عبد الظل - الفصل 2473
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
الفصل 2473 : صامتة بشكلٍ مُريح
قضى صني بقية اليوم يتعرض للتوبيخ من القائد، ويملأ الأوراق الرسمية، ويتلقى تقارير من الطبيب الشرعي — مع أنه لم يكن هناك ما يستحق الإبلاغ عنه.
وكما هو الحال مع الضحايا السابقين، كان لدى الأخير جروحٌ مختلفة تدل على أن ذلك الشاب المسكين قد خاض قتالًا يائسًا قبل أن يُقتل. كان سبب الوفاة هذه المرة إصابة شديدة في العمود الفقري — كانت رقبته مكسورة. ولم يكن واضحًا ما إذا كانت عيناه قد أُزيلتا قبل موته أو بعده، لكن نُفذ الأمر بدقة جراحية.
‘يا له من إزعاج.’
بعد أن أنهى هذه المهام الروتينية، عاد صني إلى منزله متأخرًا في المساء.
…هذه المرة، تذكر أن يطفئ مركبته الشخصية العتيقة قبل أن يبتعد عنها. إذ اتضح أن هذه الآلات الغريبة لم يكن لديها وضع الاستعداد، بل كان لا بد من إطفائها تمامًا كل مرة.
‘ما أشد بدائيتها. لن يفعل وحيد القرن خاصتي بي ذلك أبدًا…’
دخل الشقة، ووضع الزجاجة متوازنة على مقبض الباب وتنهد.
شغّل التلفاز — وهو نوع بدائي من مراكز الترفيه — ليسمع ما يقال في الأخبار، ثم فتح الخزانة وأخرج جميع الملابس من على الشماعات. وخلفها ظهرت فوضى عارمة من الصور والوثائق المطبوعة، مثبّتة على خريطة كبيرة لمدينة السراب وموصولة بخيوط حمراء.
لم يتوقف المحقق الشيطان أبدًا عن العمل على قضية اللاشيء، حتى وإن كان قد أُوقف عن العمل. تعود الصور لضحايا القاتل المتسلسل، وكذلك لأشخاص آخرين موضع اهتمام. احتوت الوثائق المطبوعة تفاصيل عن هوياتهم، مسارح الجريمة، وتقارير التشريح. كانت الخيوط الحمراء هي من ربطت كل شيءٍ معًا… وليس خيوط القدر التي تربط الوجود بأسره.
الأمر فقط أن صني لم يستطع أن يرى النمط الذي يصل بين هذه الأحداث المتفرقة في النسيج الأحمر.
لم يستطع أن يراه بعد…
أتت الأخبار وذهبت، من دون أي معلومة مفيدة. كان هناك الكثير من إثارة الخوف بخصوص اللاشيء، وكذلك بعض التقارير التافهة عن مجموعة فالور ومبادراتها الأخيرة. أما غدًا، فستكون الأخبار مليئة بصور إيفي، لأنها كانت ستعقد مؤتمرًا صحفيًا.
استدار صني إلى خريطة مدينة السراب، دارسًا الأدلة.
وبعد وقت، ألقى نظرة خفية على التلفاز.
انتهى تقرير الأخبار، وكان على الشاشة نوع من الدراما الرومانسية الخيالية. عابسًا باستهزاء، عاد صني ينظر إلى صور ضحايا القاتل المتسلسل.
لكن بعد وقت، وجد نفسه جالسًا أمام التلفاز، يشاهد الدراما بانتباه.
“واو. هذه… هي الزراعة؟ هذا غريبٌ جدًا، لكنها تشبه الاستيقاظ الطبيعي قليلًا. لكن ما هي الطوائف الشيطانية والأرثوذكسية؟ هؤلاء الأرثوذكس يبدون أوغادًا حقًا. لماذا عذبوا تلك الفتاة من الأساس؟ هل فقط لأنها أنقذت ابن ملك الشياطين؟ هراء! يا له من عرضٍ سخيف…”
أراد أن يعود إلى الأدلة، لكنه وجد نفسه بعد ساعة ما زال ملتصقًا بالشاشة.
