عبد الظل - الفصل 2549

الفصل 2549: عين الناظر

عبست إيفي، إذ أحسّت بخطبٍ ما. أفلتت كتف الانعكاس القديم، وسحبت يدها.

“ماذا…”

بالكاد استطاع صني الإمساك بها وسحبها بعيدًا قبل أن يتشوه جسد الكاستيلان بنوبة غريبة. انفتحت عيناه الزجاجيتان على مصراعيهما… ثم انفجر فجأةً طوفانٌ هائل من الضباب الأبيض من جسده في كل الاتجاهات، مُغرقًا الغرفة الواسعة تحت الأرض.

فجأةً، لم يعد صني يرى شيئًا سوى الضباب الأبيض اللبني الذي يحوم حوله كمحيطٍ ساحر. غمره شعورٌ مألوفٌ بأن كيانه ينهار في العدم للحظة، لكن صني أكد وجوده بقوةٍ ودفع هذا الشعور بعيدًا. “ركّزي على اسمكِ الحقيقي! ذكّري نفسكِ بمن أنتِ!”

يبدو أن إفي قد فعلت ما قاله لها، ويبدو أن قوة إرادتها قوية بما فيه الكفاية، لأنها بدت وكأنها استعادت اتجاهها بعد لحظات قليلة.

للحظات طويلة، بدا وكأن لا شيء موجود في العالم سوى الضباب الشبحيّ ومشاعرهما المتعانقة. اختفت جميع الأصوات أيضًا، مكتومةً بالضباب الأبيض.

نظر صني حوله، مليئا بالتوقعات المظلمة.

وبعد ذلك، دوى صوت غير مجسد في الصمت، غلفهما مثل المد والجزر:

“يا له من شعور غريب! لم أستخدم انعكاسًا كوعاء من قبل… إنه شعور غريب جدًا. ولكنه أيضًا مناسب بشكل غريب.”

ضحك الصوت، مُتحمّسًا، لكن صني لم يُشاركه هذا الشعور، بل كان مُتشككًا.

“موردريت، ذلك الوغد…”

بدا وكأن موردريت قد هرب من مورغان والقديسة، في النهاية. لقد وجد الانعكاس المناسب للهروب إليه… لا بد أنه سافر إلى العيون التي سُرقت من ضحايا اللاشيئ، ثم انعكس منهم على عيون إيفي، وأخيرًا دخل عينيّ الكاستيلان من عينيها.

والآن، استهلك الكاستيلان وجعل من الانعكاس القديم وعاءً له. مع ذلك، يبدو أن الأمور لم تكن على ما يرام بالنسبة لموردريت، سواء في معركته ضد القديسة أو في مبارزة الروح مع انعكاس عُمر من التسعة. وإلا، لما تحدث – لكان قد تحرك بالفعل لقتل إيفي والاستيلاء على سلطة قصر الخيال. وبالحديث عن تلك السلطة…

تحرك محيط الضباب الأبيض المحيط بهم فجأة، ثم تحرك، يتدفق ببطء في البداية، ثم أسرع فأسرع. لو خمّن صني، لربما كان موردريت في طور استيعاب جوهر الكاستيلان – بالنظر إلى كمية الضباب الموجودة، سيستغرق الأمر منه بعض الوقت على الأرجح.

وعندما ينتهي ذلك الوقت…

قرر صني عدم التفكير في الأمر. بدلًا من ذلك، فكّر في كيفية التعامل مع أمير اللاشيئ.

تحركت إفي قليلاً، ومدّت يدها إلى مسدسها. “أعتقد أننا لن نتمكن من قتله بالرصاص، أليس كذلك؟”

هز صني رأسه، وفي تلك اللحظة، تحدث الصوت المجرد مرة أخرى من الضباب الأبيض، ويبدو أنه قادم من جميع الاتجاهات في نفس الوقت.

“يا له من اقتراح مُضحك يا قديسة أثينا! لكن أخشى أنني سأُخيب ظنكِ… لأكون صادقا، ربما كان بإمكانكِ القضاء على جسدي الأصلي برصاصة عادية الآن – إنه في حالة سيئة للغاية بعد أن تعرفتُ على طفلة نيذر بشكل أفضل، للأسف. لكن لحسن الحظ، تمكنتُ من الحصول على زي جديد في الوقت المناسب”. وجدت نبرة مُنذرة طريقها إلى صوت موردريت اللطيف:

“لذا، أنا متشوق للغاية لرؤية ما هي قدرات هذا الوعاء…”

ظل صني هادئا ويفكر.

كان وعاء موردريت الجديد جسدَ الكاستيلان. لكن الكاستيلان نفسه مات، دُمّرَ في مبارزة روحية… ألا يعني هذا أن السلطة التي اغتصبها لم تكن ملكًا لأحدٍ في تلك اللحظة؟

وبما أنه لم يكن أحدٌ يغتصبها، ألن تعود هذه السلطة إلى صاحبها المقصود؟ سيد القلعة… أو بالأحرى سيدتها.

“إفي…”

توقف للحظة ثم قال بصوت هادئ:

“أطلب مني أن أستعيد قوتي.”

