عبد الظل - الفصل 2442
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
الفصل 2442 : دورة الاكتفاء الذاتي
“…وهكذا، قطعتُ رأس طاغية الثلج بضربة واحدة.”
أنهى وصف المعركة مع تعبيرٌ مُتأمل يكسو وجهه، ناظرًا إلى النجوم المتقدة في السواد البارد خلف النافذة.
وقال بعد لحظة:
“أعتقد أنه كان يكذب عليّ ليُربكني — في الحقيقة، لا أظن أنه كان يملك فمًا أصلًا، لذا يمكن القول إنه كان يكذب بما يملكه بدلًا من الأسنان. على الأقل، لم يكن محرك العرائس محصنًا من جنون الفساد كما زعم. أما عن الباقي…”
عبس.
“…فلربما كان في بعض ما قاله شيء من الحقيقة في النهاية، وإن كان قد حرّف معناه بالكامل ليزرع الشك في قلبي.”
وبالحديث عن ذلك، شعر صني بأن بعضًا من تلك الشكوك لا تزال تنمو في صدره بعد عودته من لعبة آرييل — ولا شك أنها كانت ستنجب قريبًا يرَقات من ديدان الشك. لكنه سمّمها بإرادة الموت وأفناها تمامًا، مرتعدًا من الخوف والاشمئزاز، ثم طلب من نيفيس أن تطهّره بنيرانها الساطعة احتياطًا. وقد خضع كاي لذات الطقس التطهيري.
وكان ذلك كافيًا، فمنع محرك العرائس من تلويث العالم بخبثه الآثم من خلف القبر. ولو كان قد واجه خصمًا أقل ريبة — وأقل معرفة — لربما كانت النتيجة مختلفة تمامًا.
ساد الصمت في قاعة المجلس لوهلة.
ثم قالت نيفيس بنبرة متأملة:
“في الواقع، أميل إلى تصديق شيء واحد على الأقل قاله العثّة.”
رفع صني حاجبه.
“أوه؟ أيهم؟”
نظرت إلى الأفق، بتعبير شارد على وجهها الجميل.
“ما قاله عن تضاءل الشعلة. إذا فكرت في الأمر… فهو طبيعي، ألا تظن؟”
راقبها صني بحذر.
“لست متأكدًا. طبيعي؟ وكيف هذا؟”
أطلقت نيفيس زفرة خفيفة.
“صُنع عالمنا على يد السَاميين، الذين وُلدوا من شعلة الرغبة. لكن الشعلة بحاجة إلى وقود كي تشتعل — لا يمكنها أن تحترق في الفراغ. إذًا، ما هو الوقود الذي أحرقته شعلة الرغبة في تلك العصور السحيقة، قبل أن يتواجد الزمن أصلًا؟”
أمال صني رأسه قليلًا، مرتبكًا من كلماتها.
‘أي وقود…’
ثم اتسعت عيناه قليلًا.
ما الذي يمكن أن يكون قد وُجد، في أبديةٍ سبقت الزمن ذاته؟.
همس:
“الـ… فراغ؟”
أومأت نيفيس.
“هذا منطقي. مصدر وقود خالد، لا نهائي، لشعلة خالدة لا تنضب.”
واشتعلت عيناها بوعد من لهيبٍ أبيض.
“لكن كان هناك أيضًا صراع لا يُمكن إصلاحه بين الفراغ المتغيّر باستمرار، والرغبة الثابتة أبدًا. لذا خاض السَاميين حربًا ضد الفراغ، وفي النهاية سجنوه… فاصلين الشعلة عن الفراغ بلا شيء. والآن، تحترق الشعلة في خواء، وقد حُرِمت من وقودها… من مصدرها. لذا، فهي تَتضاءل، وفي الوقت ذاته، تُبقِي على وجودها… من نفسها، ولأجل نفسها.”
