عبد الظل - الفصل 2463
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
الفصل 2463 : حياة الآخرون
تَباطأ صني لبضعة لحظات، ثم ألقى نظرةً سريعة نحو الباب الذي اختفت خلفه النادلة. لم يكن هناك أحدٌ آخر في المطعم المهجور، ولم يكن المشاة المسرعين خلف النافذة المتسخة قادرين على سماعهم.
فرفع حاجبه.
“ولِمَ هذا؟”
أطلقت إيفي تنهيدةً طويلة وسكبت لنفسها كوبًا من الماء قبل أن تتحدث مجددًا. وفي النهاية، اتكأت إلى الخلف وقالت بنبرة منخفضة:
“حسنًا… لا أعلم كيف جئتَ أنت، لكنني كنتُ في بيت — بيت المحققة المُرَقّاة حديثًا أثينا من شرطة السراب. امرأة متزوجة لها زوج محب وطفل رائع… في الواقع طفلان رائعان، صبي وفتاة. ولا حاجة للقول إنهما لم يكونا أطفالي، ولم يكن ذلك زوجي. لذلك، عندما حاول تقبيلي، كان من الطبيعي أنني لم أقبل بذلك.”
عبس صني.
“انتظري. هل كنتِ مدركة لهويتكِ الحقيقية منذ البداية؟”
أومأت إيفي.
“نعم. دخلنا قاعة الخيال… ثم أصبحت ذاكرتي مشوشة قليلًا. والشيء التالي الذي أدركته أنني أقف في غرفة معيشة، أطوي الملابس. كنتُ وحيدة، عادية، ومشوشة تمامًا. قبل أن أستوعب ما حدث، هاجمني طفلان مفرطا الحماسة يريدان اللعب مع ماما لعبة الشرطة واللصوص.”
حك صني مؤخرة رأسه.
“ماذا بـحق الجحيم هي لعبة الشرطة واللصوص؟”
سخرت إيفي.
“بطبيعة الحال، إنها النسخة المحلية من لعبة المستيقظين والرجسات. على أية حال، نعم، لم يخطر ببالي يومًا أنني حقًا المحققة أثينا. كان الطفلان لطيفين ورائعين، لذا حتى مع أنني كنت مرتبكة إلى أقصى درجة، جريتُ مع ما يحدث وحاولتُ ببطء أن أستعيد اتزاني وأنا ألعب معهما. هكذا عرفتُ الحقائق الأساسية عن هذا المكان، وعرفت كيفية البحث في ذكريات نظيرتي. كان كل شيءٍ على ما يرام… حتى ظهر زوجها.”
ابتسم صني ابتسامة قاتمة.
“ماذا؟ هل صفعتِهِ حين حاول التقبيل؟”
أطلقت إيفي ضحكة بلا بهجة.
“لا… ربما كنتُ سأفعل، لكن غرائزي ما زالت غرائز قديسة. أنت تعرف — علينا أن نكون حذرين حول البشر العاديين، لذا لم يخطر ببالي قط أن أضربه. فقط تفاديتُ وأخبرته بوضوح أنه لن يكون هناك أي تقبيل، أو ملامسة، أو عناق، أو غَزَل من أي نوع.”
رمقها صني بنظرة غاضبة.
“لستٌ بحاجة إلى التفاصيل، ألا تظنين؟”
ابتسمت.
“لماذا، ألستَ من معجبي الغَزَل؟ هذا ليس ما قالته نيف…”
سخر صني.
“مهلًا، يا آنسة. أنا لستُ من المعجبين… أنا الفنان.”
حدقت فيه إيفي بصمتٍ لبضع لحظات طويلة، ثم أرجعت رأسها للخلف وانفجرت ضاحكة.
“أوه… يا سَاميين! هل… هل قلتَ ذلك حقًا؟”
رفع صني ذقنه متحديًا وكتم ابتسامة.
“قلت. ولم أكتفِ بالقول، بل قصدت كل كلمة.”
استمرت في الضحك لفترة، ثم مسحت دموعها من زوايا عينيها ونظرت إليه بابتسامة ماكرة.
“أتعلم، يا فتى الظلال… أنت لست مرعبًا عن قرب كما يقال، صحيح؟”
هزّ صني كتفيه.
“ليس إلا إذا كنتِ تخافين من أشياءَ بريئة مثل أنصاف السَاميين المظلمين الذين يقودون جيوشًا من الأرواح الميتة ويستطيعون إدانتكِ بعبوديةٍ أبدية، من دون أن يقدم الموت نفسه مهربًا… على ما أظن.”
ابتسمت إيفي.
“صحيح.”
تأملته قليلًا، ثم تنهدت.
“على أية حال. في اللحظة التي رفضتُ فيها عواطف ذلك الرجل — اللحظة التي كسرتُ فيها الشخصية — حدث شيء مخيف حقًا.”
قطب حاجبيه.
“ماذا؟”
شربت إيفي ماءها وحدقت في الأفق بملامح كئيبة.
“لقد… تغيّر. والأدهى أن الطفلين تغيّرا أيضًا. لم يتحولوا إلى مخلوقات كابوسية بشعة أو أظهروا قوى مرعبة، بل… تجمدوا، ثم التفتوا إليّ في تزامن مريب، وحدقوا. كانوا ما زالوا يبدون بشريين، لكن لم يكن فيهم أي شيء بشري في تلك اللحظة. لا أعلم كيف أصفه، لكن كان هناك شيء خاطئ بعمق في أعينهم. شيء فارغ وغريب كليًا عما يجب أن يكون عليه البشر، أو حتى الرجسات.”
