عبد الظل - الفصل 2343
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2343 : لعبة شجرة العالم
كان كاي مذهولًا إلى درجة أنه لم يبدُ عليه أيّ رد فعل تجاه ذلك التصريح الأخير. صمت الثلاثة لبرهة، مراقبين المشهد المهيب للشجرة الهائلة.
كان لحاء الشجرة داكنًا، فيما كانت أغصانها عارية ومغطاة بالثلج. بدت أغصانها كسديم متجمّد، بينما كانت الشجرة نفسها بمثابة محور العالم، ترتفع فوق بحر السُحب أعلى بكثير من الجبال المحيطة. لم يستطع صني رؤية جذورها، لكنه كان يعتقد أنها أطول بعشر مرات على الأقل من تلك التي كان عليها مفترس الروح في ذروته.
وبالطبع، كانت لا تزال أصغر بلا حدود من تلك الشجرة التي لا تُصدّق، والتي لم يبقَ منها سوى الجذع، التي رآها في قلب الغابة المحترقة.
في النهاية، تنهد كاي وقال ببطء:
“إنها كأنني أنظر إلى شجرة العالم.”
هزّ صني رأسه.
“لقد رأيت شجرة العالم الحقيقية ذات مرة. إنها تقع شمال الشاطئ المنسي، وكل ما تبقى منها هو جذعٌ ضخم لا يمكن فهم حجمه. أما هذه… فربما تكون شتلة من شجرة العالم.”
تأمل الشجرة قليلًا، ثم قال بنبرة يشوبها الشك:
“ربما هي كذلك. فنحن لا نعرف مما يتكوّن هذا العالم المصغّر بالضبط، ولا إن كانت هذه الجبال حقيقية أصلًا. لكن إن كانت هذه الشجرة حقيقية فعلًا، وإن كانت من نسل شجرة عالم سَامي القلب، فقد تكون هي ما يُبقي هذا العالم متماسكًا. ربما استخدمها لآرييل كنواةٍ لعالم لعبته.”
لم يكن هناك أي دليل يدعم نظريته حقًا، لكن كان صني يميل إلى تصديقها.
ولكن حتى لو كان مخطئًا، ومن باب الحذر فقط…
“مهما فعلت، يا كاي، لا تنظر داخل تلك الشجرة.”
رفع الرامي الوسيم حاجبًا.
“لماذا؟”
تردد صني لبرهة.
“إن كانت فعلًا العنصر المركزي في بنية هذا العالم، فقد تكون مصدر الكائن القابع تحت السُحب… أو على الأقل متصلة به. من يدري ما الذي يزحف في أعماق هذا الجذع الهائل؟ قد ترى شيئًا لا تحتمله عقلك.”
ارتجف كاي.
أمعن صني النظر في الشجرة قليلًا، ثم حكّ رأسه.
“لكن أمرٌ واحد يحيّرني. حاليًا، الشجرة مغطاة بالثلج. فكيف بحق ستُغطى بالرماد إذا غزوناها؟ لا يمكن لشجرة أن تثور بالحمم البركانية، أليس كذلك؟”
ضحك ضحكة خافتة.
هل ستزهر إن استولى نطاق الرماد عليها؟ أم أنها ستقذف الصخور المنصهرة حرفيًّا؟.
لم يكن الاحتمال الثاني مُستحيلًا. فبالنظر الى حجم الشجرة العملاقة، قد تكون جذورها تمتد عرضًا وعمقًا بما يكفي لتصل إلى غلاف هذا العالم الاصطناعي، أو ربما حتى إلى نواته المنصهرة… إن كان له نواةٌ من هذا النوع أصلًا.
ومع ذلك، كان صني مهتمًا بأمر آخر.
“كان هناك طاغوت ثلجي يحرس الساحة المركزية على لوح اليشم. فهل تراه؟”
نظر كاي إلى الأفق.
بقي صامتًا لبرهة، ثم أسرع بخفض بصره.
“نعم، أعتقد ذلك.”
تنهد صني.
“حسنًا، ما نوع الرعب هذه المرة؟ مسخٌ وحشي بلحم متعفّن؟ شبح مخيف غريب؟ لا، لا تقل لي… إنه نوع من الحشرات، أليس كذلك؟ سحقا! لماذا دائمًا تكون حشرات؟”
تريث كاي للحظة، ثم هز رأسه.
“لا. إنه… يبدو بشريًّا بالنسبة لي.”
قطّب صني حاجبيه.
