عبد الظل - الفصل 579
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 579 : أولى الضحايا
احتشد الضائعون قرب المدخل، يحدقون في المشهد المروّع بتعابير قاتمة. كانت ويلث تقف في الممر، وسط بركة الدماء، وقبضتاها مشدودتان.
لم يكن ساني متأكدًا من الذي اكتشف الجثث، لأنه استيقظ فقط بسبب الضجة الناتجة عن اندفاع الجميع نحو الباب وتوهّج شرارات النور وهم يستدعون أسلحتهم. بقي في مؤخرة الحشد، مستخدمًا إحدى ظلاله لفحص الجثث، وأخرى لمراقبة الحراس الناجين.
وكانت على وجهه ملامح تفكيرٍ عميق.
‘أتساءل…’
لكن قبل أن يُكمل الفكرة، ظهر بيرس من خلف منعطف الممر، ناظرًا إلى ويلث، ثم هزّ رأسه باختصار، وزمجر في وجه الضائعين:
“في ماذا تحدّقون؟! نظّفوا هذه الفوضى وأمّنوا المحيط! لا أحد يتحرك وحده أو مع شخص واحد فقط، الحد الأدنى ثلاثة! استعدوا، قد يعود هذا اللـقيط في أي لحظة!”
تبادل الجنود النظرات، وبذور الخوف تتفتح في أعماق أعينهم. ثم بدأوا في العمل بصمت، ممتثلين لأوامر السيّد.
تريّث ساني لبضع لحظاتٍ، ثم عاد إلى كاسي وجلس على فراشه.
سألت الفتاة العمياء بهدوء:
“من مات؟ وكيف؟”
فرك وجهه بتعب.
“الحراس. أحدهما كان ذلك الذي لاحظ ظلي في القاعة الكبرى. أما الآخر، فلا أعرفه. أما عن الكيفية… فتقريبًا بنفس الطريقة كما الآخرين. مذبوحين ومقطعين إربًا…”
فكّرت قليلًا، ثم عقدت حاجبيها:
“ولم يسمع أحدٌ شيئًا؟”
تنهد ساني.
“لا بد أنه فعلها بسرعة بالغة. أو أن وعاءه الجديد يمتلك جانبًا يُخمد الأصوات.”
صمت قليلًا، ثم قال بجدية:
“على أي حال، عليكِ أن تستعدي.”
أمالت كاسي رأسها:
“أستعد لماذا؟ لهجوم جديد؟”
لم يُجب ساني على الفور، بل نظر إلى الضائعين. كان الجميع منشغلًا، يتحركون بدقة مدرّبة وهدف واضح. ومع ذلك، كانت هناك لمحة من القلق ترتسم على وجوههم الشاحبة. حاول الحراس إخفاءها، ولكن دون جدوى.
ثم خفض بصره.
“لا. في الوقت الحالي، يعتقد الجميع أن موردريت تمكن بطريقة ما من اختراق الأختام والدخول إلى الحرم الداخلي. لكن حين تتاح لهم الفرصة للتفكير، سيدركون أن هناك احتمالًا آخر.”
شحب وجه الفتاة العمياء.
ابتسم ساني بسخرية قاتمة وأضاف:
“…أنه كان بينهم طوال هذا الوقت، مختبئًا داخل أحد الغريبين اللذين نجوا من زنزانة مسحورة بمعجزة، وأصرّا على أن يُنقلا إلى هذا الملجأ. أنتِ… أو أنا.”
صرت كاسي على أسنانها.
“لا توجد طريقة منطقية لإلصاق هذه الجرائم بنا.”
ضحك بخفوت.
“وما علاقة المنطق بأي شيء؟ المنطق دائمًا أول ضحية عندما يأتي الخوف.”
ثم صمت قليلًا، وبعد بضع ثوانٍ، نهض ليحضر لهما الإفطار.
وأثناء سير ساني نحو الجزء من القاعة الذي حُوّل إلى مطبخ مؤقت، تبعته العديد من النظرات. وكما توقع، كانت تلك النظرات تتحول تدريجيًا إلى نظرات قاتمة وخطيرة، مليئة بالعداء، والخوف، والارتياب.
متظاهرًا بأنه خائف بما يكفي أيضًا، ملأ الأوعية بالعصيدة.
‘…مثير للاهتمام.’
