عبد الظل - الفصل 2349
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2349 : بيدقٌ آخر قد سقط
‘إذًا… هذا أقصى ما يبلغه سامي، في النهاية.’
نظرًا إلى الأسفل، ولم يشعر صني بانتصار عظيم. بل كان مضطربًا.
بدا قتل وحشٍ ملعون إنجازًا مذهلًا… وهو كذلك، من ناحية. لكن، بصفته ‘عملاقًا’ فائقًا، فهذا كان ضمن حدود قدرته المفترضة. سيبدأ التحدي الحقيقي عندما يضطر إلى مواجهة شياطين، وطواغيت، و’عمالقة’ ملعونة – السَاميين المرعبين الذين يتمتعون بالذكاء والدهاء مثله تمامًا، وربما أكثر.
ثم هناك كائنات مثيرة للقلق مثل الرُجُسات الملعونة و’العمالقة’. مثل الطائر اللص الخسيس، الذي سرق قدره منه.
لم يكن صني يتوقع انتصاراتٍ سهلة بمجرد أن يتجه إلى مقاتلة تلك المخلوقات.
وبينما كان يفكر في الأمر، سرت قشعريرة في عموده الفقري. شعر بنظرة باردة تستقر عليه، فاستدار ناظرًا نحو شجرة المحور. لم يستطع رؤية الطاغوت الجالس على أحد أغصانها، لكنه كان يعلم أنه يُراقَب.
‘أظن أن لدينا جمهورًا.’
وما هو أسوأ من ذلك… هو إدراكه لهول الهاوية الفاصلة بين الكائنات العظيمة والملعونة. فقد كانت كل رتبة أقوى من سابقتها بشكل متزايد، والفجوات بينها تتضاعف بشكل مريع.
وإن كان الملعون بالفعل بهذا القدر من الرعب… فكم سيكون رعب الغير مقدس؟.
ابتسم صني ابتسامةً قاتمة، ثم تراجع خطوة وانحنى، حافرًا في بقايا دودة الثلج المسحوقة بعبوسٍ مُشمئزٍّ على وجهه.
في تلك اللحظة، هبط كاي بقربه في دوامة من الرياح، بعد أن عاد إلى شكله البشري. لم تكن القاتلة بعيدة أيضًا، إذ كانت تسير قادمةً من أعلى المنحدر المدمر.
كانت الأخيرة متزنة وهادئة كعادتها، أما الأول فبدا مذهولًا.
“هل قتلنا للتو وحشًا ملعونًا؟”
همهم صني بلا مبالاة:
“نعم فعلنا.”
بعد ذلك، نهض ورفع يده، ناظرًا إلى جوهرة صغيرة بين أصابعه. كانت تتلألأ بجمالٍ تحت شفق الغروب، وكان عمقها المشع ساحرًا على نحو غريب.
لكن تعبير وجهه كان غريبًا.
“هل يمكنك أن تنظر إلى هذا يا كاي؟ هذه أول شظية روح مقدسة أحصل عليها على الإطلاق. لكن… لماذا هي صغيرة جدًا؟”
لا، حقًا. شعر صني وكأنه قد خُدع!.
سعل كاي قليلًا.
“هذا… لا أظن أن حجم شظية الروح يهم، صني.”
ضم صني شفتيه بتأفف، ثم أخفى الجوهرة المشعة داخل درعه.
“ربما. على كل حال، يا صديقي، أعتقد أنك بحاجة للعودة إلى هيئة التنين.”
رمش كاي مرتين، ثم فعّل قدرته المتسامية مجددًا. أسرع صني بدعوة القاتلة، وفور ما قفزا على ظهر التنين، صرخ ليطير كاي إلى الأعلى.
بعد لحظات من ارتفاع كاي في السماء، بدأت الفوّهة بالثوران. وكان هذا الانفجار أعنف بكثير من سابقيه بسبب الدمار الكبير الذي تسببت به دودة الثلج في الجبل. فقد انهار عمليًا ثم ارتفع من جديد، مشكلًا منحدراته من الحمم المبردة.
وفي وقت وجيز، وقف بركان جديد مكان الجبل المنهار، بنفس الارتفاع ومظهر لا يقل صلابة.
وبعد أن هبط الثلاثة، شرع صني في بناء قصر الظلّ الجديد. كان يهز رأسه أثناء البناء، مصدومًا بعض الشيء.
“آرييل ذاك مدهشٌ حقًا، ألا تظن؟ من هذا الذي يجول ببساطة ويصنع جبالًا من العدم؟ هذا أمر لا يُصدق… مذهلٌ فعلاً. إنه شِيطَان حقيقي!”
كان كاي يراقبه بتعبير مشوش. وحين سمع ذلك، حوّل العازف الساحر نظره نحو القصر الفخم الذي كان ينهض من الظلام، وكأنه استُدعي بسحر.
“… نعم… لا يُصدق…”
هذه المرة، اختار صني تصميمًا عصريًا مع نوافذ بانورامية تُطل على منظرٍ رائع لبحر السُحب المرصّع بالنجوم. كان جعل الظلال المتجسدة شفافة أسهل بكثير من تلوينها، لذا بالغ قليلًا في استخدام الزجاج.
