عبد الظل - الفصل 562
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 562 : في عتمة الليل
تأرجحت السلسلة بخفة بينما كان ساني وكاسي يعبرانها، مصدرةً طنينًا عاليًا بين الحين والآخر. وبما أن الجزيرة التي غادراها لتوّهما كانت في طور الصعود، فإن الجزيرة التي أمامهما كانت أسفل منها وظاهرة بالكامل.
لم تكن الجزيرة الشمالية كبيرة جدًا، قطرها لا يتجاوز الكيلومترين. سطحها كان سهلًا مستويًا واسعًا، مغطىً بالكامل بحقلٍ جميل من الزهور البنفسجية، كأنها ملفوفة بوشاحٍ من الحرير. ورغم أن الشمس كانت عالية في السماء، إلا أن براعم تلك الزهور الرقيقة كانت مغلقة.
وحسبما أخبرته كاسي، فإن تلك الزهور لا تتفتح إلا ليلًا، باعثة نورًا جميلاً وغريبًا. كان ساني يتمنى لو يشهد ذلك المنظر الساحر بعينيه، لكن هناك أمورٌ أكثر أهمية تنتظره الآن.
فضلًا عن أن تركيزه في تلك اللحظة لم يكن على الجزيرة نفسها.
بل كان ينظر إلى ما خلفها… إلى القمم الشاهقة للجبال الجوفاء التي تعلو الجزيرة، غارقة في ظلها الشاسع والعميق.
كانت تلك القمم مغمورةً بضبابٍ أبيض ينحدر ببطء من السفوح القاتمة، ويسقط في الهاوية السوداء لِما تحت السماء، كجدارٍ لا نهائي من السُحب البيضاء المتماوجة. كانت الصورة مهيبة… ومخيفة في الوقت ذاته.
كأنما السماء ذاتُها كانت تُبتلع تدريجيًا في فراغٍ مظلم… أو لعلها كانت تغزو ذلك الفراغ.
وأثناء تأمله لتلك الجبال الرهيبة، لم يستطع ساني أن يمنع نفسه من التساؤل: هل يا ترى كانت نيفيس تائهةٌ هناك، في ذلك الضباب الأبيض؟ أم أنها لم تجرؤ على دخوله، واختارت طريقًا آخر؟.
لا سبيل لمعرفة هذا.
تنهد ساني تنهيدة خافتة، ثم نظر إلى قدميه وركّز على أن يخطو خطوة تلو الأخرى.
سرعان ما وصلا إلى الجزيرة الشمالية، ثم ارتفعا في الهواء — ساني باستخدام الشوكة المتربصة والجناح المظلم، وكاسي عبر سحب الراقصة الهادئة، القفز، والتشبث بمقبضها وهي ترفعها في السماء.
هبطا برفق بين الزهور الرقيقة، وأخذا يتلفتان من حولهما. من دون الحاجة إلى تبادل الكلام، سمح ساني للفتاة العمياء أن تتقدّمه، وتبعها في طريقها نحو المَعلم الوحيد في الجزيرة — أطلال القلعة القديمة التي كانت تتشبث بحافة الجزيرة الشمالية. كانت شبيهةً بالحصن المتداعي حيث التقى بإيفي وكاي سابقًا.
وحذرين ألا يزعجا الزهور، عبرا الجزيرة ودخلا القلعة. لم يهاجمهم شيء في الطريق، ولم يُسمع صوتٌ سوى صفير الرياح وخطواتهما على الأرض. كانت الجزيرة الشمالية جميلة، صامتة، وغريبة السكون.
ومن خلال بوابة القلعة المحطّمة، راح ساني يتأمل السلسلة العملاقة التي تربط الجزر بالجبال الجوفاء. كان الضباب المتماوج يتدفق من الجانبين، يخفي موضع غرس السلسلة في الصخور الداكنة.
لبث ساكنًا لبضعة لحظات، ثم ارتجف وأشاح بنظره.
