عبد الظل - الفصل 2242
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2242 : الأعماق المتوهجة
عندما شعرت نيفيس بعذابٍ لا يُوصف في انوية روحها المحطمة، وبحر اللهب الكامن فيها يتسرب كجحيمٍ أبيض مشتعل، فتحت فمها لتصرخ.
لكن ما هرب منها لم يكن صراخًا، بل لحنًا مدويًا لأسماء حقيقية استحضرتها مُشكِّلةٌ لتُخضع العالم لإرادتها.
الاسم الحقيقي للنار، والاسم الحقيقي للدمار…
واسمها الحقيقي أيضًا. اسم نجمة التغيير، ونجمة الخراب.
واسم الملكة.
أغنية الغراب.
اشتعلت نجمةٌ ساطعة فجأةً في السماء المظلمة فوق الهاوية الثلجية.
كانت ساطعةً ونقية لدرجة أن حتى الجنود البعيدين لم يستطيعوا إلا أن يُديروا رؤوسهم وينظروا، ونورها ينعكس في عيونهم الخائفة.
ثم انفلت عمود من اللهب من نصل النعمة وسقط في مساحة شاسعة من الثلج المتلألئ، محدثًا ثقبًا فيه. ذاب الثلج وتحول إلى ماء، وتبخر الماء، وارتفعت درجة حرارة البخار، متحولًا إلى بلازما. احترق الهواء نفسه، مخلفًا مساحة من الفراغ المطلق.
حدث كل ذلك في لحظة.
ثم اختفى عمود اللهب، وأطفأه الظلام، وللحظة، ساد الصمت كل شيء.
ثم…
كأنما شمسٌ قد وُلدت تحت ساحة المعركة المتصدعة.
فجأة، أشرقت سحابة الثلج المتصاعدة التي تحجب أعماق الهاوية الشاسعة بنور أبيض جميل. ارتفع نفس النور الخافت من الصدوع الخشنة التي لا تُحصى والتي شوهت سطح سهل العظام المحطم، طاردًا الظلام بعيدًا.
أصبحت التجاويف مصدر إشعاع نقي. كان الأمر كما لو أن أعماق قبر السَّامِيّ المظلمة قد تبدلت بطريقة ما مع سمائها المبهرة، حيث تدفق النور من الأسفل والظلام يلوح في الأفق.
ساد الصمت للحظة وجيزة… وفي تلك اللحظة، ازداد الإشراق الخافت المتدفق من شقوق العظام القديمة تدريجيًا، ثم ازداد شدة، حتى كاد أن يتوهج بعنف.
ارتجف العالم.
ارتفع هدير مرعب في السماء، مما جعل الجنود المستيقظين يتعثرون ويضغطون بأيديهم على آذانهم. تلعثمت مخلوقات الكابوس. اختفى الثلج المتراكم على الفور، وانطلقت جدران شاهقة من اللهب الأبيض من الشقوق المسننة إلى السماء السوداء.
اسودّت العظام نفسها، وسقطت مساحات كاملة منها في الجحيم الأبيض تحتها.
اشتعلت الأدغال الرجسة، التي تجمدت بفعل العاصفة الثلجية القاتلة، وتحولت إلى رماد. انهارت الجسور العمودية العظيمة من الكروم الملتوية متحولةً إلى دوامات من الجمر، وهلك عدد لا يُحصى من مخلوقات الكابوس في الانفجار، إما بالإبادة بفعل موجة الصدمة المُدمِّرة أو بالحرق حتى الموت بألسنة اللهب الشرسة.
وعندما توقف العالم عن الاهتزاز، تحولت التجاويف إلى جحيمٍ مُشعٍّ من نارٍ بيضاء وجمرٍ مُتوهج. استُبدل الثلج برمادٍ مُتطاير، تساقط من الأعلى. حجب الدخان كل شيءٍ في الأفق.
…ومن ذلك الدخان، ارتفع شيءٌ ما، مُمددًا فروعه نحو نجمٍ صغيرٍ مُشعٍّ يحترق في السماء السوداء.
***
حمل صني ذات مرة أحد ‘العمالقة’ الفاسدين عبر الظلال. كان ثقل روحه الخبيثة ساحقًا وعظيمًا في آنٍ معًا…
لكن ثقل روح أنفيل كان ببساطة لا يُحتمل. أو بالأحرى، بدت روحه غير قابلة للحركة.
ومع ذلك، حرّكها صني.
في تلك اللحظة – ولو للحظة وجيزة – تفوقت إرادتهُ على إرادة فائق، ربما لأنه باغت ملك السيوف على حين غرة.
وحين غاص الاثنان في أحضان الظلال، فعل صني شيئًا لم يفعله من قبل، ولم يكن قادرًا على فعله من قبل.
بدلًا من العبور عبر الظلال حاملًا معه كائنًا آخر ليظهر به في مكان آخر، قام ببساطة بسحب أنفيل ونفسه إلى الظلمة الباردة المألوفة ليلبثا هناك.
