عبد الظل - الفصل 558
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 558 : درس أخير
كان الصباح قد حلّ بالفعل، لذا لم يُكلّف نفسه عناء النوم، بل حضّر لنفسه المزيد من القهوة، صبّها في كوب، وذهب ليجلس على الشرفة.
أرهقته جلسة التخطيط الطويلة، فجعلت أفكاره بطيئة بعض الشيء، لكنه كان يعلم أنه قادر على البقاء مستيقظًا وصافي الذهن لبضعة أيام أخرى دون مشاكل. لم يكن ينوي العودة إلى عالم الأحلام حتى ينتهي تمامًا من كل أعماله في عالم اليقظة.
لذا، اكتفى ساني بالراحة قليلًا، مراقبًا الفجر ويتأمل بهدوء كل الأمور التي عليه إنجازها.
“…توديع المعلم يوليوس… الحديث مع آيكو بشأن المتجر المبهر…”
ربما يستغرق الكابوس الثانية وقتًا طويلًا للتغلب عليه، لذا كان عليه أن يتساءل كم سيدوم مخزون شظايا الروح الذي أعطاها إياه. لم يكن ساني يرغب بالعودة ليكتشف أن متجره قد أغلق أبوابه وخسر زبائنه جميعًا.
أخذ رشفة من قهوته، ثم نظر إلى الأسفل.
…بالطبع، كان هناك احتمال حقيقي جدًا أن لا يعود أبدًا.
لم يخدع ساني نفسه. فمهما بلغت قوته أو سرعة تقدمه، فسيكون هذا الكابوس قاتلًا تمامًا… كما هي كل الكوابيس. وقد دخل أشخاصٌ أفضل منه فيها ولم يخرجوا قط. كان احتمال الموت حقيقيًا جدًا…
فهل كان هناك أي جدوى من التخطيط للمستقبل أصلًا؟.
وأثناء غرقه في التفكير، سُمع فجأة وقع خطوات خفيفة على الطريق المؤدي إلى الشرفة. ابتسم ساني قليلًا، ثم رفع بصره.
كانت رَين تقف على بُعد بضع خطوات، تنظر إليه بشيء من التردد والحرج.
“أنا، أم… هل ضيوفك ما زالوا هنا؟”
هز رأسه نفيًا.
“جيد! أقصد… سيئ؟ أردت فقط التحدث إليك… وحدنا… هذا كل شيء.”
رفع ساني حاجبه.
“أوه؟ وعن ماذا؟”
رغم أن رَين كانت تحاول بوضوح أن تكون معتذرة ومحترمة، إلا أن بريقًا مألوفًا من الغضب اشتعل في عينيها.
“أنت تعرف عن ماذا! أقصد، أم… آسفة…”
تلعثمت، وساد الصمت للحظات، ثم سألت بنبرة أكثر تهذيبًا:
“…لماذا لم تخبرني أنك شخص مهم؟”
حدّق ساني في رَين للحظة، ثم ابتسم:
“ألم أخبركِ من قبل أنني على الأرجح أقوى مستيقظ في العالم، الأفضل بين الأفضل، وكل ذلك؟ أظن أنني قلت ذلك هنا بالضبط، في هذا المكان.”
عبست رَين.
“أنا جادة!”
ارتشف ساني رشفة من قهوته، ونظر إليها للحظة، ثم بدأت الابتسامة تختفي ببطء عن وجهه. أخيرًا، تنهد وأشاح بنظره بعيدًا.
“لأنني لستُ كذلك. بالنسبة للمستيقظين، فلستُ شخصًا مهمًا أبدًا. في الواقع، أنا صغير جدًا، ومن السهل سحقه. لهذا لا أحب أن أُظهر قوتي. من الأفضل أن يظن الجميع أنني ضعيف وغبي. بهذه الطريقة، سيكون من الأصعب قتلـي.”
نظرت إليه رَين محتارةً.
“أنا… لا أفهم. كيف ستعرف مخلوقات الكابوس أنك تُعتبر قويًا؟ ولماذا قد يشكّل ذلك خطرًا على حياتك؟”
ظهرت ابتسامة قاتمة وحزينة على وجه ساني. رمق رَين بنظرة، ثم سأل:
“ومن قال إنني كنت أتحدث عن مخلوقات الكابوس؟”
وضع ساني كوبه على الأرض، ثم قال:
“بعد رحيلكِ، لا بد أنكِ بحثتِ في الشبكة عن كل ما يمكنك إيجاده عن الشاطئ المنسي، صحيح؟”
احمرّ وجه رَين خجلًا، ثم أومأت.
