عبد الظل - الفصل 2068
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2068 : شظايا الحرب (5)
…لقد أتى دون أن يُرى، بلا صوت، ودون أي تحذير.
أو ربما لم يأتِ على الإطلاق.
بقي محاربو جيش السيف يوجهون سيوفهم نحو الفراغ الرمادي، خائفين – متمنين – أن يروا ظلالاً مبهمة لمخلوقات الرجس وهي تهرع نحوهم من بين الرماد.
ولكن، كما كان الحال من قبل، لم يكن هناك أي أثر للعدو.
وبدلاً من ذلك، كان الفارس الذي يقف بجانب جلعاد موجوداً للحظة، ثم اختفى في اللحظة التالية.
لم يلاحظ جلعاد حتى متى اختفى الرجل. كان الأمر كما لو أنه أدرك فجأة وجود فراغ على يساره، وعندما أدار رأسه، رأى أن لا أحد يقف هناك.
…وبحلول الوقت الذي أعاد فيه النظر، كان الفارس الذي يقف على يمينه قد اختفى هو الآخر.
ترددت صرخة مكبوتة في الفراغ الرمادي، تحملها الرياح بعيداً. لم تكن صرخة أحد الأسياد المفقودين، بل كانت صرخة أحد رفاقهم الذين لاحظوا اختفاء الآخرين ولم يتمكنوا من كبح جماح خوفهم.
لم يستطع جلعاد إلقاء اللوم عليه.
حتى هو، الذي واجه الكابوس الثالث وخاض معارك لا تعد ولا تحصى منذ ذلك الحين، شعر بعدم الارتياح والاضطراب، وعجزٍ تام في هذا الجحيم الرمادي.
هذا هو الخطر الذي يحيط بالاقتراب الشديد من سطح الأرض في قبر السَّامِيّ. عندما تعصف الرياح، فإنها تحمل معها سحب الرماد من البحر أدناه… وعندما يغطي الرماد العالم كحجاب، تظهر مخلوقات تقطن الأعماق إلى السطح أيضاً.
كان يأمل أن يواجهها في معركة، مهما كانت تلك المعركة مروعة، ولكن منذ اليوم الذي وصلوا فيه إلى أطراف الأدغال القرميزية وحتى الآن، لم يلمح أحد حتى كيف يبدو هذا العدو المروّع.
في البداية، كانوا سعداء بالفرار من الأدغال. ولكن أدرك جلعاد لاحقاً أن هناك سبباً لبقاء العدوى القرمزية بعيدة عن السفوح السفلية لعظمة الفخذ العملاقة.
لأنها كانت قريبة جداً من بحر الرماد… والآن هم أيضاً كذلك.
بغضب واستياء، فعل جلعاد الشيء الوحيد الذي يمكنه فعله – واصل مراقبة الرماد وبقي يقظاً قدر الإمكان.
…وبحلول الوقت الذي هدأت فيه الرياح وتبددت سحب الرماد، كاشفةً الامتداد الشاسع للعظمة البيضاء المحروقة تحت أشعة الشمس مرة أخرى، لم يتبقَّ سوى نصف جنوده. وأنهار فرسان فالور الشجعان – من بقي منهم – على الأرض، ووجوههم شاحبة لدرجة بدوا معها كأشباح.
شاحبة كالرماد.
طرد جلعاد قدرة تحوله وبقي بلا حراك لفترة، يعد الناجين ويدوّن أسماء رفاقه الذين رحلوا.
آملاً أن يكونوا قد ماتوا… أو ربما قد حُكم عليهم بمصير أشد رعباً بكثير.
أثناء عدّه للمفقودين، اقتربت منه المرأة التي تحمل المظلة مرة أخرى، وجهها محاطًا بظلال باردة.
وكانت عيناها الخضراوان باردتين وقاتمتين.
“هل أعدت النظر في التخلي عن هذه الحملة الاستكشافية المحكوم عليها بالفشل، سير جلعاد؟”
حدّق فيها لبضعة لحظات، ثم هز رأسه.
ضحكت.
بعد فترة، سألته:
“…إنه عيبك، أليس كذلك؟”
رفع حاجبه ببساطة.
“ماذا تعنين بالتحديد؟”
راقبت ملامحه بنظرة باردة.
