عبد الظل - الفصل 2645

الفصل 2645: كلما تعلمت أكثر

قصف حديقة الليل سقط على الامتداد الشمالي للجسر العظيم، تاركًا ورائه مساراتٍ داميةً وسط سيلٍ من الجثث البشعة. حلّقت سحابةٌ من الدماء فوق الهاوية الواسعة، وتساقطت قطعٌ من الجثث الممزقة.

تراجعت القديسة في الوقت المناسب لتتجنب الانجراف في وابل الرصاص القاتل، فانزلقت على الحجر الزلق وهي تغرس سيفها فيه لكبح جماح اندفاعها. بعد لحظة، استعادت توازنها واندفعت للأمام، قاطعةً أحد الخالدين الساقطين الذين نجوا من أول طلقة من حديقة الليل.

بسبب طولها الشاهق، بدت من بعيد كتمثالٍ شامخ. كان العفريت أطول منها بأربعة أضعاف على الأقل – لكن في تلك اللحظة، تقلصت هيئته المهيبة فجأةً، فلم تعد أطول منها إلا برأس. مع ذلك، بقيت كتلته كما هي، لذا عندما اندفع للأمام للانضمام إلى القديسة، اهتز الجسر العظيم وارتجف.

معًا، قضيا على طليعة سرب الخالدين. تشابك اللهب والظلام كجحيم بدائي، مذكّرين صني بالجداريات القديمة التي تُصوّر لهيب الرغبة المشتعل في الفراغ الأبدي.

تقدم فيلق الظل.

مع قصف حديقة الليل للجسر، بدا الأمر كما لو أن جذور السرب الخالد قد قُطعت. كانت الوحوش البشعة لا تزال تنهض من بين الأموات بسرعة، ولكن مع استمرار قذائف المدفعية الضخمة في إبادتهم، تمكن عدد أقل منهم من الوصول إلى الجيش سالمًا – ونتيجة لذلك، تغير ميزان القوة بينهم وبين الظلال الصامتة.

مع وجود عدد أقل من الأعداء للتعامل معهم، تمكنت القديسة وجيشها من كبح جماحهم بشكل أسرع، وبمجرد حصولهم على هذه الميزة، تزايد تقدمهم بشكل كبير.

واقفًا على سطح حديقة الليل، راقب نايف المعركة البعيدة بذهول. كانت هذه أول مرة يشهد فيها فيلق الظل – أو أي ملك يُقدم كل ما لديه – لذا فقد فوجئ بما هو معقول.

وأخيرا قال بصوت منخفض:

“فهذه هي قوتك الحقيقية.”

صني، الذي كان مشغولاً بتحميل وإطلاق اثني عشر مدفعاً ضخماً من صنعه، نظر إليه بطرف عينه. “تقنياً، هذا ثلث خمسة أسباع قوتي الحقيقية. لكنه قريب بما فيه الكفاية، على ما أظن.”

ببطء، تحولت نظرة نايف إلى مرارة خفية. تنهد وهو ينظر بعيدًا عن المعركة الشرسة المستعرة على الجسر البعيد.

‘في الماضي، تسائلتُ كثيرًا كيف كانت الأمور ستختلف لو أن بيت الليل نجح في إنتاج سيادي. ماذا كان سيحدث لو كان سائر الليل لا يزال هنا…؟”

ابتسم صني بخفة.

“أعتقد أنك أخطأت تمامًا. العشائر العظيمة لا تُنتج الملوك، بل على العكس. الملوك هم من يُنتجونها، لذا، بمعنى ما، كان بيت الليل هو الأكثر إثارة للإعجاب بين العشائر العظيمة، لأنكم حصلتم على هذا اللقب دون دعم من قائد أعلى.”

هز نايف رأسه.

“في النهاية، كنا لا نزال مُهلكين. حتى لو لم نكن كذلك، فقد كان من المُقدّر لنا أن نتلاشى في غياهب النسيان بينما تغلب فالور وسونغ على كل شيء.”

