عبد الظل - الفصل 2020
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2020 : جشع رجلٍ واحد
بعد فترة وجيزة من النداء المدوي الأول لبوق الحرب، دوى نداء آخر، مترددًا عبر ساحة المعركة مثل موجة مدٍ عاتية. شعر صني للحظة بالإعجاب بالاستعدادات اللوجستية التي جرى اتخاذها لخوض هذه الحرب… فليس من السهل التغلب على الضجيج الصاخب لمعركة متسامية.
وهذا يعني أن كلا الجيشين كان قد أعدّ أدوات قادرة على إيصال الأوامر إلى مئات الآلاف من الجنود المتحاربين مسبقًا.
لم يكن ذلك مفاجئًا حقًا. بعد كل شيء، كان لكل من فالور وسونغ خبرة غنية في إخضاع المناطق البرية في عالم الأحلام. كانوا يعرفون كيفية إرسال إشارات لقواتهم عندما يجدون أنفسهم محاصرين من أسراب مخلوقات الكابوس الهادرة.
وعلى أي حال…
أدرك مدى إرهاقه عندما لاحظ أن عقله بدأ يتشتت.
أخبر صوت البوقين صني بكل ما كان يحتاج إلى معرفته في تلك اللحظة.
كان البوق الأول قد أتى من موقع جيش الأغنية… مما يعني أن المعركة انتهت، وأن جيش السيف قد ألحق بالعدو هزيمة ساحقة.
أما البوق الثاني، فقد أتى من اتجاه الصدى الشاهق – وربما لم يكن بوقًا على الإطلاق، بل ببساطة هدير ذلك المخلوق العملاق. وكان معناه واضحًا تمامًا.
كان ملك السيوف يأمرهم بعدم المطاردة.
مع إخفاء تعبيره خلف قناع ويفر، أطلق صني تنهيدة هادئة من الراحة.
إن نداء كي سونغ للتراجع يعني أن قديسي جيش الأغنية قد هُزموا على الرغم من تفوقهم العددي الكبير. وأمر أنفيل قديسيه بالتوقف… ربما يعني أنه لا يرغب في تجاوز الخطوط الحمراء للملكة بعد.
وأنه كان راضيًا بالفعل عن النتيجة.
‘… إذاً، لقد انتصرنا.’
لا يزال صني غير قادر على تصديق ذلك تمامًا.
كان يعلم أنه قد انتصر، بالطبع. وكان متأكدًا أيضًا أن نيفيس قد سحقت نصيبها من الأعداء. وستكون كاسي بخير أيضًا… كانت دائمًا كذلك.
ولكن، مع ذلك. فكرة أن ثلاثة وعشرين قديسًا قد هزموا ضعف هذا العدد من المتسامين الأعداء بدت… غير معقولة.
ولكن كان الدليل مستحيل الإنكار.
في كل مكان نظر إليه، كان الحجاج المتبقون يستديرون ويبتعدون ببطء عن ساحة المعركة.
حتى أنه رأى عددًا من القديسين المرهقين يترنحون وهم يغادرون أيضًا.
وهذا ما وضعه أمام معضلة.
بينما كان لا يزال يضع طرف الأوداتشي الخاص به على عنق العواء الوحيد، حدّق صني فيها من خلال عيني قناع ويفر.
…ماذا من المفترض أن يفعل الآن بعدما انتصر؟.
كان ابن آوى قد قُتل. فقدت سيدة الوحوش وسيريس وعيهم. وكانت سيورد وقديس الحزن مصابين بجروح بالغة لا تمكنهما من المقاومة. وكانت المطاردة الصامتة على الأرض، وثلاثة من تجسيداته يقفون فوقها بأسلحة مسلولة جاهزين للهجوم.
وكانت العواء الوحيد راكعة على ركبتيها، تحت رحمته.
لم تكن تتحرك، فقط تحدق فيه من الأسفل بنظرات عبارة عن مزيج من الهزيمة والخوف والغضب المرير المشتعل في عينيها المتوحشتين. كان وجهها شاحبًا ومغطى بالدماء، وكانت تصر على أسنانها لتحبس أنين ألمها.
‘هل من المفترض أن أتركهم يذهبون؟’
بدا الأمر غير عادل تمامًا، أن يترك فريسته تفر. لا شيء سيمنع هؤلاء القديسين من التعافي والمشاركة في المعركة القادمة، بعد كل شيء…
في الوقت نفسه، لم يكن بإمكان صني أن يحتجزهم أسرى. كيف له أن يسجن قديسين؟، حتى لو قيدهم وأغلق عليهم داخل المعبد عديم الاسم، يمكنهم ببساطة الفرار إلى عالم اليقظة. لا سلاسل أو أقفال يمكن أن توقفهم.
