عبد الظل - الفصل 2342
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2342 : النزوة السامية
كان لا يزال أمامهم وقت طويل حتى غروب الشمس، لذا بقي الثلاثة عالقين على البركان الوليد لفترة. قضى صني نحو ساعة يعبث بمنزل الظل، محوّله إلى قصر ظل أنيق، لمجرد التسلية. كانت البُنى المعمارية تظهر وتختفي، وتتغير أنماطها، تُضاف أجنحة للمبنى الرئيسي، ويرتفع برج جرس من الأرض، ويرن بصوتٍ عالٍ تحت هبوب الرياح.
وبعد قليل، ظهرت حديقة صغيرة على السفح الحاد للبركان، تتدلّى وكأنها على وشك السقوط. كانت الشجيرات والأشجار والزهور كلها سوداء كالحبر ومعقدة التفاصيل، لكنها خالية من الحياة.
جلس صني أمام حوض مليء بالورود السوداء، محدقًا فيها طويلًا. ومع الوقت، بدأت إحدى الورود تتغير ببطء، وانتفخت بتلاتها بلون أحمر نابض بالحياة.
فاللون، في النهاية، مجرد خاصية من خواص المادة. عندما يُسلَّط الضوء على شيء، يُمتص جزءٌ منه وينعكس جزء آخر – وما ينعكس هو ما نراه لونًا. لم يسبق أن جرّب صني تشكيل ظلاله المُتجسدة لامتصاص الضوء وعكسه بهذه الطريقة، لكن لم يكن هناك ما يمنعه من المحاولة.
وبعد بعض التجارب، نجح في جعل الوردة الحمراء تظهر. والمضحك أن تغيير لون زهرة واحدة كان أصعب، وأكثر إرهاقًا له، من بناء القصر بأكمله.
كان من المُقدَّر لكلٍّ من القصر والوردة أن لا يدومَا. فغدًا، حين يغزو نطاق الثلج هذا المكان، سيزول كل شيء. جمالهما مؤقت، وسيزول في لحظة…
لكن ربما هذا بالذات ما يجعل الفن ثمينًا – طبيعته الزائلة.
لم يعتبر صني نفسه فنانًا من قبل، لكن في تلك اللحظة، فكّر أن القدرة على صنع شيء يبعث الدهشة قد لا تكون أمرًا سيئًا.
تأمل الوردة الحمراء لدقائق، ثم هز رأسه وأعادها إلى لونها الأسود.
فالزهور السوداء كانت أقرب إلى ذوقه.
وبرغم علمه أن حديقته السوداء ستبتلع بالجليد والثلج غدًا، جعلها دائمة… كنوعٍ من التحدي لتلك النهاية المحتومة، وأيضًا، ربما، لأمل غريب في أنها ستصمد.
“يا له من أمرٍ مذهلٍ حقًا.”
أدار صني رأسه، ونظر إلى كاي، الذي اقترب منه في وقتٍ ما. ارتسمت على وجه الرامي الساحر تعبيرٌ من الدهشة، مما دفع صني إلى رفع حاجبه.
“ما هو؟”
تردّد كاي لبضع ثوانٍ، ثم أشار حولهم.
“هذا. الأشجار، والزهور، والقصر… تظهر فجأةً من العدم بدافعٍ من نزوة. يُقال إن التفوق أشبه بخطو نصف الخطوة نحو السمو. وبدت لي هذه كلها كلماتٍ فارغة، لكن الآن… الآن بدأت أفهم ما معنى أن تكون نصف سَامي.”
ابتسم صني ابتسامة خفيفة.
ربما لأن جميع الفائقين الذين قابلتهم من قبل لم يكونوا أنصاف سَاميين، بل في أحسن الأحوال أنصاف طواغيت.”
تنهد ثم نهض من الأرض، مبتعدًا عن الورود السوداء.
“ما رأيك؟ ما معنى أن تكون فائقًا؟”
فكّر كاي في سؤاله لبضع ثوانٍ.
