عبد الظل - الفصل 556
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 556 : بخصوص تلك البطاطس
جلس كاي، وإيفي، وكاسي في غرفة المعيشة وتبادلوا أطراف الحديث بينما عاد ساني إلى المطبخ. لم يكن هناك فاصل حقيقي بين المنطقتين، بل مجرد مسافة صغيرة ومنضدة طويلة، لذا كان بإمكانه رؤيتهم بوضوح. جعلت مشاهدة أصدقائه وهم مرتاحون وسعداء بلقائهم مجددًا بالفتاة العمياء، ملامح ساني تزداد قتامةً للحظة قصيرة، ولكنه سرعان ما ارتدى قناعًا من اللامبالاة.
كانت رَين تقف إلى جانبه وتنظر إليهم هي الأخرى.
توقفت نظراتها عند كاي لبرهة، ثم انتقلت إلى كاسي. وأخيرًا، نظرت إلى إيفي وحدقت في وجهها بتعابير معقدة.
‘ها قد بدأت!’
بعد لحظات قليلة، اتسعت عيناها. لم يظن ساني أن الفتاة المراهقة يمكن أن تصبح أشحب مما كانت عليه أصلًا، لكنه كان مخطئًا. وبملامح أشبه بالشبح، التفتت رَين إليه ببطء وهمست:
“إيفي… إنها… هي…”
أعطاها ساني ابتسامةً مهذبة.
“هاه؟ بماذا تتمتمين؟”
ثم نظر نحو غرفة المعيشة ورفع حاجبيه.
“آه، هل تريدين أن أناديها لتأتي؟ لا مشكلة. هي، إيفـ…”
لوّحت رَين بيديها ووضعت إحداهما على فمه.
“لا! لا تفعل!”
حدق بها ساني وفي عينيه تساءلٌ صامت.
نظرت إليه، ثم إلى يدها، ثم تراجعت للخلف بخجل.
“ما كنت أحاول قوله هو… إيفي، هل هي…”
عبس ساني.
“…المستيقظة أثينا، والمعروفة أيضًا باسم ‘ربتها الذئاب’؟ ماذا، ألم تعلمي؟”
تأرجحت رَين فجأة وأمسكت بالمنضدة لتثبت نفسها. وظهرا على وجهها تعابير مرعوبة بشكل هزلي.
في الحقيقة، لم يكن يلومها على عدم التعرّف على إيفي. فاهتمام الفتاة بالمستيقظين كان ضئيلًا من الأساس، وكانت الحكومة تروّج لصورة بطولية لربتها الذئاب كما تظهر في عالم الأحلام – قوية، طويلة، ومفعمة بالحيوية – في دعاياتها.
لم يكن من السهل ربط تلك الصورة بالمرأة الشاحبة، الضعيفة، والمريضة، الجالسة على كرسي متحرك. ناهيك عن أن شخصًا عاديًا لن يتوقع لقاء بطلة مشهورة في فناء منزله… ومع ذلك، بدا مشهد رَين الآن مضحكًا جدًا.
“لكن… لكنها وأنا… يا الهـي ! لقد قلت حتى… أوه، لا. لااا!”
انخفض رأسها، ثم رفعت عينيها فجأة لتخترق ساني بنظرة غاضبة بشكل غير متوقع.
“سحقا! ساني… لماذا أنت صديق لربتها الذئاب، والعندليب، وأغنية الساقطين؟ إنهم أشخاص مشهورون!”
عبس محتارًا، ثم اكتفى بهز كتفيه.
“وما المشكلة؟ كنا ضمن الفوج ذاته سابقًا.”
رمشت رَين عدة مرات. وأصبح صوتها أكثر خفوتًا:
“لكن… لكن أغنية الساقطين، وربتها الذئاب، والعندليب كانوا أعضاء في فوج الآنسة نجمة التغيير.”
ابتسم ساني ببراءة:
“أوه؟ نعم، إنه نفس الفوج.”
جلست الفتاة في مقعدها وكأنما روحها خرجت، بالكاد أصابت الكرسي.
بقيت صامتة لوقت طويل، ثم سألت ببطء:
“ساني… هل تعرف الآنسة نيفيس؟ الآنسة نيفيس؟ نجمة التغيير من عشيرة الشعلة الخالدة؟ أنت من… من فوجها؟”
أظهر ابتسامةً كبيرة:
“من، نيف؟ نعم، بالتأكيد. أعتقد ذلك.”
أغلقت رَين عينيها.
لم يقل ساني شيئًا لبضعة لحظات، ثم صفى حلقه.
انتظر لحظات إضافية، ثم قال بلطف:
“إذًا… بخصوص تلك البطاطس…”
ارتعشت، ونظرت إلى مئزرها مجددًا، ثم أجابت بصوت ضعيف:
“أوه، آسفة. في الواقع، يجب أن أذهب للبيت. أنا، آه… نسيت أن لدي واجب منزلي. آسفة.”