“بشري؟ لا، انتظر. هل هو بشري، أم يبدو وكأنه بشري؟”
تردّد كاي في الرد.
“لستُ متأكدًا. ذلك الطاغوت… يجلسُ هناك وساقاه متقاطعتان. لكن لا أستطيع تمييز أي تفاصيل، فقط… أعتقد أنه نظر إليّ أيضًا.”
فكّر صني في هذه المعلومات الجديدة بصمت.
كان الطواغيت كائناتٍ عاقلة، ذكية، وماكرة. كما أنها تمتلك قوى دنسة، تمامًا كما يمتلك المستيقظون قدرات الجوانب. والأهم من ذلك، أن هذا الطاغوت بالذات كان إمّا عظيمًا… أو ملعونًا. الأول يمكن تحمّله، أما الثاني فكان خبرًا سيئًا بالفعل.
وفي تلك اللحظة، أضاف كاي فجأة:
“هناك… شيءٌ غريبٌ بشأن ذلك الطاغوت. لست متأكدًا مما هو، لكني أظن أنني رأيت شيئًا خلفه، كأنه خيطٌ يلمع لثانية واحدة. في الحقيقة، شعرت بنفس الشعور عندما نظرت إلى الرجسات الثلجية الأخرى التي واجهناها أيضًا. جميعها غريبة بعض الشيء.”
رمقه صني بنظرةٍ قاتمة.
“مهلًا، أنا مشدودُ الأعصابِ أصلًا، فلا داعي لقول أمورٍ مرعبة لتزيد خوفي، حسنًا؟”
كان القمر قد بدأ في الصعود فوق بحر السُحب، وأغصان الشجرة الهائلة المغطاة بالثلج كانت تتلألأ تحت نوره الشاحب.
تنهد.
“اللعنة.”
“على أي حال. استعد لقتال ذلك الشيء، أيًّا كان.”
كان الفجر القادم سيكون فجرًا خطيرًا بالنسبة لهم. فدودة الثلج والعملاق الآلي ما زالا على بُعد حركتين، لكن يستطيع الطاغوت الثلجي مهاجمة البركان الوليد بخطوة واحدة فقط – ما يعني أنه قد يهاجمهم صباحًا.
طالما كان راغبًا في ذلك… أم مأمورًا؟.
فلم يكن صني يعرف حتى الآن مدى سيطرة طاغية الثلج على القطع الثلجية الأخرى. فطبيعة مخلوقات الكابوس أنها تهاجم الكائنات التي لا تتلطخ أرواحها بالفساد بنوبة قتل جنونية، ولكن إذا كان الطاغية مسيطرًا على هذه الرجسات، فسيستطيع قمع رغبتهم الجامحة لفترة.
ففي النهاية، كان صني هو طاغية الرماد، وكان بصحبته وحشان رماديان. وقد أثبتوا قدرتهم على القضاء على القطع الثلجية، لذا قد يتردد طاغية الثلج في إرسال طاغوته إلى المعركة بمفرده.
ولذا، لم يكن أمامهم سوى الانتظار والمراقبة.
وهذا ما فعلوه.
وفي الصباح، حين أشرقت الشمس فوق الأفق وأضاءت بحر السُحب بنورها الذهبي المشع، عادت الجسور الزجاجية الأثيرية لتربط البركان بالجبال المحيطة، وبالشجرة الهائلة أيضًا.
وخلفهم، كان البركان الذي تركوه بالأمس قد غزاه العملاق الآلي، وعاد للثلج من جديد. وعلى اليسار، زحفت دودة الثلج إلى قمة جديدة والتفت حولها، لتغلق الطريق نحو الغرب.
أما طاغوت الثلج…
فقد بقي في مكانه، غير مستعجلٍ للهجوم.
تمتم صني بلعنة خافتة.
كان خبرًا سارًا أنهم لن يضطروا لمحاربة الطاغوت اليوم. ولكن، في الوقت ذاته، كان ذلك خبرًا مُريعًا للغاية، إذ تشير كل الدلائل إلى أن طاغية الثلج لا يسيطر على القطع الثلجية وحسب، بل يتحكم بها أيضًا بطريقة استراتيجية.
عبس وأشاح بنظره عن الشجرة المُغطاة بالثلج، وأزدادت عيناه قتامةً.
“سنقتل تلك الدودة البشعة في المساء. استعدوا.”
ويبدو أنه سيقتل أول وحش ملعون له أخيرًا.
ترجمة آمون