عبد الظل - الفصل 2593
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
الفصل 2593: أصغر فرع
رأى صني الغابة النابضة بالحياة مرة أخرى، هذه المرة بعد أن صنعت شيطانة الراحة دورة الفصول بوقت طويل. أما الشجرة العظيمة – تجسيد سامي القلب – فكانت مختلفة أيضًا. فبدلًا من أن تتوق إلى نموّ متسارع، وقفت كعمودٍ يدعم السماء والأرض، ثابتًا لا يتغير في مجدها الشامخ. بدت أغصان الشجرة كعالمٍ قائم بذاته، بُنيت على سطحها المتآكل مدنٌ بشرية. لم يعد الناس يرتدون الفراء أو يستخدمون أسلحة الصوان، بعد أن أتقنوا أدواتٍ أكثر تطورًا بكثير وطوّروا ثقافةً متقنة… مما أوحى بأنه لم يعد يرى فجر الأزمنة.
لا بد أن هذا هو عصر الأبطال – عصر أبطال البشر الذين يقاتلون المخلوقات الفاسدة للسيطرة على العالم. لكن هذا الصراع كان يدور في مكان بعيد، في العوالم البشرية. لم يستطع الفراغ أن يمارس نفوذه في عالم القلب، وبالتالي، لم يكن هناك فساد في الغابة المقدسة.
وهذا هو السبب في أنه كان من المذهل رؤية شجرة العالم مريضة.
انتشر عفنٌ خبيثٌ في جذعها وأغصانها، محوّلاً بقعاً شاسعةً من اللحاء المتآكل إلى لونٍ داكن. تحوّل النسغ الذهبي إلى سيولٍ من القيح الأسود البغيض، يتدفق من الوديان المتعفنة ويتساقط على الأرض البعيدة. التهمت يرقاتٌ هائلةٌ الثمار الذهبية، وشكّل أبطالٌ بشريون جيوشاً لمقاومة الأهوال التي ولّدتها.
الأوراق الأبدية ذبلت وسقطت، حملتها الرياح.
مهما قاوم البشر بشراسة، استمر العفن الخبيث في الانتشار، يلتهم ببطء المزيد والمزيد من الشجرة على مر أجيال لا تُحصى. حاولت الشجرة العظيمة نفسها مقاومة مرضها أيضًا، لكن المرض الخبيث استمر في التهامها من الداخل، ممتدًا تدريجيًا نحو جذورها.
كانت الشجرة العظيمة عمود الوجود، تحمل السماوات وتدعم الأرض… وكان هذا العمود ينهار ببطء.
شعر صني بالرعب من صورة وعاء سامي يحتضر. بدا من غير المعقول أن يكون تجسيد سامي القلب على وشك الموت… قبل وقت طويل من احتراقه وإسقاطه خلال حرب الهلاك. فالسامين عظماء لا يُضاهون، ففي النهاية – كان من المفترض أن يكونوا منيعين تقريبًا، لولا قانون النقص المطلق الذي صنعوه بأنفسهم. لكن ربما كانت تجسيدات السامين أقل من ذلك.
على أي حال، انتاب صني شعورٌ فضوليٌّ غامضٌ وهو يشاهد شجرة العالم تتعفن. كان يحاول فهمَ المرض الذي يُدمّرها.
بدا العفن المنتشر كالفساد – ما تخيله لو تجسد كقوة مادية – لكنه لم يكن كذلك. بل كان هذا المرض الخبيث كائنًا حيًا. رعبٌ غير مقدس – بقايا شريرة من عصر الفوضى، أو ربما لعنةٌ خبيثة أطلقها مخلوقٌ فارغ قتلته السامين.
لم تكن جميع مخلوقات الفوضى مختومة بالفراغ، على أي حال. فكما انتهى الأمر بأحد السامين محاصرًا خلف الختم، نجا منه بعضهم – على سبيل المثال، الكائن الذي أدى موته إلى ولادة الجبال الجوفاء، والذي أصبح دمه مصدر الظلام الحقيقي.
لقد خاض السامين معارك ضد مخلوقات الفراغ المتبقية في فجر عصر السامين، بمساعدة الشياطين، ولا تزال الندوب التي خلفتها تلك المعارك البدائية موجودة في جميع أنحاء عالم الأحلام.
جاء الفاسدون لاحقًا، لكن بعضهم ازداد قوةً بنفس القدر. لدرجة أنه، على ما يبدو، لم يستطع حتى تجسيد أحد السامين مقاومة هذا الرعب الغير مقدس… دون مساعدة.
وقد حصل على المساعدة.
استجابة لدعوة سامي القلب، عادت شيطانة الراحة إلى الغابة المقدسة مرة أخرى.
كان أرييل، شيطان الرعب، قد هزم عملاقًا غير مقدس في قتالٍ ذات مرة. لكن أخته لم تُقاتل اللعنة التي تلتهم شجرة العالم، بل ساعدت الشجرة العظيمة على الانغماس في حالة من التجديد الأبدي، حتى تتمكن من التهام المرض الذي يلتهمها.
تعفنت شجرة العالم ثم نمت من جديد. تساقطت أوراقها، ونبتت براعم جديدة من براعمها الناشئة. تفتت اللحاء الميت إلى غبار، ثم حل محله نمو جديد. انكسرت الأغصان المريضة وسقطت، مما تسبب في اهتزاز العالم عند اصطدامها بالأرض، لكن أغصانًا جديدة ظهرت مكانها.
مرارا وتكرارا وتكرارا… بلا نهاية.
تتعفن، تموت، ثم تولد من جديد، حتى زال المرض.
لقد انتهى الرعب غير المقدس، واستعادت شجرة العالم حيويتها.
.. إلا أن مدن البشر الذين اتخذوا من أغصانها مسكنًا لهم قد دُمرت. دُمِّر معظمها، وما تبقى منها اكتست بأوراقها ولحائها، فلم يبقَ منها أحد. كان وصول شيطانة الراحة نعمةً للشجرة العظيمة، ولكنه كارثة لا تُوصف لمن عاشوا في ظل أوراقها.
كارثة لا يمكن الهروب منها، أو التنبؤ بها، أو التعامل معها بالمنطق.
لقد كان هناك سبب، بعد كل شيء، لماذا كان الشياطين يهابون من بين كل السامين الأخرى في العصور القديمة.
بعد زوال المرض الذي كان يُهلك شجرة العالم، غادرت شيطانة الراحة. ومع ذلك، فقد تقاضت أجرًا لمساعدتها سامي القلب في إنقاذ تجسيده.
وكان هذا الأجر بمثابة فرع صغير من الشجرة العظيمة.
ومن هذا الفرع، صنعت سفينة عظيمة.
سفينةٌ حيةٌ، عرضها من الميمنة إلى الميناء يزيد عن كيلومتر، وعرضها يفوق أضعاف عرضها. سفينةٌ أشبه بمدينةٍ قائمة بذاتها، بعشرات الطوابق، وقصورٍ فخمة، ومعابد باغوداتٍ شاهقةٍ مبنيةٍ على سطحها، وأسرارٍ عظيمةٍ تختبئ في مخازنها الشاسعة. سفينةٌ ذات بساتينَ برية، وجداولَ متدفقة، وبحيراتٍ عميقة.
أطلقت شيطانة الراحة على سفينتها اسم “حديقة الليل”، وجعلتها موطنها.
..دُمّرت شجرة العالم منذ زمن، وماتت شيطانة الراحة. ومع ذلك، بقيت حديقة الليل – آخر شتلة حية من غابة عظيمة.
الترجمة : كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.