كان الضباب الأبيض تيارًا هائجًا، يتحرك في الغرفة الواسعة كدوامة قوية. كان على موردريت أن يكون في قلب تلك الدوامة، يجهد لامتصاص سيل العدم الجارف الذي كان يتدفق إلى روحه.

تحركت إفي وألقت نظرة عليه لجزء من الثانية، وكان الارتباك واضحًا على وجهها.

ثم أشرقت عيناها بالفهم.

ابتسمت بخفة.

“هل تعاني من ضعف في القدرة الجنسية؟ هل أداؤك لم يعد كالمعتاد؟ حسنًا، يمكن للعمة إيفي مساعدتك في ذلك… أنت سيادي يا شريكي! انهض وتألق!”

وبينما كانت تنطق بتلك الكلمات، إهتز صني وترنح. لولا دعم إيفي له، لربما سقط أرضًا.

“آآآه…”

فجأةً، شعر بعودة قواه إليه. لم يبدو أن إيفي استعادت سيطرتها الكاملة على قصر الخيال بعد، أو ربما لم تكن قادرةً ببساطة على استخدام تلك السلطة ببراعةٍ كما فعل الكاستيلان – لذا، لم تُلغِ سيطرتها قوانين الوهم التي أرساها تمامًا، حتى مع تهاوي مدينة السراب بالفعل.

لكنها نفت وجودهم إلى حد ما.

لم يعد صني شخصًا عاديًا، بل شعر بعودة جزأ من جانبه. لم يكن ذلك كافيًا لمنحه كامل قوته، لكنه كافي ليغمر إحساسه بالظل القلعة.

وكان هذا كل ما يحتاجه.

لم يكن يعلم بذلك من قبل، لكن البرج العظيم انهار في المعركة الشرسة بين القديسة وموردريت. تحطم سقف قاعة العرش، وهطل المطر على عرش ميراج. شعر صني بوجود القديسة هناك، وكذلك بجسد مورغان المكسور – كانت على قيد الحياة، لكنها مصابة بجروح بالغة، تدعمها الظل الصامتى أثناء تحركهما بين الأنقاض.

“وجدتك.”

مع انحسار الضباب الأبيض في الغرفة تحت الأرض، كاد يُمكّنه من رؤية هيكل المرآة العظيمة الشاهق – وشخصية موردريت في قلب الدوامة البيضاء العاتية – مدّ صني يده عبر الظلال وسحب القديسة ومورغان إلى تحت الأرض. بعد لحظة، ظهرا على الأرضية الحجرية بجانبه.

ترنحت مورغان وسقطت، والدم يسيل من جروحها المروعة. أما القديسة، فقد حافظت على توازنها بسهولة. ابتسم صني، مدركا أن الأمر سينتهي بينهما لحظة انتهاء موردريت من امتصاص محيط الضباب الأبيض، وأومأ برأسه نحوها.

“أغرقيه في ظلام دامس. اذهبوا!”

كان الظلام الحقيقي عدوًا للظلال… لكنه كان عدوًا للانعكاسات أيضًا.

لأنه تمامًا مثل الظلال، لا يمكن للانعكاسات أن توجد بدون الضوء.

اندفعت القديسة بسرعةٍ مُرعبة، دون أن تُضيّع ثانيةً واحدةً في التشكيك في كلماته. توهجت عيناها بلهيبٍ قرمزيٍّ بارد، وانفرج الضباب الأبيض أمامها.

أطلق موردريت ضحكة موسيقية.

“ما أشد دهائك يا لورد الظلال. آه، ولكن الوقت قد فات… فات الأوان…”

هبت موجة عاتية من الظلام الحقيقي من جسد القديسة، واصطدمت بالدوامة البيضاء.

لقد غمرته قبل أن يُكمل جملته.

ركعت إيفي بالقرب من مورجان للتحقق من جروحها، ثم ألقت نظرة على صني.

“هل تعتقد أن القديسة ستكون قادرة على تدمير وعائه؟”

تردد صني في الإجابة لبرهة.

ثم هز رأسه.

“لا. لو كانت قادرة على ذلك، لما بقي ساكنًا لمواجهة هجومها.”

لكنها ستكون قادرة على شراء لهما بعض الوقت.

همست إيفي بشيءٍ لمورغان، وبدا أن نزيفها قد تباطأ. لا بد أنها استعادت بعضًا من قواها أيضًا – على الأقل يكفي للنجاة من جروحها المروعة.

تحت غطاء الظلام الحقيقي، اصطدم شيء ما بصوت مروع، وهزت الغرفة تحت الأرض.

لعنت إفي.

“فماذا نفعل إذن؟!”

بقي صني صامتا لعدة لحظات طويلة، وهو ينظر إلى الظلام بتعبير متوتر.

ثم فجأة ابتسم.

“اتبعيني. سأحتاج قوتكِ”. بدلًا من الانضمام إلى القديسة في المعركة ضد موردريت، ركض إلى الجانب الآخر – نحو المرآة العظيمة.

كان ذلك لأنه قد خمن الشكل الذي سوف تتخذه القطعة من سلالة ويفر.

وعندما وصل إلى المرآة العظيمة، أمسك بالقماش الأسود الذي يغطيها وأشار إلى إيفي أن تفعل الشيء نفسه.

“إجذبي!”

الترجمة : كوكبة

——

إستعدوا للهيبة