عبد الظل - الفصل 2466
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
الفصل 2466 : تغيير العالم
كان مركز مدينة السراب للشباب المضطربين — منظمة خيرية أنشأتها مجموعة فالور لمساعدة الشباب الجانحين على إيجاد مكانهم في المجتمع — يقع على مسافة من المطعم المتهالك.
تذكّر صني كيف يزوّد مركبة المحقق الشيطان العتيقة بالوقود على النحو الصحيح وتوقف عند محطة وقود، ثم راجع خريطة المدينة الذهنية بتردد ورسم مساره.
وأثناء قيادتهما، توقفت مشاهد المدينة القديمة الغريبة تدريجيًا عن أن تبدو شاذة. بدأ يعتاد على العمارة الغريبة، وكثرة المركبات الصاخبة، وغياب مناطق الحجر الصحي، والطبيعة المسطحة للأرض كلها.
لكن أغرب ما كان فيها هو الناس، رغم أن الأمر استغرق بعض الوقت ليدرك ماهية تلك الغرابة…
والتي هي غياب الخوف.
تواجد لسكان مدينة السراب همومهم بالطبع، لكن كانت أعينهم تفتقد تلك الحدة الخفية التي يشترك فيها جميع البشر في عالم اليقظة. فقد كان من الممكن أن تنفتح أمامهم بوابة كابوس في أي لحظة، أو أن يتحول نائم أفلت من المراقبة إلى مخلوق كابوسي وينطلق هائجًا.
اعتاد البشر في عالم اليقظة على التهديد الدائم بالموت المفاجئ والعبثي، ولم يسمحوا له بأن يشل حياتهم. لكن ترك ذلك الخوف بصمةً فيهم.
أما في مدينة السراب، فلم يكن هناك تهديد مماثل. لم يكن الناس خالدين، لكن كل المخاطر التي واجهوها كانت دنيوية — لم يعانوا من الرعب الوجودي الذي عانى منه سكان الواقع، ولم تحكمهم تلك القوة العظيمة والشريرة التي لا حول لهم أمامها… تعويذة الكابوس.
تساءل صني عما كان سيشعر به لو عاش في عالم محرر من طغيان الكوابيس. أن يعيش بلا خوف…
‘ربما كانوا سيخترعون مخاوفهم الخاصة، ويعيشون في سجن من صنعها.’
نظرت إليه إيفي لفترة، ثم سألت بلهجة متكاسلة:
“يا شريكِ. كنت أفكر…”
كبح صني تأوهًا.
فهذا لا يبشر بخير.
“بماذا؟”
ترددت إيفي لحظة، ثم هزت كتفيها بابتسامة.
“فقط أن هذه المغامرة كان من المفترض أن تجهزني كي أصبح سيادية، أليس كذلك؟ لكن بدلًا من ذلك، انتهى بي الأمر دنيويةً — متأخرة بثلاث رتب كاملة عن التفوق التي كنت أقرب إليها. فكيف يحظى كاي بقتال السَاميين الساقطين المروعين، بينما أبقى عالقةً أتشاجر بالأيدي مع أوغاد من الدرجة الثالثة وأنا أتفادى تحرش ‘آخر’ يظن أنه زوجي؟ هذا… ليس عادلًا!”
رمقها صني بنظرة جانبية.
“وُجدت هذه المغامرة بالفعل لمساعدتكِ على الاستعداد للكابوس الرابع. لكن كاي وأنتِ شخصان مختلفان. ما تحتاجانه للتعلم مختلف كذلك.”
رفعت حاجبها.
“أوه؟ وما الذي تظن أنني يجب أن أتعلمه إذن؟”
تنهد ببطء.
“حسنًا، في الواقع… لست متأكدًا تمامًا. أنتِ شخصية ماكرة، لكن بطريقة مختلفة عني.”
حدقت به إيفي مرتبكة لبعض الوقت، ثم انفجرت ضاحكة.
“أنا؟ شخصية ماكرة؟ عما تتحدث… أنا كتابٌ مفتوح!”
سخر صني.