وعند زاوية المنصة الممتدة خلف البوابة، بالكاد مرئية، كانت هناك مجموعة ضيقة من الدرجات المنحوتة من صخرٍ مهترئ، تنحدر لأسفل. كان الطريق يلتف حول منحدرٍ معلق، يتشبث بسطح الصخر وهو ينحدر نحو الجانب المظلم من الجزيرة.
وضعت كاسي يدها على الحجارة، وراحت تتحسسها بأصابعها، ثم خطت بحذرٍ نحو الدرج. تبعها ساني، وهو ينظر للأسفل بتعبيرٍ قاتم.
كان الطريق المؤدي إلى معبد الليل طويلًا وضيقًا. بالكاد يكفي لشخصين أن يسيرا جنبًا إلى جنب. على يمينه كان جدار الصخر، وعلى يساره كانت هاوية السماء السوداء الممتدة بلا قرار. خطوة واحدة طائشة… كفيلة بإنهاء حياة المرء.
ولم يكن موضع الدرج عشوائيًا أيضًا. فلو حاولت قوة مهاجِمة أن تقتحم هذا الممر، لاضطر مقاتلوها للقتال واحدًا تلو الآخر، وأيمانهم محجوبةٌ بالحائط. أما الهجمات بعيدة المدى، فلن تجدي نفعًا بسبب انحناءة الجدار.
في مكانٍ كهذا، يمكن لمحاربٍ واحد أن يوقف جيشًا كاملًا.
واصلوا الهبوط، أكثر فأكثر، حتى بلغوا الجانب المظلم بعد زمنٍ طويل.
وعند النقطة التي أصبح فيها المنحدر شبه أفقي، تحوّلت الدرجات إلى جسرٍ معلق غريب، مربوط بالسقف الصخري بسلاسل صدئة. كان الجسر يتمايل بخطورة فوق الهاوية المظلمة لما تحت السماء، ممتدًا حتى مركز الجزيرة… حيث معبد الليل.
تجمّد ساني في مكانه، وقد أفزعه صوت جرسٍ حزين دَوّى فجأة في الظلمة.
أمامه، وعلى مسافةٍ ليست ببعيدة، وقف مبنًا مهيبٌ يبرز من باطن الجزيرة الطافية. مصنوعٌ من حجرٍ أسود، كان يشبه كاتدرائية شامخة وكئيبة بُنيت بالمقلوب بطريقةٍ ما، تتدلّى فوق هاويةٍ من ظلامٍ لا يُخترق. كانت قاعدتها هي أعلى نقطة فيها، فيما تنحدر سبعة أبراجٍ أجراس منها إلى أعماق السواد، ينتهي كل برج منها بسلسلة قصيرة تحمل جرسًا ضخمًا مصنوعًا من نحاسٍ أخضر باهت.
ولأن معبد الليل يقع أسفل الجزيرة، فإن ضوء الشمس لا يصله أبدًا. وبدلًا من ذلك، كان المعبد غارقًا في ظلالٍ أبدية، لا يلامس جدرانه السوداء إلا وهجٌ باهت من اللهب السامي البعيد.
وفي مشهدٍ مقلوبٍ غريب، كانت ظلمة الهاوية المخملية ونقاط النور المتناثرة في أعماقها تبدو كسماءٍ ليلية شاسعة معلقة فوقه.
وبينما كان ساني يتأمل، دوّى جرسٌ ثانٍ.
تحرّك قليلًا، ثم وجّه نظره إلى الطريق الضيق، متتبعًا درجاته الغادرة حتى البوابتين الحديديتين العملاقتين للكاتدرائية.
استدارت إليه كاسي، ترددت للحظةً، ثم قالت:
“هيا بنا. لقد رأونا.”
أومأ ساني برأسه، وخطا إلى الأمام.
كان معبد الليل ينتظرهم، بأبوابه مفتوحةً كفمٍ جائع.
{ترجمة نارو…}