موردريت… ربما لم يكن جنونًا كما ظن ساني سابقًا.
منذ البداية، كان هناك شيء ما في تصرفات أمير اللاشيء لا يُرضي ساني. كان موردريت ذكيًا بشكل لا يُصدق ودقيقًا إلى حد مذهل، وقد صنع فخًا بارعًا إلى درجة أن حتى ساني، المخادع الماكر، وقع فيه دون أن يشك في شيء.
لكن الطريقة السادية التي قُتل بها العشرات من الضائعين، والعروض المُختلة من الذبح المجنون التي تركها الأمير في أروقة معبد الليل، لم تكن عملية على الإطلاق، ولا تتناسب مع صورة استراتيجي بارد وواعٍ إطلاقًا.
والآن، بعدما كشف موردريت عن وجوده في الحرم الداخلي، وضحّى بميزة المفاجأة الثمينة جدًا في مقابل زهق روحين فقط، أصبح ساني مقتنعًا بأن لهذا الجنون غاية.
…ومع النظرات الثقيلة التي كانت تلاحقه من الضائعين الناجيين، والتعابير المشوهة والقاتمة، كان متأكدًا تقريبًا من أنه فهم تلك الغاية.
أراد موردريت منهم أن يشكوا ببعضهم، أن يشعروا بالتوتر والخوف. أراد أن تنكسر أرواحهم.
لماذا؟ لإضعاف أرواحهم، وزعزعة إرادتهم، بالطبع. مما يشير إلى أن قدرته على التهام الأرواح ليست مطلقة، بل تتطلب أن يكون الضحية… ماذا؟ مهزومًا؟ مستسلمًا؟ أم ببساطة أضعف من روحه؟.
‘…يا له من لـقيط’.
عاد ساني إلى كاسي، ناولها وعاء العصيدة، ثم عبس.
بصراحة، لم يكن متأكدًا أيهما أكثر رعبًا… مجنون مضطرب يستمتع بتعذيب ضحاياه قبل قتلهم بطرق وحشية، أم قاتل بارد الدم يفعل الشيء ذاته ببساطة لأن ذلك يخدم أهدافه البراغماتية.
وفي كلتا الحالتين، ستكون النتيجة واحدة. هز إرادة الضائعين، مع الحفاظ عليهم غير منهارين بعد. مما يعني أن موردريت لن يتوقف… لا، بل إنه فقط قد بدأ في زرع الرعب داخل أرواحهم.
والسؤال هو… كيف يُمكن لساني أن يوقفه؟.
أكل عصيدته، ثم نظر إلى بيرس وويلث، اللذين كانا يتحدثان بهدوء قرب الأبواب.
…وهل عليه أن يوقفه أصلًا؟.
***
بعد وقت قصير، استدعى السيّد بيرس الأصداء العشر. ورغم أن الحفاظ عليهم كل الوقت يستهلك مقدارًا كبيرًا من الجوهر، فقد تقرر أن تبقى تلك الكيانات المزعجة بين الضائعين من الآن فصاعدًا.
أُرسل عدد منهم لاستكشاف الحرم الداخلي ومحاولة إيجاد أي أثر للمهاجم، أو على الأقل معرفة كيف تمكن من الدخول. أما البقية، فاتخذوا مواقع الحراسة خارج القاعة، مما جعل الحراس الباقين يشعرون بالاطمئنان… والقلق أيضًا.
حتى هؤلاء المحاربين المتمرسين لم يشعروا بالراحة في وجود أصداء بشرية.
كما تم تشديد الإجراءات الأمنية. لم يُسمح لأحد بالبقاء بمفرده، وإن استدعت الحاجة لمغادرة المنطقة المشتركة، فلابد أن يكونوا في مجموعة من ثلاثة على الأقل. حتى ساني وكاسي احتاجا لمرافقة الحارسة الأثنى – التي تمتلك قدرة التخفي – لمجرد زيارة الحمّام.
ومع ذلك، لم تُفلح هذه التدابير في حماية المعقل.
ففي صباح اليوم التالي، كان هناك اثنان آخران من الضائعين قد قُتلا. وهذه المرة، داخل القاعة ذاتها، وليس في الممر الخارجي.
وبعد ذلك، بدأت الأمور تسوء حقًا بالنسبة لساني.
{ترجمة نارو…}