عبد الظل - الفصل 2558

الفصل 2558: مجال المرآة

صدى ضحك موردريت فوق الأرض القاحلة.

ثم تحول فجأةً إلى هديرٍ مُزعجٍ يصمّ الآذان – ذلك لأن ملايين السفن خلفه ضحكت هي الأخرى. كان المشهد غريبًا للغاية لدرجة أن صني لم يستطع إلا أن يتجهم.

“توقف عن التمثيل، هل يمكنك ذلك؟”

ضحك موردريت مرة أخرى، ثم نظر إليهما بابتسامة خفيفة. وهدأ بحر الوجوه الساكنة خلفه أيضًا.

هزت نيفيس رأسها.

“إن القول بأنك لا تحتاج إلى أي شيء منا يعد نوعًا من المبالغة، أليس كذلك؟”

نظرت خلفه، إلى جحافل السفن – بعضها بشري، وبعضها وحشي. من بين البشر، كان هناك عدد من المستيقظين، لكن معظمهم من البشر العاديين: كانوا مواطنين عاديين من الربع الشرقي الذين أسرهم سائر الجلود في الماضي، ليُسرق أجسادهم في النهاية على يد موردريت.

“على أقل تقدير، ستحتاج إلى مكان تستقر فيه. الآن وقد أصبحت هذه السفن ملكك، فسيتم نفيها من عالم اليقظة قريبًا… وكل منطقة في عالم الأحلام ليست منطقة موت هي ملكنا حاليًا. لذا، ما لم تكن تريد أن يتحول بحر السفن هذا إلى بركة ضحلة، فسيتعين عليك إيجاد مكان لها لتعيش فيه.”

أطلق موردريت تنهيدة حزينة.

“مكانٌ أعتبره موطنًا، أليس كذلك؟ يا له من شعورٍ رائع. حسنًا، هذا شيءٌ لا أرفضه حقًا… إذًا، ما رأيكِ أن تُعطيني بحر العاصفة؟.”

أمالَت نيفيس رأسها قليلًا.

“غير وارد.”

كان من المستحيل عليهم بالفعل تسليم بحر العاصفة لموردريت. ليس فقط لوجود عشرات القلاع هناك… نصفها تقريبًا غزاها موردريت منتحلاً شخصية شيوخ بيت الليل… بل كان أيضًا بمثابة الرابط بين الأراضي السابقة لمملكتي الأغنية والسيف.

باستثناء طريق الظل في أقصى الشمال، في قبر السامي، كان هذا هو السبيل الوحيد للسفر بين شطري المجال البشري – ما لم يستخدم المرء بوابة الأحلام التي فتحها أحد الأعظم الذي حكم حديقة الليل.

تنهد موردرت.

“كم هو مخيب للآمال… وبعد أن بذلت الكثير من الجهد في غزو تلك القلاع، لا أقل من ذلك.”

هز رأسه ثم ابتسم.

“يبدو أنك تظنين أن لك اليد العليا في هذه المفاوضات يا نجمة التغيير، لكن دعني أذكركِ بشيء. في الحقيقة، لستُ بحاجة لمنطقة من عالم الأحلام لتسوية سفني. لذا، ليس لديك ما تقدمينه لي. يدك فارغة.”

عبست نيفيس ودرسته لعدة لحظات.

“عالم المرآة.”

ضحك موردريت.

“بالفعل. أنت تتذكرين، بعد كل شيء.”

في الواقع، تذكّر صني أيضًا. لكن لا موردريت ولا نيفيس تذكّرا أنه كان هناك معهما أيضًا.

حدث هذا في “الشفق”، عندما سحبهم موردريت إلى عالم مرايا سارق الأرواح. كان عالمه آنذاك لا يشمل سوى انعكاس بحر روحه، بينما كان مجال مرايا سارق الأرواح الصغير يشمل انعكاس المدينة بأكملها.

الآن بعد أن أصبح موردريت أسمى ومجاله قد تجلى بالكامل، لم يعد هناك ما يدل على مدى اتساع عالمه ومدى تشابهه مع الواقع.

