عبد الظل - الفصل 2243
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2243 : الجمر والرماد
انغمست نيفيس في الألم للحظات وجيزة…
وبدت كل لحظة أشبه بالأبدية.
كان عذاب تمزيق أنوية روحها لا يُوصف. وإذ أدركت أن أمامها فرصة واحدة فقط، لم تتردد، بل مضت أبعد مما سبق، مُدمرةً ليس نواةً واحدة، بل ستة منها في آن واحد لتؤجج لهيبها.
ومع انطلاق محيطٍ لا حدود له من اللهب الهائج، الذي كان محصورًا في روحها، بهديرٍ يصم الآذان، كافحت بكل كيانها لتوجيهه بدلًا من أن يستهلكها.
أرادت أن تُخضعه.
سقط شعاع الإشراق الأبيض المتوهج على الثلج المتصاعد، واحترقت روحها المكسورة، مُشوّهةً، ومُغلفةً بلهبٍ ساطعٍ وعلى وشك الانطفاء. لم يُخلق البشر لامتلاك أكثر من نواة روح واحدة، ولكن حتى لو امتلكها أحدهم، فإن فقدان ستة منها كان سيُبيده تمامًا وفي لحظة…
لكن كانت روح نيفيس مميزة. اشتعلت شبكة الشقوق المخترقة لساحة المعركة المتصدعة بإشعاع أبيض ناعم، مُضاءً من الأسفل.
كان الانفجار مدمرًا للغاية، إذ لم يُزلزل سهل العظام المحطم فحسب، بل قبر السَّامِيّ بأكمله. كان أقوى بعشرات المرات من الانفجار الذي دمّر الشفق، بل وأقوى بكثير من الحريق الهائل الذي استدعته لتدمير الباحث الأول.
في النهاية، كانت نيفيس مجرد سيدة آنذاك. أما الآن، فقد أصبحت متسامية، وهكذا، فإن الروح التي كانت تحرقها لتأجيج اللهب أصبحت متسامية أيضًا.
لهذا السبب دفعت نيفيس كي سونغ إلى الهاوية. لو أنها تسببت في الانفجار على السطح لا في التجاويف، لكانت موجة الصدمة الناتجة قد أهلكت كلا الجيشين العظيمين.
بدلاً من ذلك، كانت الأدغال القديمة هي التي احترقت.
مخلوقات الكابوس هناك – أولئك الذين نجوا من عاصفة الثلج القاتلة – جُرحوا وضعفوا…
كانوا أقوياء بما يكفي لينجوا من الثلج، لكنهم لم ينجوا من اللهب.
ومع موتهم، تدفق سيلٌ عارم من شظايا الروح إلى روح نيف المتهالكة، مُصلحًا إياها.
صرخت بينما تشكلت أنوية روح جديدة لتحل محل القديمة.
لكن الضرر الذي لحق بروحها كان بالغًا للغاية، وما زالت تُدمرها قوة الملكة. لذا، تحطمت هذه الأنوية أيضًا، وتشكلت أنوية جديدة مكانها.
شعرت نيف وكأنها تحتضر وتُولد من جديد من بين ألسنة اللهب في دورة لامتناهية ومروعة من إعادة الميلاد. ضاعت في العذاب المُربك لكل هذا، شاعرةً بشيء بداخلها يذوب ويندمج بحرارة التضحية.
وأدناها، بدت بقايا الأدغال القديمة المتفحمة كجحيمٍ متوهج. حجب دخان أسود الهاوية الشاسعة، متوهجًا بنورٍ أبيض غاضب. بدا وكأن لا شيء سينجو هناك… لا شك أن كي سونغ كانت ستهلك…
ولكن حتى مع شعور نيفيس بهشاشة الأمل، عرفت أنها قد فشلت.
لأن التعويذة لم تهمس في أذنها قط، معلنةً موت الملكة.