تكلّمت كاسي في تلك اللحظة، وكان صوتها ناعمًا وسط الصمت في قاعة المجلس:
“لكنها ما تزال تبقي على نفسها. إنها دورة مغلقة، مكتفية ذاتيًا. نحن جميعًا جزء من الشعلة، ورغباتنا تُغذّيها. بذل محرك العرائس جهده ليصوّر هذه الحقيقة كشيء بشع ومنفّر، لكنني أظن العكس تمامًا. بالنسبة لي، يبدو… يبدو ذلك جميلاً. شعلةٌ تضمن بقاءها، مشتعلة برغبة البشر وسعيه وشوقه…”
ثم التفتت إليهم وابتسمت بخجل.
“ألا تظنان ذلك؟”
نظرت نيفيس إلى النجوم، بينما اكتفى صني بهز كتفيه.
“حسنًا، نحن في الحقيقة من الشعلة — من هذا الوجود الشاسع والعجيب الذي صنع السَاميين. لذا، فإن جدال محرك العرائس كله كان عديم المعنى خلف سفسطته، لأنه كان يحاول إقناعي بأن الفناء والتهام الفراغ أفضل من أن تكون حيًّا… فقط لأن الحياة ليست وردية ومشرقة.”
سخر قائلًا:
“لا أعلم عنكما، لكن ضوء الشمس مبالغ فيه… أفضل بكثير الاسترخاء في الظل. أما الورود، فمعظم الزهور التي صادفتها في حياتي كانت تحاول إما التهامي، أو تمزيقي بأشواكها، أو بثّ حبوب لقاحها في جسدي لاستخدامه كسماد — ولا شيء من ذلك يعين على البقاء حيًّا، كما تعلمان.”
ابتسم صني.
نعم، الحياة كانت قاسية أحيانًا… كانت صراعًا دائمًا، ولأشخاص مثله — كانت أكثر مرارة من حلاوة في أغلب الأحيان.
…لكنها كانت، رغم ذلك، حلوةً.
كانت الحياة جميلة أيضًا، ومليئة بالفرح والإثارة، غنية بأشياء ثمينة مثل المودة، والرضا، والإنجاز، والمتعة… احتوت على الصداقة، والرفقة، والحب، والشغف؛ كان فيها جمال، وسعي معرفي، وتحدٍّ، واندفاع…
ورغم أن حياة صني لم تكن سهلة أبدًا، فقد كانت حياة مليئة بلحظات عظيمة من اللذة والسرور. ولم يكن بإمكان أحد وجهي حياته أن يوجد دون الآخر، فالصراعات التي تغلّب عليها ليصل إلى ما هو عليه الآن، منحت كل نصرٍ معنى، وجعلت كل انتصار أكثر حلاوة.
وهذا أيضًا من الشعلة…
وذلك ما وجب عليه حمايته من أن يُستهلك بالفساد، أو أن يُبتلع بخبث الفراغ البدائي الغريب.
تنهد ونظر إلى نيفيس.
“لقد واجهتِ كيانًا ملعونًا بنفسكِ، أليس كذلك؟ ما رأيكِ؟”
كان صني قد قتل أربعة من مخلوقات الكابوس الملعونة في لعبة آرييل — الوفرة، والذئب، وملك الفئران، ومحرك العرائس. أما العملاق الآلي، فقد هلك نتيجة أفعاله، في حين أن ثلاثة سَاميين ساقطين أخرين قُتلوا بطريقة غامضة.
كان ذلك إنجازًا باهرًا، دون شك… ومع ذلك، لم يشعر صني بثقة كبيرة في تلك اللحظة.
في الواقع، لقد خرج من تجربة لعبة الموت مهزوزًا بحق.
وبينما كان صني في وضع سيء في عالم آرييل المروع، إلا أن قوانينه كانت تصبّ في مصلحته أيضًا. كان الملعونون مقيدين في حركتهم وفي ما يمكنهم فعله، مثلًا. وطبيعة نطاق الرماد جعلت المعركة على ضريح الحقيقة أسهل، بينما منح الضريح رفاقه قوّة هائلة…
ومع ذلك، بالكاد نجا.
