عبد الظل - الفصل 2321
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2321 : الحقيقة أو الموت
كان العالَم يشارف على نهايته.
على سهلٍ أبيض لامتناهي، تناثرت جثث السَاميين الأدنى ملقاةٍ، ممزقةٍ، ومحطمة. تدفقت أنهارٌ من الإيكور عبر الجليد المتصدّع مثل ذهبٍ منصهر، منحدرةً إلى أعماق محيطٍ مسجون. وفوق ذلك، كانت السماء نفسها قد انكسرت. فتسربت خيوطٌ من اللاشيء من شقوقها، مستهلكةً ببطء امتداد القبة السماوية الشاسع.
كان هناك عملاقٌ راكع في وسط ساحة المعركة الصامتة، قابضًا رأسه بكلتا يديه الهائلتين. دم ذهبي وجداول لزجة من مادة رمادية كانت تنساب بين أصابعه، وعيناه المشعتان كانتا تتقلبان بجنون وذهول.
كان درعه العاجي البهيّ مُمزقًا، ورمحهُ ملقى على الجليد، منسيًا، لا يزال مشبعًا بصدى البرق المدمر.
كان العملاق سَاميًا، روحه بامتداد عالَم.
تحركت شفتاه، هامسًا:
“أنا… أنا… أنا، أنا… أنا…”
كان همسه مشحونًا بالرعب.
ثم، فجأة، هدأ ونظر إلى الأسفل، إلى الفراغ الهائل للجليد المتحطم أمامه.
هدأت تعابير وجه العملاق تدريجيًا بشكلٍ مخيف، وبات صوته متزنًا، أعمق وأخفض مما كان عليه من قبل.
خفض يديه، سامحًا لجمجمته المكسورة أن تنهار، وتكلم:
“يحيا ويفر… بكر السَامي المنسي.”
وحين فعل، كُشف فجأة عن هيئة ضبابية على الجليد، تلفها عباءةٌ مهترئة ويغطيها قناعٌ مروّع. انبعث من خلف القناع صوتٌ يشبه ألف صلاةٍ يائسة، فارتعد منه جسد العملاق.
“أخي، يا أخي. لماذا تختبئ داخل هذه الجثة البشعة؟”
ضحك العملاق بصوتٍ ليس صوته، ثم همس بنبرة خبيثة:
“آه… أما زلت تُهينني هكذا، يا ويفر؟ أما زلت تتخلى عن كل ذرة خوف عند مواجهة شيطان الرعب؟ جميعنا، نحن الشَيَاطِين، أقسمنا على تدميرك. فلماذا أنت هنا؟ لماذا كشفت عن نفسك؟”
لم يتحرك القناع المروّع للشِيطَان الضبابي.
بقي ويفر صامتًا لبرهة، ثم قال:
“أخي يعلم ما يخشاه الجميع، ولذا، فهو يعلم حقيقة الجميع. أما أنا، فلا أعرف الخوف. فما هي حقيقتي إذن؟”
حرّكت الرياح العباءة المهترئة، كاشفةً لا شيء مما كان مخفيًا تحتها.
“فكرتُ أن أعرض عليك لعبة.”
نظر إليه العملاق المحتضر، والنور يخبو ببطء في عينيه الذهبيتين.
“لعبة؟ آه… ما نوع هذهِ اللعبة؟”
أجاب شيطان القدر على السَامي المحتضر:
“لعبة موت، بطبيعة الحال. من يفز، يمنح الآخر حقيقة. وإن خسرتُ، سأسمح لك بتدميري.”
ارتجف العملاق وانهار، وحين فعل، ابتلع الجليد المحطم جثته.
وانساب همسٌ خافت فوق ساحة المعركة المروعة:
“تعال… أوافق…”
واختفى العالَم فجأة إلى العدم، واستُبدل بغرفة مألوفة.
كان هناك هيئة مقنعة تجلس فوق وسائد أمام لوحٍ من اليشم البديع. كانت الغرفة تغرق في الظلام، ومن ذلك الظلام انبعث همس:
“أنا أعلم الحقيقة التي أطلبها. لكن ما الحقيقة التي تفتقر إليها أنت، يا من ترى أعماق القدر؟ ما الذي ترغب في معرفته، يا ويفر؟”
نظر قناع شيطان القدر المخيف إلى الظلام. وانبعث ألف صوت متشابك من تحته، جاعلًا الظلام يرتجف.