“ماذا تفعلين، أيتها الفتاة الحمقاء! ذلك الخالد الوسيم من الطائفة الأرثوذكسية قد ولّد في قلبه شيطانًا داخليًا منذ أن خطفتيه وظللتِ تحدقين فيه طوال الليل! وبما أنني أعرف ذلك المملّ الذي لا يطاق، فسوف يدخل في عُزلةٍ لتسعة أشهر كاملة ليطرد الشيطان من روحه، لكن هذا الشيطان لن يزول، بل سيتجسد في صورة بشريٍ ويعود ليطاردكِ!”
وكأنها لم تُعانِ من شبح العقل من قبل!.
مستاءً، أراد صني أن يغير القناة… ومع ذلك، بعد ساعة أخرى، ما زال هناك.
“لا، لا، لا… ألا ترين أن قبر السيف هذا فخ؟! لن تحصلي أبدًا على سيف البرق السماوي. وبدلًا من ذلك، سوف تتعرضينَ لكمينٍ من قِبل الطوائف الأرثوذكسية الخالدة العشر! أي نوع من الشيطانات أنتِ، أيتها الحمقاء؟ وابن ملك الشياطين اللعين ذاك، لماذا بـحق السماء لا يرشدكِ كما يجب؟”
وبعد ساعة أخرى:
“آه، فهمت الآن. إذن ابن ملك الشياطين وصل القمة العليا الدنيا من الذروة الحقيقية للذروة الأسمى لنطاق الروح الناشئة… بينما كنتِ أنتِ ميتةً. ولم يستغرق الأمر سوى خمس سنوات! يا للسَماوين… حتى لو كنتِ تمتلكين جسد ابنة الموقر السماوي، لن يكون اللحاق بذلك الأحمق أمرًا سهلًا! والأسوأ أنك ما زلتِ تظنين أنه خانكِ في قبر السيف… تِسك، فقط قبلا بعضكما وانهوا الأمر!”
وبعد قليل…
“لا، أيها الشيطان الداخلي، لا! كيف لك أن تذهب وتضحّي بنفسك هكذا؟! ذلك الخالد المقيت أمضى تسعة أشهرٍ كاملة في عزلةٍ لطردك، لذا عليك أن تعيش! من أجل الأم والأب!”
…حل الصباح من دون أن يشعر.
***
وكما في كل يوم، استيقظت ساينت قبل بزوغ الفجر. كانت شقتها فسيحةً وقليلة الزخرفة، يملؤها صمتٌ مريح. همس المطر بهدوءٍ خلف النوافذ البانورامية، وكان خطٌ رفيع من البنفسجي الباهت يمتد عبر السماء الغائمة في البعيد، يبدد ببطء الظلام العميق الذي كان يلف المدينة.
لم تكن تحب الاستعجال، لذا كانت حياتها محددة التوقيت بدقة ومنظمة بشكل صارم. تتعامل مع كل يومٍ بتفكير مسبق ودقة هادئة، وتستثمر كل دقيقة إلى أقصى حد. اعتاد بعض الناس أن يشبّهوا ساينت بعملٍ فني… رغم أنها، نادرًا ما كانت تهتم لمجاملاتهم، لكنها كانت تحب أن تفكر في حياتها كقطعة فنية.
وباعتبارها الفنانة، كان عليها أن ترسم كل يومٍ بعناية لإنشاء تحفةٍ لا تشوبها شائبة.
كان الصباح وقتًا لممارسة الرياضة، والعناية الشخصية، والرعاية الذاتية، والتغذية — لذا، اليوم، مثل كل يوم، بدأت يومها بتمارين مكثفة امتدت لساعة كاملة. فجسدها كان هو الأداة الرئيسية التي تصنع بها حياتها؛ وهو أيضًا أساس العقل السليم، لذا بذلت جهدًا للحفاظ عليه في حالة مثالية.
وبعد ساعة تمامًا، أوقفت ساينت تمرينها وأخذت حمامًا لعشر دقائق، واضعةً غسولًا منظفًا و غسول التقشير، تلاه شامبو وبلسم لطيفان. ثم قضت عشر دقائق إضافية في العناية ببشرتها، وأخرى في العناية بشعرها. وأخيرًا، أعدّت لنفسها عجة بسيطة مع خضار، وغلت فنجانًا من القهوة السوداء.
