أكثر براعة منا في التلاعب بخيوطه. ذلك الكائن هو خصمكِ الأعظم. ولهذا، فإن المهمة التي عليكِ إنجازها… هي أن تطيحي بذلك العدو.”
ارتجفت العرّافة الثالثة، ثم انحنت إلى الأمام، وقالت بنبرة قاسية لا تعرف الرحمة:
“اقتلي ويفر، شيطان القدر. ذلك هو قدركِ، وما يجب عليكِ فعله.”
ترجمة آمون
احاااااااااااااااا
فصل ملغم بكل انواع الدهون والسكريات