وأومأ هو أيضًا.
“إذًا لا بد أنكِ تعلمين أن حوالي أربعمئة نائم لقوا حتفهم خلال حصار البرج القرمزي. وهذا لعددٌ كبير. ولكن هل تعلمين كم شخصًا قُتل في الأشهر التي سبقت ذلك؟ تقريبًا ضعف هذا العدد.”
اتسعت عيناها قليلًا.
نظر ساني إلى الفتاة الصغيرة، وقد خلت نبرته من أي تسلية.
“ولم تقتلهم مخلوقات الكابوس. بل قتلهم بشرٌ. وهكذا، وبشكل ساخر، مات بشر على يد بشر أكثر من أولئك الذين قتلهتم الوحوش، وأنا هناك… في ذلك الجحيم. أو بالأحرى، وحوش من نوعٍ آخر. وهذه درسٌ عليك أن تتعلميه، إن كنت ترغبين أن تصبحي قوية.”
تنهد.
“بإمكاني أن أُعلّمكِ كيف تمسكين سيفًا أو رمحًا، كيف تعبرين عالم الأحلام دون أن تموتينَ جوعًا، كيف تقتلين أعداءكِ. ولكن لا يمكنني أن أعلّمكِ كيف تصبحين قوية، رَين. فهذه مسألة لا يتعلمها المرء إلا بنفسه. وهذا العالم… قاسٍ وعديم الرحمة. بعض الناس محظوظون كفاية كي لا يروا حقيقته أبدًا، والبعض الآخر لا. ومن بين هؤلاء… لا ينجوا الضعفاء. أنتِ… ناعمة، ناعمة جدًا. لكن، هل أنتِ محظوظة؟ لا أعلم. هذا أمر عائد لكِ.”
أصغت إليه بانتباه، وقد ارتسمت على وجهها ملامحٌ جادة وكئيبة بشكلٍ لا يليق بفتاة في مثل عمرها. وبعد برهة، قالت:
“أعتقد… أعتقد أنني فهمت.”
ابتسم ساني.
“آمل أنكِ فهمتِ. لكن، جزءٌ مني يتمنى أنكِ لم تفعلي.”
تردد قليلًا، ثم أخرج جهاز تواصله.
“أوه، بالمناسبة… ستتوقف دروسنا لفترة. أنا وأصدقائي سنخوض بعثة كبيرة، كما ترين، ولا أعلم كم ستستغرق من الوقت. لا تقلقي، لقد علمتكِ ما يكفي لتواصلي التدريب بنفسك. مارسي بجد، ولا تتكاسلي! وإذا شعرتِ أنكِ أتقنتِ كل شيء قبل عودتي، اتصلي بالرقم الذي أرسلته لكِ الآن. الرقم يخص صديقة لي. اسمها آيكو، وستجد لكِ مدرسًا جديدًا.”
حدّقت رَين في جهازها طويلًا، ثم رفعت عينيها إليه وسألت بصوت خافت:
“أنت ذاهب في بعثة كبيرة؟”
أظهر لها ساني ابتسامةً لا مبالية، ورفع كتفيه باستخفاف.
“بالتأكيد. لماذا؟”
ترددت لثوانٍ، ثم سألت، وقد أصبح صوتها خافتًا على نحوٍ غير معتاد:
“هل ستكون… خطيرة؟”
أخذ رشفة من قهوته، ثم هز كتفيه مجددًا.
“خطيرة؟ طبعًا. خطيرة جدًا، على ما أظن. لكن… كل ما يتعلق بالتعويذة خطيرٌ.”
نظرت إليه رَين بشدة مفاجئة، وقد اختفى ترددها السابق. وعندما تحدثت، كان صوتها مشحونًا بالتوتر:
“إذًا لِمَ؟ لماذا ستذهب؟”
نظر إليها ساني بدهشة، ثم ألقى برأسه للخلف وضحك.
وحين فرغ من ضحكه، رمقها بنظرة متسلّية، وقال مبتسمًا:
“لماذا؟ لنفس السبب الذي جعلكِ ترغبين في التدريب. لأصبح قويًا! قويًا حقًا…”
{ترجمة نارو…}