“ولاؤك الذي لا يتزعزع. إنه نتيجة لعيبك، أليس كذلك؟، لهذا السبب تخدم الملك بهذه الإخلاص، رغم أنك تحتقره وتحتقر عائلته كثيراً.”
ابتسم جلعاد بخفة وأشاح بنظره بعيداً..
وبعد فترة، تنهد.
“أنتم البشر… كلكم متشابهون.”
رفعت المرأة التي تحمل المظلة حاجبها.
“أوه؟”
أومأ برأسه.
“لا يمكن لأي منكم أن يتخيل عالماً يبقى فيه الرجل مخلصاً لقسمه لسبب آخر غير عدم وجود خيار آخر. نعم… أنا مخلص للملك. ونعم، مع مرور الوقت، شعرت بالكراهية تجاه الرجل الذي أُخلص له. ولكن لا، ليس لعيبي أي علاقة بالأمر.”
تلاشت ابتسامته، واستدار جلعاد نحو المرأة، ناظراً إليها بتعبير قاتم.
“إنه ببساطة خياري. هناك أشياء قليلة في هذا العالم المروع يمكننا التحكم بها – نحن لا نختار ولادتنا، ولا حياتنا، ونادراً ما نحظى بفرصة اختيار موتنا أيضاً. ولكن لا تزال هناك بعض الخيارات التي تخصنا وحدنا. منذ زمن بعيد، اخترت أن أكون فارساً من عشيرة فالور. هذا كل ما في الأمر، ولهذا أنا مخلص للملك.”
راقبت المرأة ملامحه بتعبير يحمل لمحة من الارتباك.
“حتى لو لم يكن الملك يستحق هذا الولاء؟”
عبس جلعاد.
لماذا هي جريئة إلى هذا الحد؟، صحيحٌ أن الورثة من العشائر التابعة كانوا دائماً أقل ولاءً للعرش مقارنة بأعضاء عشيرة فالور وأتباعها، ولكنهم كانوا لا يزالون ثابتين بما يكفي ومخلصين للقضية. والأهم من ذلك، لم يكن لديهم خيار آخر سوى الولاء.
لأنه لا أحد يستطيع هزيمة السيادي.
ما الذي تغير؟.
هل أثر الضغط الناتج عن الحرب والخسائر المتزايدة حتى على ورثة العشائر الفخورين؟، أم أن هذه الإرث بالتحديد كانت وقحة بطبيعتها؟.
في النهاية، اكتفى برفع كتفيه.
“ما علاقة شخصية الملك بولائي؟، إنه ولائي، وليس ولائه. أنا من أقسمت العهد، وليس هو. إذا كان الوفاء بعهد ما يعتمد على شعورنا تجاه الوفاء به لاحقاً، فلن تكون هناك قيمة تُذكر لكلمة المرء، أليس كذلك؟”
راقبته المرأة لفترة، ثم تنهدت وهزت رأسها.
“نعم… أنت رمز للفروسية، يا سير جلعاد. فارس نُبله وفضيلته فوق كل شبهة. أرجو أن تقبل إعجابي العميق وتقديري. ولكن ماذا عنا نحن؟، لا بأس إذا كنت مستعداً للسير بسعادة نحو حتفك بأمر من الملك. لكن هل يجب أن تجرنا معك؟”
حدق جلعاد فيها بصمت لبضعة لحظات.
ثم ابتسم.
“عما تتحدثين؟، بالطبع يجب علي ذلك. أعني…”
أشار بيده جنوباً وأضاف بلا مبالاة:
“لا يمكنني المطالبة بالقلعة بنفسي، لأنني أملك واحدة بالفعل في نطاق السيف. لذا، أحتاج على الأقل إلى قديس آخر يبقى على قيد الحياة ويقوم بذلك نيابة عني.”
نظرت إليه بلا أي علامة على التسلية.
“بالتأكيد، أنت تمزح.”
ضحك جلعاد واستدار بعيدًا.
“سيكون العجوز جيست مناسبًا، نظرًا لأن بوابة النهر قد دُمرت. للأسف، إنه ليس هنا. لكننا هنا، لذا… لنكمل قبل أن تشتد الرياح مجدداً.”
تنهدت المرأة واختبأت تحت مظلتها، تتمتم بشيء بصوت خافت.
نهض الفرسان المذعورون من الأرض.
وبعد دقيقة، واصل ما تبقى من قوة الغزو طريقهم جنوباً.
ترجمة امون