“الفائق هو من يحكم. من يتحمّل مسؤولية تابعيه، ويملك القوة الكافية ليحمل هذا العبء. من روحه تتّسع لتشمل العالم، فيصبح نطاقًا… سياديًا.”
ابتسم صني وهز رأسه.
“لا. الفائق ببساطة هو من يملك الجرأة الكافية لإعادة تشكيل العالم وفقًا لأهوائه.”
وربت على كتف كاي.
“وأنت سيأتي يومٌ قريب تصبح فيه فائقًا بدورك. لذا أنصحك بأن تبدأ في الجرأة من الآن.”
حدق كاي فيه بنظرة فارغة لبرهة، مما جعل صني يتنهد.
“توقّف عن الخوف من قوتك، يا كاي. احتضنها.”
عبس صديقه وتردد قليلًا.
في النهاية، سأل:
“حتى لو جعلتني وحشًا؟”
ضحك صني.
“خاصةً لو جعلتك وحشًا. كيف تظن أنك ستنجو في هذا العالم المروع، ناهيك عن تغييره؟”
أخذ نفسًا عميقًا، واتجه نحو القصر. انتهت لحظة راحته القصيرة، واضطر للعودة إلى النسيج.
وبينما ابتعد صني، سأل كاي فجأة:
“هل هذا ما فعلته؟”
توقف صني عن السير، وابتسم ابتسامةً شاردة، ثم تابع سيره.
“بالطبع. مرات لا تُحصى.”
بقي كاي صامتًا للحظة، ثم هزّ رأسه.
“حسنًا، أنا لا أوافق. لا أعتقد أن التحول إلى وحش أمر يدعو للفخر. لذا، أرفض.”
ابتسم صني.
‘يقولها رجلٌ قتل تنينًا، وأصبح الآن تنينًا!’
لكنه احتفظ بهذه الفكرة لنفسه، وبدلًا من ذلك، رفع إبهامه لكاي.
“يا لها من عبارةٍ جريئة. استمر هكذا!”
وبهذا، اختفى صني خلف باب القصر، تاركًا الرامي الساحر وحده.
حسنًا… وحده، تحت مراقبة القاتلة.
كانت الظل القاتلة تشحذ سيوفها على قطعة من الحجر – وهو أمر لا داعي له على الإطلاق، بالنظر إلى المواد العجيبة التي صُنعت منها – بينما تراقبهما بصمت.
لم يكن هناك أي انفعال واضح في عينيها السوداوين الحبريتين، لكن تباطأت حركة السيف المدروسة على سطح الحجر للحظة.
في المساء، عبروا جسر السج، وفتحوا جبلًا آخر في الشمال. من هناك، استطاعوا رؤية الصف الرابع من لعبة آرييل… والساحة المركزية للوحة، حيث كان طاغوت الثلج ينتظرهم، ويحرسها.
كان صني يتوقع أن يرى جبلًا آخر… لكنه لم يكن أبعد عن الصواب.
وبينما كان هو، وكاي، والقاتلة يقفون على منحدر البركان الوليد، كانت تعابيرهم غريبة بعض الشيء.
رمش صني بضع مرات.
“ما هذا بحق؟”
أمامهم، في الأفق، تواجدت شجرة ضخمة حيث كان من المفترض أن يكون الجبل. كانت جذورها مخفية تحت بحر من السُحب، وبدت أغصانها وكأنها تسند السماء، ممتدةً عبر كيلومترات لا تُعد.
نظر كاي إلى صني، مذهولًا.
“أنا… لا أتخيل، صحيح؟ كيف يمكن لشجرة بهذا الحجم أن توجد؟”
أومأ صني ببطء، غير قادر على أن يصرف نظره عن ذاك المشهد الخيالي.
“لا، لا تتخيل. وبالفعل… إنها شجرة عملاقة بحق.”
هزّ رأسه غير مُصدق، وقال بصوت مفعم بالدهشة:
“أعني، إنها تكاد تكون بحجم غصن واحد فقط من أكبر شجرة رأيتها في حياتي…”
ترجمة آمون