عبد الظل - الفصل 2592
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
الفصل 2592: جوع الحياة
رأى صني أرضًا قاحلة شاسعة تسترخي تحت سماء زرقاء. في قلبها، شتلة صغيرة تكافح ضغط التربة الساحق، تحلم بالنور. وسرعان ما انفصلت عن مهدها المظلم الحاضن، واستحمت في إشراقته، ممتصةً دفء الشمس، ومداعبةً الرياح.
في النهاية، كبرت الشتلة الصغيرة لتصبح شجرةً عظيمة، شامخةً فوق الصحراء المحيطة. امتدت جذورها على نطاق واسع، ممتدةً في أعماق الأرض؛ وامتدت أغصانها نحو السحاب، تتمايل كأنها تتمنى لمسها.
أثمرت الشجرة ثمارًا عجيبة، وانجذبت المخلوقات برائحتها من بعيد لتذوقها – السامين والأرواح والوحوش والجبابرة … والبشر أيضًا، يرتدون الفراء ويحملون أدوات مصنوعة من الصوان، لإشباع جوعهم وملء الفراغ في قلوبهم.
مرّ الزمان، واختفت الأرض القاحلة. وحلّ محلّها غابةٌ شاسعةٌ غطّت امتدادها المقفر، نابضةً بالحياة والنشاط. سكنت كائناتٌ لا تُحصى أعماقها الخضراء، تعيش في سلامٍ مع بعضها البعض. لم يكن هناك جوعٌ ولا صراعٌ، ولا خلافٌ ولا عنفٌ بين سكان جنة النعيم – بل كان هناك انسجامٌ فقط.
نمت الشجرةُ طولاً هائلاً. غرست جذورها عميقاً في الأرض، حتى بلغت ظلمة عالم الظل المُريحة؛ وامتدت أغصانها عالياً في السماء، مُتشمسةً بنور السماء. وُلدت منها الغابة بأكملها، وأصبحت جزءاً منها – تشابكت جذور جميع أشجارها، مُشكّلةً كياناً واحداً عظيماً. وكان كل شيء على ما يُرام.
..حتى جائت الرياح الباردة.
ببطء، تدريجيًا، تسلل برودة غريبة إلى الغابة من الغرب. أولًا، حلّ البرد، ثم حلّ الثلج – وما إن بدأ يتساقط، حتى لم يتوقف. وسرعان ما حجبت أكوامٌ ضخمة منه كل ما كان في الأفق، واختفت السماء، واجتاحت عاصفة ثلجية عنيفة أرجاء العالم، مُغلّفةً كل شيء بالجليد.
تجمدت أوراق الأشجار الخضراء وتحطمت، واسودّ لحاؤها وتشقق، ولم تعد الثمار الذهبية تنبت على أغصانها. صمد سكان الغابة قدر استطاعتهم، لكن في النهاية، طاردهم البرد والجوع القارس، فرّوا من منازلهم وجحورهم، آملين في الخلاص من البرد في بلاد بعيدة، تاركين الحديقة الهانئة.
في نهاية المطاف، أصبحت الغابة متجمدة وخالية.
كانت الشجرة العظيمة في قلبها لا تزال حية، مغلفة بالجليد، لكنها عاجزة عن كسره. كل ما بإمكانها فعله هو أن تحلم بالنور والدفئ… بأن تعود شابة وقوية من جديد.
في تلك اللحظة ظهر شيطانة جميلة، عيناه زرقاء مثل سماء الصيف الدافئة.
رُدّ البرد القارس بإرادتها. ذاب الدرع الجليدي الذي كان يلف العالم. انتهى عصر الثلج والجوع الطويل الذي سبّبه البرد القارس، وسرعان ما نبتت شجيرات جديدة من التربة الخصبة، زاخرة بأوراق خضراء، وأحلام بنور الشمس… والحياة.
بعد أن منحتها الشيطانة الجميلة هبة الراحة، استعادت الغابة عافيتها وولدت من جديد. تجددت الشجرة العظيمة. ومنذ ذلك الحين، حل الشتاء كل عام، وكان الربيع يتبعه كل عام أيضًا. واستمرت الحياة.