لذا، عندما ارتفعت خيوط دخان هائلة لتلتف حولها، لم تُفاجأ نيفيس. فقط… شعرت بالاستياء.
وهي لا تزال تترنح مغمورةً بالآلام، تهربت وسقطت من السماء، وهبطت على سطح العظام القديمة بوقاحة. عوت الرياح، دافعةً الدخان بعيدًا، وانكشفت تحتها تيارات هائلة من الدماء، ملتوية وهي تتجمع في نهرٍ قرمزي شاسع وتغوص.
تأوهت نيفيس.
لقد دُمر وعاء الملكة ‘العملاق’، على الأقل.
دوى ضحكٌ عذبٌ فوق سهل العظام المكسورة، خافتًا قليلًا من بريق روح نيف المشع.
“مذهلة… حقًا أيتها الصغيرة نيفيس. أنتِ فاتنةٌ جدًا. يا له من عار…”
ابتسمت نيفيس بمرارة.
‘…لقد أُصيبت.’
بدا أن كي سونغ لم تُصَب بأذى، لكن لم يغب عن نيف أن عددًا لا يُحصى من الدمى قد تحوّل إلى رماد… وأن نهر الدماء العظيم بقي بعيدًا بدلًا من أن يُغرقها. لقد تأذّت الملكة بالتأكيد من الانفجار.
بالطبع، لم تُصب بأذى يُقارب فظاعة نيفيس.
كأنها تردد صدى أفكارها الكئيبة، عاد صوت الملكة ليتحول إلى صوت بارد ومشؤوم:
“للأسف… حان الوقت لإنهاء هذه المهزلة. سأضطر للتعامل مع أنفيل بعد أن أنتهي منكِ يا نجمة التغيير – ويجب أن يتم ذلك بسرعة، خشية أن يموت الكثير من شعبي.”
دفعت نيفيس الألم جانبًا واستقامت، ناظرةً إلى نهر الدماء المتلألئ باستسلام كئيب.
“لا تتظاهري بالاهتمام.”
لقد كشفت عن ورقتها الرابحة ولم تُنجز شيئًا. لذا، ستتخلى الملكة عن حذرها وتُطلق العنان لقوتها الكاملة الآن أيضًا – فهي تعلم ما يُقدر عليه عدوها بالفعل.
لأي درجة قد يكون الأمر مُريعًا؟.
بينما كانت نيف تُراقب، والغضب يشتعل في قلبها، تموج نهر الدماء.
ثم حدث أمرٌ مُريب، دفعها للتراجع.
تبعت دمى ‘العمالقة’ المتبقية جميعها – جميعها، بما في ذلك تلك التي أسقطها سجناء المعبد عديم الأسم وعاصفة السيوف – مصير الأولى، مُتحللةً إلى طوفان من سائل قرمزي لزج مُرعب.
تدفق عبر سهل العظام كالمدّ، ثم شكّل وعاءً جديدًا حول نهر الدم العظيم.
لو كان تحول نيف الجزئي يمتلك عيونًا بشرية، لاتسعت الآن، كاشفةً عن لمحة من عدم التصديق المُذهول.
ارتفع غوليم لحمي جديد ومرعب ببطء فوق سهل العظام، فاق حجم سابقه بسهولة. كان المخلوق الذي قاتلته نيفيس عملاقًا، لكن هذا… هذا كان ببساطة هائلًا، شامخًا فوق ساحة المعركة المتصدعة كجبلٍ دموي. كان ارتفاعه كيلومترًا واحدًا على الأقل، ينظر إلى نيفيس بوجه غريب بلا عيون.
كانت نيفيس كذبابة أمام أول وعاء من أوعية الملكة… أما أمام هذه، فكانت كذرة غبار.
كيف لذرة غبار أن تهزم جبلًا؟.
ارتفعت هيئتها المشعة في الهواء، متوهجة بنورٍ ساطع.
ترجمة آمون