عبد الظل - الفصل 2073
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2073 : شظايا الحرب (10)
كان مشهدًا غريبًا ومريبًا يتجلى تحت سماء قبر السَّامي المتوهجة.
ودارت معركة عظيمة فوق هاوية مظلمة بلا قاع… ولكنها كانت ساكنة تمامًا، وكأن الزمن قد تجمد في مكانه.
على الجانب الجنوبي من الهاوية، وقفت أسراب من الجنود وكأنهم تماثيل. بعضهم منتصبًا، والبعض الآخر متجمدًا في منتصف خطوته. وتصبب العرق على وجوههم الشاحبة، وعيونهم ممتلئة بالاستسلام القاتم… ولكن لم يتحرك أي منهم.
أمامهم، تلطخ السطح الأبيض للعظمة القديمة بالدماء. وكان هناك ذات مرة جسرٌ عظيم يعبر الهاوية – ولكن ذلك الجسر قد اختفى، وحل محله جسر جديد بُني على أنقاضه، وبدا وكأنه معجزة من الهندسة العسكرية.
كان الجسر الجديد مدعومًا بكابلات فولاذية أُطلقت عبر الهاوية بواسطة معدات حصار قوية وتم تثبيتها في العظام، مع منصات مؤقتة وعوارض متقاطعة تدعم أرضية خشبية واسعة.
وكانت تلك الأرضية الآن مطلية بالأحمر الآن، تغطيها أجساد لا تُعد ولا تُحصى مثل بساطٍ مروع. هلك العديد من الجنود أثناء محاولتهم بناء الجسر على عجل تحت وابل من السهام – والتروس الضخمة التي استخدموها لحماية أنفسهم كانت هناك أيضًا، محطمة وممزقة بواسطة تعاويذ سحرية قوية وقدرات الجوانب التدميرية للمُدافعين.
وكذلك هلك العديد أثناء محاولتهم عبور الجسر. ولكن كان هناك كثيرون ما زالوا أحياء… وكلهم كانوا ساكنين تمامًا، بعضهم رابضين خلف تروسهم، والبعض الآخر واقفًا بثبات. وحتى الجرحى بقوا بلا حراك، ينزفون بصمت في وسط معركة متجمدة.
تساقطت الدماء من الجسر مثل مطرٍ قرمزي، تغلي وتتبخر تحت نور الشمس الساطع.
وفي نهاية الجسر، أرتفع حصنٌ عظيم فوق الهاوية المظلمة. وتراكمت الجثث تحت جدرانه الطويلة، حيث كانت المعركة في أشدها شراسة. ورغم الخسائر الفادحة، نجح المهاجمون في رفع سلالم الحصار وربط خطافات الحبال بأعلى الأسوار – وحاليًا، صعد عدد لا يحصى من المحاربين، يائسين للاستيلاء على الجدار.
أو بالأحرى، كانوا يتسلقون. في هذه اللحظة، كانوا مثل تماثيل متجمدة أيضًا. وقف الجنود بلا حراك على درجات السلالم، ممسكين بتروس مسحورة فوق رؤوسهم. آخرون كانوا متشبثين بالحبال بنظرات يائسة، وعضلاتهم المعذبة ترتجف من الإجهاد.
وأخيرًا، كان هناك أولئك الذين بلغوا قمة الجدار.
كانت سِيد من بين هؤلاء القلة.
ووقفت أعلى السور، بلا حراك، محدقةً في طرف نصل العدو الذي توقف على بعد سنتيمترات قليلة من رقبتها.
كان النصل قريبًا جدًا، ولكنه فشل في لمس بشرتها طوال ساعة كاملة.
وحولها، بدت المعركة الضارية وكأنها تجمدت في الزمن. محاربو الجيشين العظيمين كانوا متشابكين، يقاتلون ويموتون، ويقتلون بعضهم البعض – ولكنهم جميعًا كانوا ساكنين، لا يجرؤون على التحرك ولو لسنتمتر واحد.
بعضهم على وشك قتل خصومهم، والبعض الآخر على وشك أن يُقتل. وتألقت عيونهم بالرعب، الذعر، الاستياء، الغضب، والشهوة للدماء… أو خفتت مع الخدر، اليأس، والإرهاق.
ولكنهم جميعًا قد بقوا ساكنين.
كان ذلك عذابًا بديعًا، أن يكون فأس الجلاد معلقًا فوق عنقك، لا يبتعد ولا يسقط، دون نهاية.
… كانت رقائق الرماد تطفو في الهواء.
وبالطبع، توقفت المعركة الضارية عندما انقشع حجاب السُحُب فوق ساحة المعركة، وانسكب نور الشمس المروّع من الجحيم الأبيض النقي في الأعلى.
