عبد الظل - الفصل 580
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 580 : افتراض الذنب
مرّ يومان منذ المعركة ضد الوعاء السابق لموردريت وجيش دُماه من الجثث الذي صنعه بمساعدته. أولئك الذين أُصيبوا بجروح خفيفة عادوا إلى أقدامهم بالفعل، لكن ثلاثة من الحراس كانوا لا يزالون في حالة سيئة.
كان رفاقهم يبذلون كل ما في وسعهم لمعالجة إصاباتهم، لكن مع موت كل المعالجين في القلعة، لم يكن هناك الكثير مما يمكن فعله لتسريع الشفاء. تم تحويل أحد أركان القاعة إلى مستوصف مؤقت، حيث كان الحراس الثلاثة المصابون إصابات خطيرة يرقدون ويتلقّون العناية.
…وفي الصباح، دوّى صراخ حاد فجأة بين الجدران الحجرية السوداء. قفز النائمون من مرقدهم، ممسكين بأسلحتهم التي أبقوها مستدعاة تحسّبًا لهجوم. أما الذين كانوا مستيقظين، فقد هرعوا نحو مصدر الصراخ – المستوصف المؤقت.
أما ساني، فقد جلس على فراشه فحسب، مع تعبير متوتر على وجهه.
كانت هناك ثلاثة أسرّة للمصابين، مصطفة على طول الجدار. ومن كان يصرخ هو الحارس الذي كان في السرير الأوسط، وملامح وجهه ملتوية من رعبٍ خالص.
أما الآخران… فقد ماتا.
كانت حناجرهم مشقوقة، والدم يتدفق على الأرض. قُتلا أثناء نومهما، دون أن يُنذرا أحدًا… وفي أقصى نقطة ممكنة عن مدخل القاعة، في قلب معسكر الحراس تمامًا.
أما الثالث، فكان من الواضح أنه كان بإمكان القاتل إنهاءه هو الآخر، لكنه تُرك على قيد الحياة عمدًا، وكأنما ليسخر من الضائعين.
كان الأمر كما لو أن موردريت كان يخبرهم إنه لا أحد بمأمن، وأنه قادرٌ على أخذ كل واحد منهم متى شاء.
“مـ-ماذا؟!”
“كيف دخل؟!”
“قد يكون لا يزال هنا!”
كان الضائعون على وشك الانهيار، لكن في النهاية، تغلبت مهاراتهم وتدريبهم على الرعب. وبدلًا من السقوط في الفوضى، تحوّل الوضع داخل القاعة فورًا إلى عملية منسّقة. بل وقبل وصول بيرس وويلث، كان الحراس قد اتخذوا مواقع دفاعية، أسلحتهم مرفوعة ومستعدون للمعركة.
ظهر السيّدان بعد ثوانٍ قليلة من الصرخة. قيّما الوضع بسرعة، ثم انضمّا إلى الجنود، واقترب نصف الأصداء منهم، بينما سَدّ النصف الآخر الأبواب.
لبضع لحظات، ساد الصمت المتوتر في معقل قوات فالور. تمركز الحراس الناجون قرب المستوصف، بينما الأصداء الخمسة، ذات العيون الخاوية، قد سدّت المخارج.
لم يكن هناك أحد آخر في القاعة… سوى ساني وكاسي، اللذين لم يتحركا منذ بداية كل شيء.
ببطء، تحوّلت أنظار جميع الضائعين نحوهما. كانت نظراتهم قاتمة، باردة، ومليئة بنية القتل.
ارتجف وجه ساني قليلًا.
‘هراء…’
هل كان موردريت يعلم كيف ستؤثّر أفعاله هذه على الاثنين؟ هل كان يحاول طردهما للعراء عمدًا، بجعل بقائهما مع الحراس مستحيلًا؟.
ما هي خطته اللعينة حقًا؟ ما غايته؟ كيف كان يخطط للتعامل مع القديس كورماك في غضون أيامٍ معدودة. وما دور كل واحدٍ منهم حتى ذلك الحين؟.
فتح ساني فمه، راغبًا في قول شيء يهدّئ الوضع، لكن كان أحد الضائعين أسرع:
“أنهما هما! لا بد أن أحدهما!”
وما إن خرج الاتهام الأول، حتى فُتح باب السيل. بعد لحظة، انهال على ساني وكاسي سيلٌ من الصرخات، كلها تتهمهما بمقتل الحارسين المصابين.
حدّق ساني في حشد الضائعين، وشعر بقلبه يبرد. يمكن إقناع شخص واحد… لكن ما كان أمامه الآن لم يكن مجموعة من الأفراد، بل كائن ضخم له رؤوس كثيرة، والعديد من الأفواه الصراخ، والعيون المحترقة بالغضب، والخوف… ونوايا القتل القاتمة.
لا يعرف الحشد الخائف المنطق، بل يعرف الخوف فقط، والرغبة في الهرب أو تدمير مصدر الخوف.
ومن المفارقات، أنهُ هناك قليلٌ من الأشياء أشد رعبًا من حشدٍ غاضب بلا عقل.
