عبد الظل - الفصل 2285
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2285 : فيلق الموت
امتدت الغابة المحترقة تحت سماءٍ رمادية كالحة، كذكرى قاتمة ومقفرة للدمار الشامل. هنا وهناك، كانت جذوع أشجار عملاقة متفحمة ترتفع نحو السماء مثل أبراجٍ متهدمة، أغصانها قد اختفت، وتحولت أوراقها منذ زمنٍ بعيد إلى رماد. وتحتها، ارتفع متاهة غير قابلة للاختراق من الحطام المحترق لمئات الأمتار فوق الأرض، محجوبةً تمامًا عن الأنظار.
كان صني واقفًا فوق واحدة من القلة القليلة من الأشجار المحترقة التي بقيت منتصبة بعناد حتى بعد موتها، ناظرًا من ذلك الارتفاع العظيم إلى الامتداد الهائل من الحطام المتفحم – اثنان منه في الواقع، أحدهما مرتدٍ درعًا جميلًا من اليشم الأسود، والآخر بملابس بسيطة من قماشٍ داكن.
نظر الذي يرتدي الدرع إلى الأسفل بتعبير متغطرس.
“أظن أننا سنخسر مجددًا.”
ابتسم الآخر ذو الملابس البسيطة بخفة، ولمعت عيناه بشيء من الشقاوة.
“لا تستخف بفيلقنا.”
تحتهم، كانت معركة مرعبة تدور رحاها.
فقد دبّت الحياة في كومة الحطام المتفحم، وفاضت بمادة سوداء لامعة.
كانت تلك المادة حشودًا لا تُعد ولا تُحصى من الحريش الوحشي، يتراوح طولهم بين عدة أمتار إلى عشرات الأمتار، وأجسادهم مغطاة بهياكل خارجية سوداء لامعة. كانت الحريش تزحف من أعماق الغابة الساقطة، مندفعةً نحو السطح كموجة هائجة.
كل واحدة منها كانت على الأقل وحشًا فاسدًا، وبعضها كان من الرتبة العظيمة. وكان من بينها أبطالٌ غريبون أيضًا – مسوخ، شياطين، وطواغيت، يدافعون عن الظلال الغامضة لطغاة السرب المتملصين. كان البعض منها يحمل دروعًا خارجية تتميّز بألوان زاهية ونقوش مرعبة، تبرزهم عن المد الأسود وتلفت الأنظار إلى أشكالهم الشريرة.
وكان مشهد تلك الحشرات الوحشية مرعبًا حتى لشخص مثل صني.
“وهيا… بنا… نبدأ…”
كان هناك جيش آخر يواجه مدّ الحريش الرجس، محيطًا بالشجرة الشامخة التي كان يقف عليها كما لو كان جدارًا – مظلمًا بنفس القدر، لكن أكثر رهبة. كان هذا الجيش يتألف من ظلال صامتة تواجه موجة الرجسات المرعبة دون أن تُظهر أي علامة على خوف أو شك أو تردد.
وفي تلك اللحظة، تقدّمت الصفوف الأولى من فيلق الظل لملاقاة العدو وكسر زخمه.
وفي مفاجأة مُريعة، كانت طليعة هذا الهجوم تتكوّن من نفس الحريش الوحشية – لكنهم كانوا ظلال مخلوقات كابوسية قتلها صني وفيلقه هنا، في الغابة المحترقة.
ورغم قوته العظيمة، لم يكن صني وجيشه الخالد مرعبين بما فيه الكفاية بعد لغزو البقايا المتفحمة من عالم القلب. ففي الأشهر الأولى من غزوه الوقح، بالكاد كان يستطيع وضع قدمه في الغابة المحترقة دون أن يضطر للفرار.
فمعظم الأشباح التي كانت تحت قيادته تعود لكائنات من رتب دنيا. لم يكن لديه سوى بضع مئات من مخلوقات الكابوس من الرتبة العظيمة، ورغم أن الظلال الصامتة لا يمكن تدميرها، إلا أنه يمكن إعادتها إلى بحر روحه لإصلاح نفسها. ولم تكن عملية الترميم فورية، بل تستغرق وقتًا أطول كلما زادت قوة الشبح.