ربما يكون واسعا بما يكفي لاستيعاب ملايين السفن.

“سوف أكون ملعونًا.”

لم يكن موردريت مجرد أمة من رجل واحد، بل بدا وكأنه يحمل مملكة بأكملها في داخله أيضًا.

وكل مرآة يمكن أن تصبح بابًا لتلك المملكة – وهو الباب الذي لا يستطيع فتحه إلا هو.

هزت نيفيس رأسها.

“معظم سفنك هشة وعادية. ستحتاج إلى إطعامها وإيوائها وكسوتها والعناية بها. حتى لو توفرت لديك مساحة لتخزينها، فلن تتوفر لديك الموارد اللازمة لإبقائها على قيد الحياة… ليس بدون مناطق صيد شاسعة وطرق تجارية. ناهيك عن رغبتك في توسيع نطاق سيطرتك بالاستيلاء على المزيد من الأجساد.”

ابتسمت بخفة.

“أنت لستَ متهورًا بما يكفي لنهب شعبي، لذا سيتعيّن عليك مطاردة مخلوقات الكابوس. لذلك… ستظلّ بحاجة إلى منطقة تُسمّيها ملكك.”

تنهد موردرت.

“ يا الهـي . حسنًا، سأعترف بذلك… أرغب حقًا في السيطرة على منطقة في عالم الأحلام. ولكن ليس أي منطقة تصلح.”

كان هناك شيء يخبر صني أن موردريت لن يطالب باستلام باستيون.

‘أية قطعة أرض يركز نظره عليها؟’

كان موردريت يؤمن بقدوم أستيريون، وأن المجال البشري – وكذلك مجال الظل – سيقعان في يده في النهاية. وكان مستعدًا أيضًا لشن حرب على أستيريون وتدميره.

لذا، وبعبارة أخرى…

كان موردريت يستعد لشن حرب على المجال البشري. ولكن ليس بعد – ليس وهو ملك لنيفيس.

“هذا… الوغد المجنون.”

في ضوء ذلك، بدا منطقيًا جدًا أن يكون خياره الأول بحر العاصفة. إذا أراد المرء شنّ حملة عسكرية ضد البشرية جمعاء، فلا خيار أفضل.

لم يقتصر الأمر على اجتياح بحر العاصفة للسواحل الجنوبية لكلا المستعمرتين البشريتين في عالم الأحلام، بل كان أيضًا ضبابيًا ويصعب التنقل فيه. بفضل معرفته وخبرته في الإبحار في مياهه الضبابية، سيتمكن موردريت من شن هجمات غير متوقعة على طول الساحل، بالإضافة إلى استخدام مصب نهر الدموع للتقدم شمالًا بسرعة، وصولًا تقريبًا إلى رافين هارت. كما سيتمكن من اقتحام ريفرجيت للمرة الثانية والوصول إلى باستيون في غضون أيام، إن لم يكن ساعات.

والأفضل من ذلك كله، أنه سيتمكن من الانسحاب إلى ضباب بحر العاصفة بعد كل غارة، منقذًا نفسه من انتقام أستيريون. لقد وُجد بيت الليل طويلًا دون حماية من قِبَل ملك، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى أن غزو بحر العاصفة كان مسعىً خطيرًا بطبيعته – إذ من شبه المستحيل غزوه إلا إذا شعرتَ بالراحة في مياهه الضبابية القاتلة.

كان الأمر مثاليًا. مثاليًا جدًا، في الواقع، لدرجة أن صني لم يستطع إلا أن يشك في أن موردريت كان دائمًا يضع في اعتباره العودة النهائية لوليد الأحلام، وكان يوجه أنظاره نحو “بيت الليل” لهذا السبب تحديدًا.

ومع ذلك، كان هذا هو السبب أيضًا في أن نيفيس وصني لن يسمحا أبدًا للأعلى القائم حديثًا باغتصاب بحر العاصفة.

أي منطقة أخرى في عالم الأحلام تُضاهيها؟ أي مكان آخر يُحقق أهداف موردريت؟

ابتسم قائلًا: “أعطيني الجبال الجوفاء إذًا.”

الترجمة : كوكبة