كان الضائعون أكثر صلابة واستعدادًا من معظم الناس، لكن حتى المحاربين المخضرمين مثلهم لديهم حدود. وبعد أسابيع من المطاردات والقتل والترويع على يد شيطان خفي مرعب، يبدو أنهم بلغوا تلك الحدود أخيرًا.
بالطبع، لم يكن هناك منطق خلف الاتهامات. فلا ساني ولا كاسي يمتلكان الوسائل لارتكاب الجريمة دون أن يُلاحظا – ببساطة لأنهما كانا مراقبَين طوال الوقت، إذ لم يكن أحد يثق بهما من الأصل.
لكن تلاشت محاولة ساني لشرح هذا وسط صخب الغضب.
لاحظ ساني بيرس وويلث يتبادلان نظرة سريعة،ورغم أن وجهيهما هادئان إلا أنهما قاتمان. على الأقل، ما زال هذان الاثنان محافظَين على رباطة جأشهما… لكن، هل سيغير ذلك شيئًا؟.
تباطأ نبض قلبه.
تناول ساني القاعة كاملة بعقله — الأصداء تحرس الأبواب، السيدان، تشكيل الضائعين، الجثتان على الأسرة الملطخة بالدم…
هل كان بإمكانه أن يشق طريقه بالقتال للخروج من هذا المكان؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟ لا شك أن قوات فالور ستلاحقه هو وكاسي…
وفي تلك اللحظة، راودته فكرة مفاجئة.
تردد ساني لحظة، ثم نهض ببطء. يده ارتفعت قليلًا، كما لو أنها تستعد لاستدعاء سلاح.
وكانت تلك الحركة كافية لإطلاق سلسلة من التفاعلات بين الضائعين.
اندفع أحدهم فجأة إلى الأمام، قاذفًا رمحًا نحو ساني. وآخر سحب قوسه، والسهم مشدودٌ بالفعل…
لكن لم يحدث شيء.
فورًا، زمجر بيرس، وطغى صوته على الصرخات:
“توقفوا، أيها الأوغاد البائسون! من أمركم بالهجوم؟! من يتحرك سأقتله بنفسي!”
وفي الوقت ذاته، تحوّلت ويلث إلى ضباب، وظهرت أمام ساني، ممسكةً بالرمح قبل أن يقترب منه. نظرت إليه بتجهّم، ثم ألقته على الأرض.
أما الأصداء التي كانت أمام تشكيل الحراس، فقد استدارت فجأة، وواجهت الضائعين. ثبتت عيونهم الفارغة على المحاربين المرتعبين، بلا مشاعر.
…وهكذا، روّض السيّدان الوحش الهائج للحشد البشري. فلا يهم إلى أي مدى فقد الحراس رباطة جأشهم، ما زالت بقايا الانضباط محفورةً في أعماقهم.
علاوةً على ذلك، فإن أنجح طريقة لهزيمة الخوف… هي بخوفٍ مختلف وأكثر شدة.
تحت نظرات الأصداء المرعبة، توقّفت الصيحات فجأة. تردد الضائعون، ثم بدأوا بخفض أسلحتهم على مضض.
ومع ذلك، بقيت نظراتهم المشتعلة مصوّبة نحو ساني وكاسي، عطشهم للعنف مكبوت، لكن لم يُروَ.
تريّثت ويلث لحظة، ثم نظرت إليهما من فوق كتفها:
“…من الأفضل أن تأتيا معي. لم يعد آمنًا لكما البقاء بين الآخرين. لا تقلقا، سنبقيكما بأمان.”
تظاهر ساني بالارتجاف، وألقى نظرة على حشد الضائعين، ثم أومأ برأسه.
“بالتأكيد. نعم… لا مشكلة.”
لكنه داخليًا، كان يبتسم بسخرية.
‘إبقاؤنا آمنَين… هراء كامل…’
قادوا ساني وكاسي عميقًا في الحرم الداخلي. ومرّوا بالغرفة ذات الطاولة المستديرة حيث استجوبها السيدان لأول مرة، ثم بغرف فرسان الصاعدين الشخصية، وأخيرًا إلى غرفة صغيرة ذات باب واحد.
سمحت ويلث لهما بالدخول، وبقيت عند العتبة.
صمتت لبضع لحظاتٍ، ثم قالت:
“انتظرا قليلاً. سأجلب لكما الطعام والماء لاحقًا. سيكون هذت مسكنكما من الآن فصاعدًا، لذا ارتاحا.”
ثم، أغلقت الباب وغادرت.
ابتسم ساني ابتسامةً قاتمة.
…لم يسمع صوت قفل، لكن الرسالة كانت واضحة.
كانت الغرفة الصغيرة أكثر راحة من القفص الحديدي، لكنها أدّت نفس الغرض.
لقد وُضِعا في زنزانة، مرةً أخرى.
…ومع ذلك، عرف ساني أنه هذه المرة، لن يبقيا فيها طويلًا.
{ترجمة نارو…}