تناولت ساينت فطورها بصمت بينما قرأت الأخبار من موجز شخصي منظم جيدًا، مميزةً عدة مقالات علمية لدراستها لاحقًا.
وأخيرًا، ارتدت طقمًا أنيقًا كانت قد حضّرته لهذا اليوم منذ بداية الأسبوع وغادرت منزلها.
كانت حركة المرور قليلةً في وقت مبكر كهذا، ولم تكن تستمع للموسيقى أو البودكاست أو الكتب الصوتية أثناء القيادة إلى العمل. كانت سيارتها ممتلئة بالصمت، مع تسرب خافت لأصوات المدينة المستيقظة.
دخلت مكتبها المرتب والمنظم بعد ثلاثين دقيقة تقريبًا قضتها في الطريق، ثم قضت تسعين دقيقة أخرى تدرس ملفات المرضى وتستعد لليوم. وعند التاسعة تمامًا، فُتح باب مكتبها، ودخلت مساعدتها.
“دكتورة ساينت، موعدكِ عند الساعة التاسع هنا.”
أومأت برأسها.
“من فضلكِ، أدخليه.”
كان هذا أول صوت تنطق به منذ استيقاظها قبل أربع ساعات.
دونت ساينت ملاحظات دقيقة أثناء استماعها للمريض. وبعد استراحة خمس عشرة دقيقة، استقبلت مراجعًا آخر، ثم خرجت للقيام بجولتها في الجناح الداخلي المحروس بشدة في مكان عملها.
وأخيرًا، حان وقت الغداء.
عادة، كانت ساينت ستأكل وجبة مغذية أعدتها بنفسها، لكن اليوم كان لديها التزام آخر — وحتى لو كان تفويت وجبة غير مثالي، فإن كبرياءها كمتخصصة كان له الأسبقية.
غادرت المستشفى، وتوجهت بالسيارة إلى مبنى قريب حيث كانت تستأجر مكتبًا خاصًا صغيرًا. كان مريضها بانتظارها هناك، متكئًا على سيارته المهترئة القذرة، وهو يتأمل مشهد المدينة بتعبير شارد.
كان الرجل نفسه شبيهًا بسيارته. ثيابه رخيصة ومجعّدة، شعره أشعث، بشرته شاحبة على نحو غير صحي، بينما عيناه محمرتان ومتورمتان مع هالات داكنة عميقة تحتهما.
عادةً ما كانت ساينت ستشعر بالاشمئزاز بصمت في يوم عادي، لكن الغريب أنه بدا جذابًا رغم ذلك كله. كان هناك سحر مظلم عابر في مظهره الفوضوي ونظرته الباردة. كما شعرت ساينت بوخزة من شعور غريب حين رأته.
لم يكن انجذابًا تمامًا، بل أقرب إلى… شوق؟ انتماء؟ لم تستطع أن تحدد، وفوجئت بردة فعلها الغريبة أكثر مما توقعت.
“أيها المحقق.”
نظر إليها، ثم ابتسم ابتسامةً باهتة.
“مرحبًا، يا دكتورة. شكرًا لأنكِ خصصتِ وقتًا لي.”
‘هل أنا… أحب هذا الرجل؟’
لم تكن تقصدها بمعنى رومانسي أو جسدي، بل ببساطة كشخص.
حسنًا، لم يكن الأمر مفاجئًا. إن كان هناك شيء تقدّره في الناس، فهو الكفاءة — صفة نادرة للغاية، بحسب معاييرها. كانت ساينت إنسانةً متعجرفة تتفوق في كل ما تفعله، وتحكم على الآخرين بالمعيار نفسه.
كان المحقق بلا شمس لامعًا بقدر ما هو مكسور، يرسم حياته بنفس العناية التي كانت تفعلها هي… حتى لو أن التحفة التي يحاول ابتكارها بدت أكثر رعبًا من أن تكون جميلة — مليئة بالموضوعات الجنائزية والنزعات التدميرية، لكنها مستحيلة التجاهل.
ترددت ساينت لحظة.
كان هناك شيء ما مختلف فيه اليوم…
“من فضلكِ. ادخلي.”
ترجمة آمون
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.