عبد الظل - الفصل 561
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 561 : رحلةٌ إلى الشمال
عندما بدأوا بعثتهم، كانت آخر بقايا دفء الصيف تغادر الجزر المقيدة. لم تكن كل مناطق عالم الأحلام تمر بنفس الفصول التي يمر بها عالم اليقظة، لكن كانت هذه المنطقة مشابهةٌ إلى حدٍّ ما. وبحلول الوقت الذي يُفترض أن يصلوا فيه إلى معبد الليل، سيكون الخريف قد بلغ ذروته.
وإن سار كل شيء كما يجب، فستستغرق الرحلة أسبوعين أو ثلاثة. كان ساني يهدف إلى الوصول إلى القلعة الغامضة واستعادة السكين العاجي بحلول منتصف أكتوبر، ثم الالتقاء بإيفي، وكاي، وحُراس النار في جزيرة حطام السفن خلال الأيام الأولى من نوفمبر. وهذا سيمنحهم قرابة شهرٍ كامل للوصول إلى برج الأبنوس والدخول إلى البذرة قبل حلول الشتاء.
بالطبع، في عالم الأحلام، لا يمكن الوثوق بأي خطة بشكلٍ كامل.
كان ساني واثقًا إلى حدٍّ معقول من قدرته على التنقل عبر الجزر المقيدة، لكنه كان يعلم جيدًا أن الغرور قاتلٌ. فهذه أرضٌ متوحشة ومميتة، مليئة بالمخلوقات المرعبة والتهديدات الخبيثة.
لقد استكشف العديد من الجزر، وطارد العديد من الرجسات هنا، لكن حتى بعد تسعة أشهر من القتال والتنقل في هذه المنطقة، لم يكن ساني يعرف سوى الجزء الجنوبي الشرقي منها جيدًا، حيث يقع ملاذ نوكتس. أما الغرب أو الشمال من الشق، فلم تطأه قدماه أبدًا.
وكانت الأمور تزداد سوءًا كلما اقترب المرء من الفراغ الهائل في قلب الجزر المقيدة، حيث تصبح الأخطار أشد فتكًا. وللوصول إلى معبد الليل بسرعة، كان على ساني وكاسي أن يبلغا الشق ويتحركا بمحاذاة حافته، مما يعني أنهما سيتنقلان عبر أخطر منطقة في الإقليم بأسره.
لكن لم تكن كل الأمور سيئة. فكانت كاسي تملك بعض المعارف التي يفتقر إليها ساني، بما أن حراس النار قضوا وقتًا طويلًا في أقصى شمال الجزر المقيدة. كما أنه كان يملك كل المعلومات التي نسخها من خريطة موردريت، والتي احتوت على وصفٍ مفصّل لكثير من الأماكن التي كان عليهما عبورها.
كان قويًا بما يكفي لمواجهة الأخطار التي تنتظرهما هناك، ولم تكن كاسي بلا حولٍ ولا قوة بعد الآن. الاثنان كانا كافيين… على الأرجح. ولهذا السبب قرر ساني خوض هذه البعثة من دون فوجٍ كامل.
وأثبتت الأيام التالية أنه كان على صواب. فقد كانت رحلتهما سلسة بشكلٍ مفاجئ. لم يُشكّل التنقل نفسه أي مشكلة — إذ كانت كاسي قادرة تمامًا على الانتقال من جزيرة لأخرى دون مساعدته، وهو ما جلب له الكثير من الارتياح.
وبفضل قدرة جانبها الثانية والراقصة الهادئة، كانت الفتاة العمياء قادرة على التحرك في المساحة بدقةٍ كافية. وتبيّن أيضًا أنها كانت تملك تميمة صاعدة تُعزز صدىً واحدًا بقوة كبيرة، وقد استخدمتها على سيفها الرقيق.