كان متأكدًا أن أنفيل يستطيع ذلك. فقد كان ملك السيوف قد سجن أوروم، بعد كل شيء… ولذا، كان هناك نوع من السجون الرونية قد أُنشئت بالفعل هنا في قبر السَّامِيّ.
ولكن هل يرغب صني حقًا في منح السيادي رهائن من الدم الملكي؟.
هذا مستحيل. إذا فعل ذلك، فسيكون مسؤولًا عن أي فظائع يقرر أنفيل ارتكابها بحق الأسرى.
لذا، لم يكن أمام صني سوى خيارين.
إما إنهاء القديسين المهزومين هنا والآن… أو تركهم يذهبون.
ولم يحتفظ بحياتهم فقط ليقتلهم بعد انتهاء المعركة.
بالطبع… لا بد أن العواء الوحيد وبقية قديسي الأغنية كانوا يعتقدون خلاف ذلك.
بحكم نظراتهم، بدا أنهم تحت وهم أن صني كان نوعًا من الوحوش غير المقدسة.
لا، حقًا… هل كان من الضروري أن يبدوا مرعوبين إلى هذا الحد؟.
‘…وهذا كله بعد أن بذلت جهدي لأكون لطيفًا…’
هز صني رأسه ذهنيًا، وتنهد، ثم سحب الأوداتشي وأشار باتجاه جيش الأغنية البعيد.
عندما تحدث، كان صوته باردًا وغير مبالٍ:
“…ارحلوا.”
حدقت فيه العواء الوحيد، ووجهها الملطخ بالدماء أزداد شحوبًا.
والغريب أنها لم تتحرك لتنهض من ركبتيها.
بدلًا من ذلك، صرت على أسنانها بقوة أكبر، ثم بصقت:
“لماذا… تسمح لنا بالرحيل؟”
نظر إليها صني، وشعر بالارتباك.
كان سيكون قد ركض بعيدًا لو كان في مكانها.
ومع ذلك، كان عليه أن يتوصل إلى إجابة…
إن إلقاء اللوم على نيفيس مجددًا لم يكن حكيمًا – فمن المحتمل أن يكون ملك السيوف يستمع، وإذا علم أن ابنته أمرت سرًا أقوى محارب لديه بأن يعفو عن نخب العدو، فقد يتسبب ذلك في مشكلات خطيرة لاحقًا.
وبعد اليوم، لن يكون هناك شك في من هو أقوى عضو في جيش السيف خارج العائلة الملكية، بلا شك.
فماذا كان يجب أن يقول صني؟.
…لحسن الحظ، كان هذا التجسيد يرتدي قناع ويفر.
في النهاية، رفع كتفيه وأجاب بهدوء:
“أنا مجرد سيف مأجور. أجري مرتفع، ولكنه ليس مرتفعًا بما يكفي لبدء ثأر دموي مع ملكة سونغ.”
بمعنى…
‘أنتِ أميرة، وأنا مجرد مرتزق. لست مجنونًا بما يكفي ولا أجد الدافع لقتل بنات كي سونغ، وبالتالي مما يمنحها سببًا لمطاردتي شخصيًا!’
بعد تفكير ثانٍ، كان ذلك يعني ضمنيًا أن صني قد يكون مستعدًا لفعل شيء كهذا إذا كان الأجر مرتفعًا بما فيه الكفاية.
كان يأمل أن تفوت العواء الوحيد هذه النقطة.
حدقت فيه لبضعة لحظات، ثم أطلقت فجأة ضحكة مريرة وفارغة.
“إذن هذا هو السبب؟، لا أستطيع… لا أستطيع تصديق ذلك. سيف مأجور!، إذًا ربما قد تعتمد نتيجة المعركة، وقدر العالم بأسره… على شيء تافه مثل جشع رجلٍ واحد؟”
نظر إليها صني بصمت لفترة.
ثم أمال رأسه للخلف وضحك.
بدت ضحكته مخيفةً وشريرة، ترددت عبر ساحة المعركة المدمرة مثل رياحٍ باردة.
“لماذا؟، هل تظنين أننا مختلفون إلى هذا الحد؟”
هز رأسه، ثم نظر إلى الأميرة الراكعة وأكمل بصوت هادئ وبارد يحمل لمحةً من الازدراء:
“لا. ملك فالور، ووالدتكِ، وأنا… نحن متشابهون تمامًا. الأمر فقط أنهم جشعون لمزيدٍ من الأشياء عديمة الطعم.”
وبذلك، خطا صني خطوة للخلف وذاب في الظلال.
تُركت العواء الوحيد جالسةً على ركبتيها في عزلة.
كان صدى ضحكته الشريرة، وكلماته الثاقبة، لا تزال تتردد في أذنيها.
ترجمة آمون