غُمرت مشاهد المذبحة المتجمدة بنور ساطع، مما جعل المجزرة المروعة تبدو وكأنها مشهد سماوي وغريب. بالطبع، لم يكن هناك شيء جميل في الأمر – فالحرب دائمًا بشعة، وهذه المعركة كانت شديدة القسوة بالنسبة لجيش السيف.
قبل أيام قليلة، انقسم جيش نطاق السيف العظيم إلى قسمين. اتجه فوج كبير نحو الضلع الغربي الأول – والأضعف بين معقلَي العبور. أما الجسد الرئيسي للجيش، فقد واصل طريقه شمالًا، حتى وصل إلى المعقل الأكبر على حافة سهل الترقوة.
رافق لورد الظلال الفوج الغربي، بينما لم يصل كل من نجمة التغيير ومد السماء بعد إلى ساحة المعركة. ومع ذلك، أصدر الملك أمرًا للجنود بشن هجوم لاستطلاع دفاعات العدو.
وهكذا، وجد حراس النار أنفسهم يشاركون في معركة واسعة النطاق دون سيدتهم للمرة الأولى منذ سنوات عديدة.
في البداية، بقيت القوات النخبوية لجيش السيف في الخلف، تاركةً القوات المستيقظة الأقل خبرة لتتجمع وتتقدم لبناء الجسر – كان قرارًا عمليًا، ولكنه قاسٍ. فالخسائر في صفوف المهندسين العسكريين والجنود المساعدين لهم كانت مروعة…
بالطبع، أُرسل حراس النار في الموجة الأولى أيضًا.
وكانوا أول من وطأ الجسر الجديد، يقودون الهجوم عبر امتداده الطويل تحت وابل من الهجمات البعيدة.
وربما بدونهم، لكان الهجوم قد انتهى قبل أن يصل إلى جدران الحصن. ولكن شق حراس النار طريقًا عبر الهاوية، مما أتاح لجنود جيش السيف التقدم.
كانت البوابات منيعة للغاية بحيث لا يمكن اختراقها دون كبش حصار قوي بما يكفي، وهو أمر يصعب حمله عبر الهاوية حتى يتم توسيع الجسر وتعزيزه. لذلك، كان الخيار الوحيد هو تسلق الجدار ومحاولة الاستيلاء عليه.
وقد فعلوا ذلك…
ولكن بتكلفة باهظة.
مات عدد أكبر بكثير من الجنود تحت أسوار المعقل الأكبر. أما حراس النار… فقد أدار الحظ، الذي كان إلى جانبهم منذ الشاطئ المنسي، ظهره لهم أخيرًا، وتكبدوا أولى خسائرهم منذ حصار البرج القرمزي.
مليئةً بالمرارة والاستياء، لم تستطع سِيد إلا أن تفكر، ربما كان هذا هو العقاب الحقيقي الذي أراده الملك لسيدتهم. ليس فقط بإبعادها، بل بإرسال جنودها إلى خطر مميت في غيابها.
‘اللعنة عليه… اللعنة على عشيرته بأكملها…’
ولكن لم يكن هناك وقت للحزن في خضم معركة مميتة. على الرغم من فقدان عدة أشخاص، كان حراس النار أول من تسلق الجدار.
وكان هناك، عندما كان محاربو جيش السيف يحاولون بشدة إنشاء موطئ قدم على الأسوار، أنقشعت السُحُب، وغمر العالم بالإشعاع الساطع.
وتوقفت المعركة في لحظة.
وبقيت مجمدةً في مكانها، وبعد مرور الأبدية، مع تحرك رقائق الرماد فقط في العالم الساكن والخالي من الحركة.
شعرت سِيد بقطرة عرق تنساب على وجهها.
ثم، أطلق جندي جريح كان رابضًا على بعد خطوات قليلة أنينًا متعبًا واهتزّ، بينما كان الدم يتسرب بين أصابعه.
ثم انهار الرجل.
…وتحول جسده إلى رماد قبل أن يلمس الأرض حتى.
شاهد عدد لا يحصى من الأشخاص موته، ولكن لم يتحرك أحد. لم يرد فعل أحد. لم يشيح أحد حتى بنظره.
وبعد لحظة، ساد الصمت ساحة المعركة الضارية مجددًا، مع غناء الرياح فقط لأغنيتها اللامبالية.
أخذت سِيد نفسًا ضحلًا وركّزت على نصل السيف الذي كان على بعد سنتيمترات قليلة فقط من عنقها، مستعدًا لقطعه في أي لحظة.
‘ما العمل؟’
لم يكن هناك شيء لتفعله.
كل ما يمكنها فعله هو الانتظار.
ترجمة امون