عبد الظل - الفصل 2078
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2078 : شظايا الحرب (15)
واقفًا وسط الأنقاض، أخذ كاي نفسًا عميقًا، ثم تنهد ببطء.
انطلقت عاصفة قوية من الرياح من تلك الأنفاس، فأرسلت سحابة من الغبار تتصاعد في الهواء.
وعندما رفع رأسه، اختفى الهدوء المعتاد من عينيه الخضراوين المرحبتين، وحل محله بريق بارد وحاد.
بدا الليل فجأةً أكثر قتامة، حيث غنت الرياح أغنية مخيفة وهي تهب عبر الأنقاض.
“هل أنت مستعد؟”
نظر إلى مورغان من فالور وأومأ برأسه باقتضاب.
ظهرت ابتسامة شاحبة على شفتيها القرمزيتين.
“لا وقت نضيعه إذن.”
نظر كاي بعيدًا. واخترقت نظراته أكوام الأنقاض الحجرية، والامتداد الشاسع للبحيرة الفارغة، وسور الأشجار المحروقة التي تقف على شاطئها البعيد. لم يكن هناك عائق يمكن أن يحجب رؤيته، ولا مسافة بعيدة جدًا…
حسنًا، على الأقل نظريًا.
في الحقيقة، لم يكن كاي قادرًا على رؤية مدى بعيد رغم قدرته على تمييز حبات الرمل الفردية على شاطئ يبعد عدة كيلومترات. وكان ذلك لسبب بسيط… انحناء العالم. لم يكن العالم مسطحًا، لذلك في الظروف العادية، يخفي انحناؤه الأشياء على بعد حوالي خمسة كيلومترات.
على الأقل، هذا كان الحال على الأرض. أما هنا، في عالم الأحلام، فالأفق لم يكن بهذا الثبات. ماذا يمكن أن يتوقع أحد من عالم سماؤه عبارة عن فسيفساء من سماوات مختلفة؟، أحيانًا، يكون الأفق على بعد خمسة كيلومترات. وفي أماكن أخرى، يكون أبعد أو أقرب بشكل ملحوظ. وفي أماكن معينة، لا يوجد انحناء للعالم على الإطلاق.
كانت تلك الأماكن قليلة ومتباعدة، مع ذلك، لذلك كان لا يزال هناك حد لمدى ما يمكن أن يراه كاي عادةً.
بإمكانه محاولة اختراق أعماق الأرض بنظره، متجاهلًا الأفق. ولكن قدرته المستيقظة لم تكن كليّة القدرة. لم يكن القيام بشيء كهذا مستحيلًا، ولكنه كان يكلف جوهرًا أكثر مما يحتمل.
خاصةً عندما كان هناك طريقة أبسط بكثير لرؤية ما خلف الأفق – بسيطة للغاية، لدرجة أنها متاحة للجميع… ولكنها كانت متاحة لكاي على نحو خاص.
يتعلق الأمر بالنظر إلى الأفق من ارتفاع.
كلما ارتفع المرء، قلت أهمية انحناء العالم. وبالمثل، كلما كان الهدف أطول، أصبح من الأسهل رؤيته من مسافة بعيدة. كانت حقيقة واضحة، ولكنها وجدت معنى جديدًا في معارك المخلوقات المتسامية.
وهذا هو السبب في أن ما كان كاي على وشك القيام به كان خطيرًا.
بعد شهر من المعارك العنيفة، لم يتبقَ الكثير من النقاط المرتفعة في الأطلال القديمة. كل شيء قد تم تدميره وتحويله إلى أكوام من الأنقاض… ولكن لم يكن كاي بحاجة إلى تسلق برج عالٍ.
بدلًا من ذلك، ارتفع ببساطة في الهواء، صاعدًا بشكل طبيعي إلى سماء الليل.
أعلى، وأعلى، وأعلى أكثر…
حتى أصبح العالم كله أمامه كلوحة منيرة بنور القمر.
لبضعة لحظات، ظهرت ملامحه الرشيقة متوهجة أمام شظايا القمر المحطم المنيرة.
ثم أخذ كاي نفسًا عميقًا ورفع قوسه.
كان ذلك القوس ذكرى متسامية من الطبقة الخامسة، حصل عليها لقاء قتله للطاغية الفاسد، جذر القبر الخبيث، في القارة القطبية الجنوبية. كان سلاحًا ساميًا وقاتلًا، أكثر من كافٍ لتحقيق أهدافه.
ما كان له نفس الأهمية هي الأسهم التي سيستخدمها. فكاي يمتلك الكثير من الأسهم المتسامية، كل منها مناسب لمهمة مختلفة… معظمها كان مخصصًا لجلب الموت والدمار الذي لا يوصف.