وظل صامتًا لبعض الوقت، ثم نظر إلى صني وسأل:

“ما هو شعورك عندما تمتلك قوة تشبه قوة السامي؟”

ابتسمت جيت، التس كانت يتكئ على عارضة خشبية قريبة.

“نعم، ما هو شعورك؟”

لم يجب صني على الفور، وركز على أطيافه العديدة، والظلال التي كان يظهرها، وإطلاق المدافع.

وفي النهاية قال:

“أعتقد أنه يجعلك تشعر… بالصغر.”

لم تكن الإجابة التي توقعوها، لذلك بدا كلاهما متفاجئين.

“الصغر؟”

أومأ صني برأسه.

“كلاكما قديسان، لذا عليكما أن تفهما. كلما ازدادت قوتكما وتعلمتما أكثر، ازداد إدراككما لمدى ضعفكما وجهالتكما. ومع ذلك، ثمة عزاء في الإخفاء. كشخص عادي، تعلم أن هناك مليارات من الناس لا يختلفون عنك. كمستيقظ، هناك مئات الآلاف، ومئة على الأقل كقديس. لكن لا يوجد سوى عدد قليل من الملوك. لذا فإن كونك ضعيفًا وجاهلًا… يبدو شخصيًا أكثر بكثير.”

توقف لحظة ثم ضحك.

“آه، لكن لا تسيئا الفهم. ليس الأمر سيئًا تمامًا. في الحقيقة، أن تكون نصف سامي شعور رائع. بصراحة، كانت أوقات شبابي بائسة للغاية – كنت أكافح يوميًا للبقاء على قيد الحياة. الآن، مع ذلك… الآن، لا أعرف حتى كيف أموت. قتلي احتمال نظري بحت.”

ومع ذلك، بعد أن شهد حالة سكان المدينة الخالدين، لم يكن صني يشعر بالارتياح لكونه غير قابل للقتل تقريبًا كما كان من قبل.

على الجسر، كانت القديسة وجيشها يتقدمون بثبات نحو الجزيرة الجديدة. بدعم من حديقة الليل، انخفض الضغط عليها وعلى قواتها بشكل كبير – لدرجة أن صني استطاع نقل بعض هذه القوات إلى مكان آخر. فأرسل العفريت وتعزيزات جديدة إلى الجسرين الآخرين. والأهم من ذلك، أنه حرر القديسة من قبضة ظله وأرسل التجسيده لتعزيز المقلد الرائع أيضًا. بتركيز ثلاثة من تجسيداته على الجسر الأوسط، تمكن من إطلاق قوة اللعنة وإضعاف الخالدين الساقطين هناك بشكل أفضل.

كانت هذه الجسور ساحة معركة مثالية لـ”لعنة الإضعاف”، إذ لم يكن بإمكان سوى عدد محدود من الأعداء مهاجمة قواته في آنٍ واحد. سمح له ذلك بتركيز السحر المُنهك على الأعداء الأبرز، مما زاد من فعاليته إلى أقصى حد.

مع وصول التعزيزات من الجسر الشرقي، تغير الوضع في الموقعين الآخرين أيضًا. ببطء في البداية، ثم بوتيرة أسرع بكثير، بدأت كفة المعركة تميل لصالح صني. وما إن اكتسب أفضلية، حتى ازدادت.

وبعد فترة قصيرة وصلت المعارك الثلاث إلى نهايتها.

كانت القديسة، والقاتلة، والمقلد الرائع قد عبروا الجسور ودخلوا الجزر الثلاث، وقادوا فيلق الظل إلى شواطئهم.

بالطبع، لم يعني انتهاء معركة الجسور الثلاثة توقف القتال. كانت الجزر تعجّ بفظائع خالدة مروّعة، لذا استمرت المعركة، وإن خفت حدّتها.

لقد دخلت للتو مرحلة جديدة.

الترجمة : كوكبة