هناك، في عالم الظلال، لم يكونا سوى ظلالٍ غير ملموسة، وأرواحهما مكشوفةٌ تمامًا.
وكان صني خبيرًا تمامًا في قتال الظلال، خاصةً في هذا العالم الخالي من النور.
…لكنه كان على موعد مع مفاجأة غير سارة.
عادةً ما تكون الظلال بلا شكل ولا هيئة – إلا إذا كانت موجهة بعقل واعٍ يشكلها في هيئة محددة. لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى يتعلم كيف يشكل نفسه في صورة قادرة على القتال، منذ زمنٍ طويل…
لكن لم يكن أنفيل بلا شكل.
كان ظله شاسعًا ومروعًا، بعمق ظل صني نفسه. والأسوأ من ذلك، أنه احتفظ بالشكل نفسه الذي اتخذه في العالم الملموس، كما لو أن إحساسه بذاته كان مطلقًا لدرجة أنه لا شيء يمكن أن يغيره.
في هذا المكان، في عالمِ انعدام الأشكال والنور، رأى صني الألوان لأول مرةٍ في حياته.
كان هناك كيانٌ هائل، مقاتلٌ مدرعٌ بالكامل، أسودٌ تمامًا، حاملًا سيفًا أسودَ منيعًا. مع عباءةٍ قرمزية تستقر على كتفيه، وألسنةُ لهبٍ قرمزيةٌ تشتعل في عينيه.
ومع ذلك…
كانت هذه أرض الظلال.
وصني هو مولاهم.
وبينما تحول ظله إلى عملاقٍ شامخ ذي ستة أذرع، اندفع نحو أنفيل ومزق هيئته الهائلة بمخالبه. مهما كان الدرع الذي يرتديه ملك السيوف، فقد منحه حماية هائلة ضد هجمات الأرواح، ومع ذلك، فقد تمزق أمام مخالب صني كأنه مجرد ورق.
ولأول مرةٍ منذ بداية المعركة، شعر بأن عدوه قد تأذى حقًا.
لكن لم يضيع أنفيل سوى جزءٍ من الثانية ليتأقلم مع عالم الظلال غير المألوف… كما لو أنه واجه من قبلٍ خصمًا يملك قدرة السيطرة على الظلال… ثم دفع بسيفهِ المرعب ببرودٍ إلى الأمام.
اخترق النصل المروع شكل صني الضخم، مهددًا بقطعه إلى نصفين.
لربما أي شخصٍ آخر ربما كان ليتدمر تمامًا بضربة واحدة كهذه، لانهارت روحه مثل قطعةٍ قماش مهترئة. لكن بمجرد أن لامس النصل الأسود صني، تألقت شبكة معقدة من الأوتار الذهبية للحظة في أعماق كيانه الضخم، أشبه بدرعٍ زردي.
كانت ذلك نسيج الروح، بالطبع، الذي كان يحافظ على ترابط روحه ويحصنها ضد الهجمات الروحية.
لكن كان الألم مفزعًا، بلا شك.
تمكن نسيج الروح من إبطاء نصل أنفيل، مما منعه من شطر صني إلى نصفين، لكنه لم يوقفه تمامًا – لكن في اللحظة التالية، تلاشى الشكل الضخم ببساطة أمام الحافة الحادة، مما سمح لها بالمرور عبره دون إلحاق أي ضرر.
لم يكن ملزمًا بالحفاظ على شكل ثابت، بعد كل شيء. في الواقع، كان مفهوم الشكل ذاته مجرد قيد في أحضان الظلال.
انهار العملاق ذو الأذرع الستة، وتحول إلى كتلة بلا شكل أحاطت بأنفيل مثل غطاء. انبثقت منها أيادٍ لا حصر لها بمخالب حادة، وفتحت فيها أفواه مملوءة بالأنياب، تمزق روح السيادي إربًا.
وبالطبع، لم يسمح أنفيل لصني بمهاجمته دون عقاب. فبينما كان صني يمزقه بمخالبه وأنيابه، واصل أنفيل طعنه وتمزيقه بسيفه…
‘آه… آرغ… هااا!’
صرخ صني وضحك بتسلية قاتمة بينما كان الاثنان يتهاويان عبر الظلام، مدمرين بعضهما البعض.
‘لم ينجح أحد في جعلك تنزف لعقدٍ كامل، هاه؟ ماذا عن الآن؟! هل ما زلت مستمتعًا، أيها الوغد البائس؟!’
قد تكون روح أنفيل أقوى بكثير، وقد تكون مدعومة بنطاقه الهائل…
لكن لم يكن لديه نسيج الروح، وبالتالي كانت بنية روحه مختلفة تمامًا.
كانت أكثر هشاشة، وأسهل تدميرًا بكثير.
‘فلنرَ أيُّنا سيصمد لوقتٍ أطول، يا ملك السيوف…’
ترجمة آمون