“هذا بالضبط ما أعنيه. هناك اثنتان منكِ، في الحقيقة — هناك إيفي… ربتها الذئاب… امرأة مرحة، متهاونة، تنساب في حياتها من غير أن تأخذ أي شيءٍ على محمل الجد. هذه هي التي يراها الجميع. لكن في الأعماق، هناك أيضًا أثينا، المولودة من الإفتراس حيةً، شخصية ثاقبة، قاسية، اضطرت إلى أن تقاتل بشراسة كل خطوة في هذا العالم. هذه، معظم الناس يفشلون في رؤيتها… لكنني أعلم أنها موجودة.”
تأملته إيفي لبرهة، ثم صفرت ونظرت بعيدًا.
“واو. أنت ميؤوسٌ منك، أتعلم ذلك؟”
رفع صني حاجبًا.
“لا، لا أعرف. عما تتحدثين؟”
سخرت.
“أعني أنك ببساطة لا تستطيع أن تتخيل أن شخصًا ثاقبًا يمكن أن يكون مرحًا ومتهاونًا، صحيح؟ اسمع يا كئيب… أنت مخطئ تمامًا. ليس هناك اثنتان مني — أنا لا أختبئ خلف واجهة زائفة من التسلية، أنا فقط أعرف كيف أستمتع بالحياة، حتى وإن بدت مريرةً وعسيرة الهضم أحيانًا.”
ابتسم صني بخفة.
“مريرةً وعسيرة الهضم… كل استعاراتكِ عن الطعام، هاه؟”
بقي صامتًا قليلًا، ثم هز كتفيه.
“المقصود أن كاي يفتقر إلى الثقة بنفسه. أما أنتِ فلا — على العكس، أنتِ تعرفين بالضبط ما تريدين، ولستِ خائفة من نيله. في الواقع، أعتقد أن هذه هي المشكلة. لقد حصلتِ بالفعل على كل ما أردتِ… صنعتِ لنفسكِ حياة ترضيكِ تمامًا. لذا، لستِ يائسة بما يكفي.”
رفعت إيفي حاجبًا.
“أنا؟ لست يائسة بما يكفي؟ أشعر باليأس كثيرًا يا شريكي. في كل مرة أنظر فيها إلى زوجي وابني، أشعر بيأس لحمايتهما — لأنني أعلم جيدًا ما الذي ينتظرنا جميعًا.”
تحولت نبرتها إلى جادة، فاقدة مرحها المعتاد للحظة قصيرة.
هز صني رأسه.
“لكن هذه هي النقطة. السيادي هو من يستطيع أن يعيد تشكيل العالم ليتناسب مع إرادته — فجميع الفائقين وُلدوا من رغبة يائسة لتغيير العالم. وإلا فمن أين ستأتي عزيمتهم لإعادة تشكيله؟ أما أنتِ… فأنتِ لا تريدين تغيير العالم. بل تريدين التأكد من بقاء العالم على شكله الحالي، لأنه بالفعل يلائمكِ. أنتِ الشخص الوحيد الذي أعرفه الراضي حقًا عن حياته، وهذا… لست متأكدًا إن كان كافيًا.”
فجأة، تذكّر صني محادثة قديمة أجراها مع إيفي منذ زمن. حينها، شاركها رغبته في أن يصبح أقوى من نيفيس، فقالت له إنه لن يصبح أقوى منها إلا إن وجد قناعة. كان ذلك أحد أسباب رحلته الخطرة إلى القارة القطبية الجنوبية، في النهاية…
ما كان يقوله لها الآن لم يكن بالضبط نفس الشيء، لكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من الشعور بأن أدوارهما قد انقلبت.
بقيت إيفي صامتة لبفترة، ثم تنهدت.
“أهو ذنبٌ كبير أن يرضى المرء بحياته؟”
هز صني رأسه.
“لا، ليس ذنبًا. في الحقيقة، إن كنتِ تعرفين سرًّا لتحقيق ذلك… فرجاءً علميني!”
ضحكت إيفي، ثم رمقته بابتسامة.
“آه… إذن تريدني أن أعلمك عن الرضا. حسنًا، استمع جيدًا — حان وقت درس جديد من عمتكَ إيفي…”
اتسعت عينا صني.
‘أوه، لا…’
وأدرك فجأة أنه محاصر معها في مركبة لا مفر منها.
ترجمة آمون
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.