حتى أنه امتلك سهمًا فائقًا واحدًا. ومع ذلك، لم يكن الآن الوقت المناسب لاستخدامه بعد.
محلقًا عاليًا فوق أنقاض باستيون الحقيقية، متوهجًا بنور القمر ومعانقًا الرياح، وجه كاي نظره نحو الامتداد المظلم للغابة العتيقة. وهناك، على بعد عشرات الكيلومترات، تحرك العدو تحت غطاء الأغصان الملتوية.
ولكنه لم يستطع أن يختبئ من كاي، وخاصة الآن بعد أن أشارت له مورغان في الاتجاه الصحيح.
“هناك.”
أخبرتهم الأميرة أن الهجوم الأخير سيبدأ بموجة من مخلوقات الكابوس – وهذه المرة كانت أقوى بكثير من تلك التي استخدمها موردريت كأوعية من قبل، والتي جمعها سرًا خلال شهر المعارك المروعة.
كان على كاي التأكد من أن مخلوقات الكابوس قد دُمِّرت، أو على الأقل أضعِفت بشدة، قبل أن تصل إلى أطلال القلعة القديمة.
بتثبيت سهم على وتر قوسه المسحور، شد كاي عضلاته وسحبه إلى أذنه. بشعره الكستنائي يتطاير بعنف في الرياح وعينيه الخضراوين تتألقان تحت نور القمر، نظر ببرود إلى الامتداد المظلم للغابة الرجسة.
ثم قال:
“اضرب بدقة.”
كانت كلماته أمرًا مشبعًا بسلطة صوفية… موجهًا إلى نفسه، ولكن أيضًا إلى العالم ذاته.
شعر كاي باندفاع مفاجئ لقوة رهيبة، وأطلق الوتر.
كان هناك دويٌ مدوٍ عندما فعل ذلك.
وانطلق السهم بسرعة مذهلة، ممزقًا السماء المظلمة. وطار أبعد وأبعد، عابرًا بسهولة البحيرة الجافة ومخترقًا الغابة العتيقة.
حتى، أخيرًا…
على بعد عشرات الكيلومترات، اخترق بصمت ودقة عين مخلوق كابوسي يتحرك بسرعة.
وبعد لحظة، هز انفجار هائل أساسات العالم.
انتشرت كتلة نارية ضخمة من نقطة الاصطدام في خط مستقيم، مبتلعة عدة كيلومترات مربعة من الغابة الرجسة. احترقت أشجار لا تُحصى، وتحطمت أخرى وسقطت تحت تأثير موجة صدمة مدمرة. ارتفع عمود شاهق من اللهب الهائج عاليًا في السماء، ثم انحسر، منتشرًا في كل الاتجاهات.
تمزق ظلام الليل بسبب الوهج العنيف لتلك النار الجائعة.
…وعلى بعد عشرات الكيلومترات، في السماء الصامتة فوق القلعة المدمرة، راقب كاي الدمار بهدوء.
كان قد عثر بالفعل على عدة أوعية أخرى لأمير اللاشيء، وكان سهم ثانٍ يتشكل في يده.
بالطبع، لابد أن يكون موردريت قد لاحظه أيضًا.
بعد كل شيء، في هذا الأرتفاع لم يكن كاي مخفيًا عن الأنظار بواسطة الأفق.
في الواقع، كان مرئيًا بوضوح ومكشوفًا تمامًا – بل وهدفًا مثاليًا.
ولم يكن الوحيد القادر على إطلاق مقذوفات تعبر مساحات شاسعة مثل البحيرة الفارغة.
“أتساءل… كم مرة متّ بهذه الطريقة.”
شعر أنه سيكون من المؤسف أن يموت خلال الموجة الأولى من الهجوم. فهذه المخلوقات الكابوسية مجرد مقدمة، بعد كل شيء… أما الوجبة الرئيسية فلم تظهر بعد. وفقًا لما قالته مورغان، فإن موردريت سيستخدم اليوم هذه الأوعية المنهوبة وأجساد قديسي الليل بالتناوب.
في الواقع، لم يكن كاي متحمسًا للموت في الموجة الثانية أيضًا. فقد فضل البقاء على قيد الحياة. هناك الكثير من الأشياء التي يمكن الاستمتاع بها في الحياة، وهناك أيضًا أشياء يجب عليه القيام بها.
فالحياة ثمينة.
ومع ذلك، لم يهبط إلى الأرض بحثًا عن غطاء.
بدلًا من ذلك، ثبّت السهم الثاني على الوتر، وسحب قوسه مرة أخرى.
ثم صدى صوته في السماء المظلمة مثل لحن جميل ومروع.
“…دمر.”
بدأت المعركة النهائية من أجل باستيون – الأحدث في سلسلة طويلة من المعارك النهائية السابقة – مرة أخرى.
ترجمة امون