“أتعلم كيف يمكن كسر القدر، يا أخي؟”
خرجت يدٌ خزفية من أعماق العباءة المهترئة وأمسكت بقطعة منحوتة من اليشم الأبيض.
“تلك هي الحقيقة التي أرغب في معرفتها.”
***
أطلق صني تأوّهًا وسقط على ركبتيه.
‘آه…’
كان صدى الهمسة الخبيثة وارتداد الصوت الضبابي لا يزال يدوي في أذنيه. ارتجف، شاعِرًا بضغط مروع يسحق عقله.
“صني؟”
فزع كاي، مسرعًا لمساعدته.
أشار له صني بالابتعاد.
“أنا… أنا بخير.”
كان بخير فعلًا – وإن بدا متداعيًا قليلًا.
‘ما الذي حدث؟’
نهض صني ببطء عن الأرض ونظر إلى القطعة المتبقية من اليشم على المذبح.
“اللعنة إن كنت أعلم.”
بدا صوته خافتًا.
قبل لحظة، كان واقفًا في حصن قلعة الرماد، وفي اللحظة التالية، كان وسط ساحة معركة مفزعة، والعالَم ينهار من حوله، يشهد حديثًا غريبًا بين شِيطَانَين.
ويفر وآرييل… القدر والرعب.
سيد الأكاذيب وحارس الحقائق.
كانت هيئة ويفر الضبابية تبدو مهترئةً بعض الشيء، على غير عادة كائنٍ سَامٍ. لا بد أن تلك المحادثة جرت أثناء حرب الهلاك، حين كان الشيطان الشرير مطاردًا من قِبل أشقائه والسَاميين على حدٍ سواء. وتلك اليد الخزفية بدت مألوفة أيضًا… لا بد أنها اليد التي جمّعها ويفر من أجزاء الدمى المحطمة في برج الأبنوس.
أما آرييل، فيبدو أنه كان يتلبّس جسد بطلٍ سَامي مهزوم — ذلك العملاق الذي كان يحمل رمحًا مشبعًا بلا نهاية شرسة من برقٍ ذهبي. لم يرَ صني شكل شِيطَان الرعب الحقيقي حتى النهاية… وربما لم يكن لآرييل شكل من الأصل.
ربما لم يكن شيطان الرعب موجودًا إلا كهمسة.
على أي حال، كان ويفر قد عرض لعبةً برهاناتٍ عالية، وقَبِل آرييل التحدي.
“أظنّ… أنني رأيت رؤيا. من نوعٍ ما.”
ما رآه صني لم يكن يشعر وكأنه رؤيا. في الحقيقة، لم يشبه أي شيء مألوف له. كأنما كان هناك… ولكن لم يكن. حاضر، وفي الوقت ذاته، غائب.
كأنّه ببساطة اطّلع على حقيقة ما حدث في ذلك اليوم.
أرتجف صني قليلًا، شاعرًا بثقل الشهادة على ثلاثة كائنات سَامية — شِيطَانَين، وبشري سَامي يحتضر — ينحسر ببطء، ليسمح له بالتنفس بحرية مجددًا.
“من كان ذلك العملاق؟”
في هذه الأثناء، رفع كاي حاجبه.
“أمم… هل من المعتاد أن تراودك رؤى كهذه، يا صني؟”
هزّ صني رأسه.
“لا. يبدو أن رمي قطعة وحش الثلج في البركان هو ما تسبب بذلك.”
تردد قليلاً.
“على أي حال، أظن أنني كنت مخطئًا.”
عبس كاي.
“بشأن ماذا؟”
نظر صني حوله، وتذكّر لوح اليشم، والموقف اليائس لنطاق الرماد. كان الرماد يخسر بشدة.
تنهد بعمق.
“لا أعتقد أن ملكة اليشم هي من لعبت بالرماد.”
نظر إلى قطعة وحش الثلج مرةً أخرى، وقال، وصوته خافت:
“أعتقد أن شيطان الرعب هو من لعب بالرماد. أما الثلج… فلا بد أن من لعب به كان ويفر.”
ترجمة آمون