وبمساعدته، كانت الراقصة قادرة على حمل وزنها لمسافة قصيرة، مما سمح لكاسي بالصعود والنزول من السلاسل بسهولة. العيب الوحيد في التميمة هو أنها كانت تستهلك جوهر روحها بسرعة، لذا لم يكن بإمكانها استخدامها كثيرًا أو لفتراتٍ طويلة. لكن بالطبع، لم يكن التنقل مشكلتهما الحقيقية. فكلما توغلا أعمق في قلب الجزر المقيدة، بدأت مخلوقات الكابوس بالتقاط أثرهما أكثر فأكثر. وهنا يأتي دور ساني.
بمساعدة القديسة، وعند الحاجة، ثعبان الروح، استطاع التعامل مع كل من تجرأ على مهاجمتهما. ساعدت كاسي أيضًا، لكن نادرًا ما كان هناك شيء لتفعله — فسرعة ساني وظلاله ودهاؤهم وقوتهم القاتلة كانت كافية. قوتهم المشتركة كانت مُرعبة تقريبًا.
لكن هذا لا يعني أن الفتاة العمياء كانت بلا فائدة. على العكس، فقد كانت وجودها ربما هو العامل الأهم في تمكنهما من التقدم نحو هدفهما بهذه السهولة.
تكامل ميلها الكبير للوحي، وحدسها الفائق، بشكلٍ مثالي مع براعة ساني القتالية. كان من الغريب مدى الانسجام بينهما — هو يستطلع الطريق ويسحق الوحوش، وهي ترشدهما عبر متاهة الجزر المتغيرة بطريقة تجنبهما الأهوال الحقيقية، والمخاطر الخفية، والسحق.
والأغرب من كل هذا هو أنهما بالكاد كانا يتحدثان مع بعضهما، ومع ذلك وصلا إلى هذا المستوى العميق من التفاهم. قضى معظم الرحلة في صمت، إذ كان كل منهما يفضل ألا يتحدث إلا إذا دعت الحاجة القصوى. لا حديث جانبي، ولا أحاديث بلا هدف، ولا مزاحٌ ودّي.
بل وحتى أن ساني لم يتحدث مع ظلاله أو مع القديسة كما اعتاد، وهو ما جعل الصمت شبه خانق. كان الأمر محرجًا قليلًا في البداية… لكنه اعتاد عليه في النهاية. بل وبدأ يستمتع بالهدوء والسكينة، وبصحبة إنسان آخر — حتى لو كانت كاسي.
كان تعاونهما فعّالًا، سلسًا، وخاليًا من المشاعر أو أي تعقيدات مزعجة. تحالفٌ مبني على المصلحة البحتة. فماذا هناك ليشتكي منه؟.
سافرا عبر جزرٍ جرداء وقاحلة، وجزرٍ خضراء مليئة بالخُضرة الجميلة. عبر جزرٍ تعجّ بالرجسات البغيضة، وجزرٍ لم يكن فيها سوى عظام ورماد. عبر جزرٍ مفتوحة وشاسعة، وجزرٍ صغيرة تخفي أخطارًا غير مرئية خلف حجابٍ من الخداع.
…لم تمضِ فترة طويلة حتى أتى اليوم الذي ظهر فيه خطٌّ قاتم في الأفق البعيد، هناك عند الأفق الشمالي. وعندما رآه ساني لأول مرة، وقف بلا حراك لبفترةٍ، يحدّق شمالًا بتعبيرٍ قاتمٍ على وجهه.
الجبال الجوفاء.
بعد كل هذا الوقت… ها هو ذا يراها من جديد.
ومنذ ذلك اليوم، أخذ ذاك الخطّ الأسود يكبر ويقترب يومًا بعد يوم. وسرعان ما أصبح قادرًا على تمييز القمم الفردية والشكل المسنن لسلسلة الجبال التي تخترق السماء كأنها أنياب تنّينٍ عملاق.
وفي اليوم الذي علت فيه تلك القمم القاتمة فوق رؤوسهم، ملفوفة بضبابٍ متدفّق… وصلوا أخيرًا إلى معبد الليل.
{ترجمة نارو…}