ازداد عبوس صني.
“يبدو هذا… مألوفًا.”
أومأت إيفي بجدية.
“نعم. كان، فعلًا، مألوفًا. في الواقع، لقد رأيتُ مثل تلك العيون من قبل.”
نظرت إلى النافذة، نحو سيل المارة تحت نهر المظلات.
“رأيتُها خلال الحرب، في باستيون. حين تظاهر أحد ‘الآخرون’ بأنه إيثر.”
ضاقت عينا صني، وارتجف عموده الفقري.
“اتقصدين…”
نظرت إليه إيفي بقتامة.
“نعم. زوجي المزعوم، الطفلان الرائعان، الشرطة في مسرح الجريمة، الأفاعي السوداء، النادلة التي قدّمت لنا الطعام… وبقية أولئك العشرين مليونًا من ما يُسمّون بالناس الذين يعيشون في مدينة السراب… جميعهم ‘آخرون’.”
تجمّد صني، وشلّه الخوف فجأةً.
لم يكن يشعر بالخوف كثيرًا هذه الأيام…
لكن فكرة عشرين مليون ‘آخر’ يحيطون به من كل جانب كانت أكثر من كافية لتستحق شرف إخافته.
في الواقع، لو لم يكن شعور صني بالخوف قد تدهور بشدة بعد أكثر من عقد من معاشرة كل أنواع الأهوال والمعاناة، لكان الآن مرعوبًا تمامًا. أدار رأسه ببطء، ونظر إلى السيل المتواصل من المارة خارج النافذة، وضجيج عربات النقل من خلفهم، وغابة المباني الشاهقة الممتدة خلف الأفق.
فجأة… لم تعد مدينة السراب تبدو صغيرة بعد الآن.
بل بدت هاويةً بلا حدود، تحتوي أعماقًا لا تُستوعب من الرعب.
عبست إيفي.
“انظر. أنت فائق تحولت إلى بشري عادي بلا قوة. بينما هم… هم ‘الآخرون’ الذين جُعلوا بشرًا عاديين بلا قوة. وطالما أن الجميع يؤدون أدوارهم بأمانة، فهم مقيدون بهذه الأدوار، غير قادرين أن يكونوا شيئًا سوى ما يجب أن تكون عليه شخصياتهم. لحسن الحظ، عدتُ سريعًا إلى تمثيل دور المحققة إيفي، فعادت عائلتي المخيفة طبيعية وكأن شيئًا لم يحدث.”
ابتسمت.
“لذا، يمكنك أن تفهم لماذا كان عليّ أن أكون حذرة عندما التقينا لأول مرة. كنت سعيدة برؤيتك، لكن أيضًا لم أكن واثقة أنك أنت فعلًا. فبقيتُ أفكر — هل هذا هو لورد الظلال الحقيقي، أم أنه ‘آخر’ تصادف أنه يشبه لورد الظلال؟ لم أستطع أن أسأل، لأن ذلك يعني كسر الشخصية… فقررتُ أن أمضي مع ما يحدث وأرى أين سينتهي الأمر.”
استنشق صني ببطء، ونظر إلى إيفي مجددًا، وبقي صامتًا لبضعة لحظات، ثم سأل بنبرة متزنة:
“هل أنتِ متأكدة أن كل من هنا ‘آخر’؟”
هزت كتفيها.
“متأكدة بدرجة معقولة. من الطبيعي أنه لا أحد يعرف حقًا الكثير عن ‘الآخرون’. لكن…”
تنهدت إيفي وسكبت لنفسها ماءً آخر.
“سيكون منطقيًا، أليس كذلك؟ لقد كان فصيل فالور دائم الحذر من ‘الآخرون’ — لأنهم أحيانًا كانوا يفرّون من المرآة العظيمة. كانوا يأتون من الجانب الآخر للانعكاسات… من باستيون الحقيقية. لكن كيف وُجدوا هناك أصلًا؟ ومن أين جاؤوا؟ حسنًا، إذا كانت المرآة العظيمة في باستيون المزيفة ليست إلا انعكاسًا للمرآة العظيمة الحقيقية، فماذا لو أن هذا هو مكان سكنهم؟ إنهم محبوسون داخل المرآة العظيمة الحقيقية، والآن، نحن أيضًا.”
استنشق صني ببطء.
“نعم، هذا… يبدو منطقيًا، على ما أظن.”
عضت إيفي شفتها، ثم قالت بهدوء:
“إنها شيطانة الخيال اللعينة تلك — ميراج – السراب، أو أيًا كان اسمها. هي التي أنشأت بوابة النهر، وباستيون… والمرآة العظيمة. لا بد أنها وضعت ‘الآخرون’ في العالم الخفي داخل المرآة العظيمة أيضًا. بل قد تكون هي من صنعت هؤلاء المريبين أصلًا، من يدري.”
أمال صني رأسه قليلًا.
“ومع ذلك، فلماذا قد يشبهُ عالمٌ وهمي أنشأته شيطانة الخيال مدينة من الأرض يعود تاريخها إلى ما قبل العصور المظلمة؟”
نظرت إيفي حولها وابتسمت ابتسامةً باهتة.
“هنا يكمن السؤال، ألا ترى؟”
ترجمة آمون
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.