ولهذا، في الأيام الأولى، كان فيلق الظل يُمحى بسهولة على يد مخلوقات الكابوس التي تسكن أطراف الغابة المحترقة – فعددهم الهائل وحده كان كافيًا لاجتياح الجيش الخالد للسيادي الناشئ.
وبمجرد أن هُزمت معظم أشباحه، لم يكن أمام صني خيار سوى الهرب. لم يكن التقدّم بطيئًا فقط، بل شبه معدوم.
ومع ذلك…
كان هناك طابع خبيث يميّز فيلق الموت. فمع كل معركة، حتى تلك التي يخسرها… كان صني ونطاقه لا يزدادان إلا قوة.
انضم كلُّ رجسٍ يُقتل على يديه أو على يد تابعيه في هذه المعارك اليائسة، إلى صفوف الظلال الصامتة. في البداية، كان هناك بضع عشرات من حريش الظل تقاتل من أجله. ثم مئة.
ومع مرور الأيام، ازداد عددهم حتى بلغ الآلاف، وبدأ فيلق الظل بالتقدّم في أعماق الغابة المحترقة، مكتسبًا الأرض مترًا بعد متر.
والآن، بعد عام، كان قد توغل بما فيه الكفاية ليقترب من أعشاش قبيلة الحريش الوحشية. ولهذا، بدأت طغاة السرب المراوغون بالظهور على ساحة المعركة بأنفسهم.
كان هدف صني هو العثور على الأعشاش وتدميرها. وبمجرّد أن تُفتح الأعشاش القريبة وتُدمّر، فإن أطراف الغابة المحترقة – على الأقل في الجنوب – ستسقط بين يديه. وكان يحمل أملًا خافتًا أن يكشف أحدها عن قلعة مخفية.
بطبيعة الحال، لم تكن هذه سوى أطراف عالم سَامي القلب الساقط. فكلما توغّل المرء أعمق في هذه الأرض المروعة، وُجدت كائنات أكثر رعبًا من الحريش الوحشية… لذا، سيستغرق الأمر سنوات حتى يُخضع صني منطقة الموت بالكامل – إن استطاع إنجاز هذا العمل المذهل أصلًا.
لكن لا بأس في ذلك.
فغزو الغابة المحترقة لم يكن هدفه الرئيسي، في نهاية المطاف. الهدف الحقيقي كان أن تتضخم صفوف فيلق الظل الخاص به بأشباح قوية… ومن هذه الناحية، كان يؤدي عمله على أكمل وجه.
في الأسفل، اصطدم مدّ الحريش بظلال إخوتهم الساقطين. اجتاحت صحراء الرماد موجة صاخبة من صرير الكيتين الحاد والصيحات غير البشرية، واهتزّت الأرض برعشة خفيفة.
لم يخطر ببال صني يومًا أنه سيقود قوة تتكوّن من آلاف مخلوقات الكابوس الفاسدة – أو بالأحرى، ظلال متسامية لآلاف من مخلوقات الكابوس المقتولة. ومع ذلك، ها هو اليوم… تلك القوة نفسها قد ابتلعها سيل أعدائه المرعب في أقل من دقيقة، واختفت دون أن تترك أثرًا.
عادت أشباح الحريش إلى بحر روحه، مدمّرة.
“…دقيقة تقريبًا هذه المرة. ليس سيئًا.”
رمق تجسّده المدرّع النسخة المبتسمة منه بنظرة ساخرة.
“ولا جيد أيضًا.”
ومع ذلك، فقد أدّت سرب الظلال من الحريش الوحشية دورها – لقد كانت تضحية تهدف إلى كسر زخم السيل المرعب، وإيقاع خسائر فادحة فيه، ومنحه بضع مئات من الأشباح الجديدة.
والآن، حان وقت سلاح الفرسان ليكرّم تلك التضحية… ويسحق المزيد من الأعداء.
ابتسم التجسّد المدرّع بابتسامة قاتمة.
“ها هي.”
في الأسفل، دفعت فارسة رشيقة ترتدي درعًا مرعبًا من العقيق جوادها المهيب إلى الأمام.
شقّ سيفها الهواء، واهتزّ فيلق الظل، نابضًا بالحياة تحت حجاب قاتم من الصمت الميت.
حتى لو خسروا مجددًا اليوم، فسوف ينتصرون في النهاية.
فالموت… صبورٌ بعد كل شيء.
وفوق كل شيء، كان حتميًّا.
ترجمة آمون