ثم وقفت رَين وركضت نحو الباب.
صرخ ساني خلفها:
“مهلًا! أي واجب؟ اليوم سبت!”
من دون أن تستدير، صرخت الفتاة: “آسفة!” مرة أخرى، وهربت من المنزل في حالة ذعر.
راقب ساني الباب وهو يُغلق خلفها، ثم انفجر ضاحكًا.
شعر بالانتقام. شعر… بشعورٍ رائع!.
“آه، هذا لا تُقدّر بثمن. حقًا لا تُقدّر بثمن… كنت أتمنى فقط أن تنهي تقشير البطاطس أولًا…”
***
بعد العشاء، جلس الأربعة حول الطاولة وانتقلوا إلى السبب الحقيقي لاجتماع اليوم – مناقشة خطتهم لمواجهة بذرة الكابوس.
كان من الممكن عقد هذه المحادثة في الملاذ، لكن رغم العلاقة الجيدة نوعًا ما مع عشيرة الريشة البيضاء، لم يكن ساني يرغب في قول بعض الأمور صراحةً في أراضيهم.
فأراضيهم كانت أيضًا أراضي سيادي، في نهاية المطاف.
لذا، قرّر الفوج أن يجتمع في عالم اليقظة.
كان هناك الكثير لمناقشته. الكابوس الثاني كان تحديًا مميتًا، وكان عليهم أن يكونوا مستعدين له بأقصى قدر ممكن. كما أن هناك العديد من التحضيرات اللازمة للرحلة نحو البذرة نفسها – المغامرة في السماء السفلى والعثور على الصدع في محيط اللهب الذي يختبئ في أعماقها لم تكن مهمة سهلة على الإطلاق.
لذلك، قضوا ساعات طويلة في مراجعة كل تفصيل صغير، وتبادل المعارف، وإيجاد حلول للمشاكل المحتملة التي قد تواجههم. كان الكابوس نفسه لغزًا بطبيعة الحال، لذا مهما حاولوا الاستعداد لكل احتمال، لم يكن لديهم وسيلة لمعرفة ما ينتظرهم في الداخل.
كل ما كانوا يعرفونه أنه سيكون خطيرًا، وقاتلًا، ومروعًا.
ومع ذلك، كانت هناك أمور يمكنهم القيام بها لتحسين فرصهم: أن يصبحوا أقوى، وأن يطوّروا ترساناتهم. ولكن الأهم من ذلك كله، أن يسعوا إلى أقصى درجات المرونة في ما يملكون من أدوات. ففي النهاية، لم يكن الأقوى هو من ينجو… بل الأكثر قدرة على التكيّف.
كان الليل قد بلغ ذروته عندما توقفت المحادثة. بدا وكأنهم ناقشوا كل ما يمكنهم مناقشته، على الأقل في الوقت الحالي.
أعدّ ساني إبريق قهوة للجميع، ووزّعها في الأكواب، ثم جلس مقابل كاسي.
“والآن بعد أن أنهينا كل شيء آخر… دعينا نتحدث عن معبد الليل. كلما سمعت عنه أكثر، شعرت أنه أغرب مما توقعت… أليس من المفترض أن يكون مجرد قلعة خاصة بعشيرة فالور؟ ما قصته؟”
صمتت كاسي قليلًا، ثم أخذت رشفة من القهوة وتنهدت.
“معبد الليل… كيف أصفه؟ إنه مكان مريب. أول شيء يجب أن تعرفه، أظن، هو أنه في الواقع يقع أسفل الجزيرة الشمالية، لا على سطحها. في ظل أبدي… ما يجعل الوصول إليه أصعب، لكنه أيضًا أسهل في الدفاع عنه. أشك في أن جيشًا من مخلوقات الكابوس – أو حتى من المستيقظين – يمكنه أن يستولي عليه بالقوة.”
توقفت للحظة، ثم تابعت:
“للوهلة الأولى، يبدو كأنه موقع حدودي لفرسان فالور، قاعدة انتقالية كانت مُعدة لتكون نقطة انطلاق لتقدمهم شمالًا خلال عقود التوسع السابقة. لكن، كما تعلم، بعد أن واجه البشر الجبال الجوفاء، توقّف تقدمنا في ذلك الاتجاه. ومع ذلك، ما زال معبد الليل قائمًا.”
عبس ساني.
“إذًا… هو فارغ في الأساس؟”
أخفضت كاسي رأسها.
وحين تحدثت، بدا في صوتها شيء من التوتر:
“منطقيًا، من المُفترض أن يكون كذلك. لكنه ليس كذلك.”
{ترجمة نارو…}