تلك كانت الرؤية التي رآها ساني… لكنه رأى رؤية مختلفة في الوقت نفسه. في البداية، كانت متشابهة إلى حد كبير. لكن جوهرها تغير فجأةً.
لا تزال الغابة العظيمة ممتدة تحت سماء دافئة. كائنات لا تُحصى لا تزال تسكن أعماقها الخضراء، وما زالت لا تعرف الجوع ولا الصراع – بل السلام فقط. لكن لم يكن في ذلك السلام أي انسجام. بل كان هناك فقط الجمود والرعب.
نمت الأشجار العديدة بلا هوادة، تلتهم جذور بعضها البعض وتقضي على إخوتها في تنافس محموم على مكان تحت الشمس. غطت الأرض طبقات لا تُحصى من الأغصان الميتة والأوراق البنية والثمار المتساقطة، كل تلك الكتلة اللامتناهية تتعفن في حرارة الغابة الأبدية اللافحة.
لقد تكاثرت الوحوش والبشر الذين لم يعرفوا الجوع ولا الصراع إلى ما لا نهاية، لكن عقولهم أصبحت أضعف وأكثر ضعفاً مع كل جيل – مع عدم الحاجة إلى القتال من أجل أي شيء، لم تكن لديهم حاجة إلى الكفاح والتطور، ونتيجة لذلك، تدهورت عقولهم وأجسادهم تدريجياً.
في النهاية، ازداد عددهم بشكل هائل لدرجة أن موارد الغابة الشاسعة اللامحدودة لم تعد تكفيهم. لذا، في جوعهم الذي لا ينتهي، تحولوا إلى التهام بعضهم البعض بلا نهاية، فأصبحت دماؤهم وعظامهم سمادًا لا ينضب للأشجار النامية…
حياتهم وموتهم يُغذّيان جذور الشجرة العظيمة، ويُشبعان جوعها اللامحدود، المُخيف، الذي لا يُشبع. بفضلها، استمرت الشجرة العظيمة في النمو، والنمو، والنمو… نموٌّ لا ينتهي، وجوعٌ لا ينتهي، إلى الأبد.
حتى ظهرت شيطانة مذهلة، عيناها زرقاء مثل جليد الشتاء البارد.
استدعت بردٌ قارسٌ بإرادتها. اجتاح الغابة البدائية من الغرب، تلته عاصفة ثلجية عاتية. ما إن بدأ الثلج بالتساقط حتى غطّى العالم أجمع، خانقًا الغابة ومغلّفًا الشجرة العظيمة بسجنٍ من الجليد.
بلا دفءٍ يجدونه في أي مكان، ولا فاكهةٍ يجمعونها، فرّ سكان الغابة من رقعة الغابة القاحلة وتشتّتوا في أنحاء الممالك. بدت حديقة الجوع خاويةً، خاليةً من الحياة.
لم يبق سوى الشجرة الكبيرة، مغطاة بالجليد وتعاني من الجوع.
ثم تسلقت الشيطانة المذهلة أغصانها… وتحدثت إليها.
بعد برهة، ذاب الثلج، وذاب الجليد أيضًا. نبتت شجيرات جديدة من الأرض، وعادت الحياة الخضراء إلى الأرض المتجددة. ونمت الغابة من جديد. لكن منذ ذلك الحين، كان الشتاء يأتي دائمًا، منهيًا الصيف.
وبذلك يحصل العالم على فرصة للراحة من جوعه… من جوع الحياة اللامحدود للنمو والتوسع.
تمايل صني، عاجزًا عن استيعاب فوضى الصور التي هاجمت عقله. أطلق تأوهًا متألمًا، رافعًا يده ليمسك رأسه المؤلم.
ثم حرك أصابعه أكثر على طول تهديد الضوء الذهبي.
وعندما فعل ذلك، ظهرت له رؤية جديدة…
رؤية للشجرة العظيمة وهي تعاني من لعنة رهيبة.
الترجمة : كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.