ولو أنه واجه أولئك الملعونين في براري عالم الأحلام، من يدري كيف كانت الأمور لتؤول؟.
بقيت نيفيس صامتة لفترة، ثم قالت بنبرة كئيبة:
“لقد كان… أخطر بكثير مما تصورت. في الحقيقة، أنا محظوظة لبقائي على قيد الحياة.”
ثم أصبح تعبيرها قاتمًا.
“كان ذلك الشيطان الملعون وحده بإمكانه إبادة البشرية بأكملها. نعم، قد انتصرت عليه — لكن نصري لم يكن مؤكدًا. كانت المعركة متقاربة، في الواقع، لا تختلف كثيرًا عن مقامرة.”
ضمت شفتيها.
“باختصار، الملعونون خطرون أكثر من اللازم. كل واحدٍ منهم يمثل تهديدًا وجوديًا كاملًا، رغم قوتي وقوتك. وهناك أكثر من مجرد عدد قليل منهم. هناك خمسة فقط هنا في قصر اليشم الآن… والسَاميين وحدهم يعلمون كم تبقى منهم في قبر السَّامِيّ، سواء في التجاويف أو في بحر الرماد.”
قطبت نيفيس جبينها.
“وهناك أيضًا مناطق الموت جنوب قبر السَّامِيّ، والأراضي المتجمدة غرب قلب الغراب، والجبال الجوفاء والعالم السفلي، وغابة الرماد، والهاوية، وعالم الظل، والمناطق غير المكتشفة… وأعماق… بحر العاصفة، ومناطق أخرى من عالم الأحلام لم نعثر عليها بعد.”
وأخيرًا، نظرت إلى صني وتنهدت بتعب.
“إن اجتمعوا كلهم — أو حتى بعضهم فقط — فجأة على نطاق البشرية، فلن تكون لنا فرصة. وذلك… دون أن نذكر حتى الكائنات غير المقدسة. بالنظر إلى الفجوة الهائلة بين مخلوقات الكابوس العظيمة والملعونة، أخشى أن قوتنا مجتمعين لن تكفي حتى لمواجهة واحدٍ منها.”
بقي صني صامتًا، مع تعبير قاتم على وجهه. لم يكن أنه لا يملك شيئًا ليقوله… بل لأنه اتفق مع نيفيس. فهما أقوى محاربي البشر — وبفارقٍ شاسع — ومع ذلك، بالكاد يكفيان لمواجهة رجس ملعون واحد منعزل.
فماذا لو ظهر مخلوق كابوس غير مقدس، إذًا؟.
ارتجف.
أما نيفيس، فهزّت رأسها ببطء.
“…مما يعني أن استنتاجنا كان صحيحًا. أن نصبح فائقين ليس كافيًا أبدًا لتحقيق أهدافنا. يجب أن نصبح أقوى… أقوى بكثير. ويجب أن نحصل على هذه القوة بأسرع ما يمكن.”
ثم نظرت إليه، وترددت لحظة، ثم أضافت بصوت منخفض:
“أو… على الأقل، واحد منا. إن كان مستعدًا.”
بقي صني صامتًا لفترة، مستندًا إلى ظهر كرسي الظل. كانت أفكارٌ كثيرة تلتف في رأسه بلا هدف، ومع ذلك، لم يستطع الوصول إلى إجابة.
وفي النهاية، قال:
“هناك أمر آخر عن تجربتي في لعبة آرييل لا بد أن أخبركما به. شيء… في غاية الأهمية. ربما يكون أهم مما عرفناه حتى الآن.”
أخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى نيفيس وكاسي.
“إنه يتعلق بمجموعة من الأشخاص أطلقوا على أنفسهم اسم التسعة، وويفر، وتعويذة الكابوس…”
ترجمة آمون
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.