بالطبع، أي مهندس معماري حقيقي أو مصمم داخلي كان ليسكب الدموع على محاولاته البدائية، لكن كان القصر كافيًا كمأوى مؤقت سيُدمر خلال يوم أو يومين.
في الداخل، استلقى صني على أريكة وتنهد. لم يضبط خصائصها جيدًا، فكانت تبدو صلبة جدًا ولينة جدًا في الوقت نفسه. مثل هذه التفاصيل الصغيرة كانت الأصعب إتقانًا – تشكيل واجهة البناء سهل نسبيًا ما لم يُضف عناصر زخرفية، لكن جعل الداخل يبدو واقعيًا كان صعبًا للغاية.
كان منهكًا، جسديًا وذهنيًا. ويبدو أن كاي قد استُنزف تمامًا هو الآخر. وبعد أن خلع الطبقات الخارجية من درعه، جلس الرامي الساحر على كرسي بذراعين وأغلق عينيه.
أخرج صني شظية الروح المقدسة وأخذ يتأملها مجددًا، مستمتعًا بتوهجها البديع.
“هل تعرف لماذا تم إنشاء الموت، يا كاي؟”
نظر إليه كاي محتارًا.
“إنشاء… الموت؟”
ابتسم صني.
“بالطبع. كان هناك زمن لم يكن الموت فيه موجودًا… في الحقيقة، حتى الزمن نفسه لم يكن موجودًا آنذاك. كل ما نعرفه من قوانين الوجود الأساسية، تم إنشائه ذات يوم من قِبل السَاميين لاحتواء الفراغ. كان الفراغ لا نهائيًا وأبديًا، لذلك احتاجوا إلى صنع شكل من أشكال النهايات لحبسه. خطر لي أن معركتنا مع دودة الثلج تشبه هذا قليلًا. صراع بين اللانهاية والنهاية.”
بقي صامتًا لبرهة، ثم أضاف:
“على أي حال، كان سَاميّ الظل هو من أنشأ الموت، ولم يحبه أحد – ولا حتى السَاميين – بسبب ذلك. فالموت كان في بدايته سلاحًا ضد الفراغ والكائنات الأبدية التي تقطنه. وحتى اليوم، لا يزال الموت يدمر الفساد بإخلاص، ذلك الفساد الذي ينجم عن التأثير الخبيث للفراغ. ولهذا يمكننا قتل مخلوق كابوس ملعون وانتزاع شظية روح مقدسة من جثته.”
رمش كاي مرتين.
“أوه… لم أفكر في ذلك قط، في الواقع. والآن بعدما فكرت، يبدو الأمر فعلاً غريبًا.”
رمى صني الشظية في الهواء وأمسكها مجددًا.
“لكن في الحقيقة، إذا فكرت في الأمر، فالموت غير موجود فعلاً. أو بالأحرى، الموت ليس كما يتخيله الناس.”
رفع كاي حاجبه، مرتبكًا.
ضحك صني بخفة.
“الناس يظنون أن الموت هو النهاية، لكنه في الواقع مجرد تحوّل. كان سَامي الظل يبتلع كل ما يموت و… يهضمه، على ما أظن، داخله. يطحنه إلى جوهر نقي، ثم يطلقه مجددًا إلى العالم. لقد اختفى الآن، لكن القوانين التي أرسى قواعدها لا تزال قائمة. فلا أحد يختفي فعليًا. الجميع… يتحول إلى شيء جديد.”
ابتسم كاي ابتسامةً باهتة.
“تلك فكرة مريحة، على ما أظن.”
ضحك صني ضحكة خافتة.
“نعم، لكنني كنت أفكر… ماذا يجعلني أنا إذًا؟ فأنا نوعًا ما لِصّ. بعد كل شيء. الكائنات التي أقتلها لا تصل إلى عالم الظل. بل تبقى ببساطة في روحي إلى الأبد.”
حكّ مؤخرة رأسه.
“ربما يمكنني أن أتعلم كيف أهضمها أيضًا. لكن إن كان هناك سبيل لفعل ذلك، فلم أكتشفه بعد.”
أطلق كاي تنهيدة طويلة، واتكأ في كرسيه وأغمض عينيه مجددًا.
“إذًا، تريد تعلّم كيف تهضم الكائنات الميتة بعد ابتلاعها. فهمت. هل هناك سبب معين لذلك؟”
سقط صني في تفكير عميق وبقي صامتًا لبرهة.
ثم لمعت عيناه.
“والآن بعدما فكرت في الأمر، كله بسبب تلك الدودة الدنيئة. أعني، كانت ضخمة، أليس كذلك؟ كنت آمل بشدة أن أتناول بعضًا من لحم الدودة اليوم. لكنها فقط كان عليها أن تتقلص في النهاية! لا لحم لنا، اللعنة…”
وعندما سمع تنهيدة أخرى، عبس ونظر إلى كاي بعتاب.
“ما بالك؟ ألستَ جائعًا؟ هذا مستحيل. حتى إن لم تكن جائعًا، فأنا كذلك!”
لم يُجبه كاي.
ترجمة آمون