عبد الظل - الفصل 2232
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2232 : الجبهة الباردة
“إذن، لنهاجم.”
لم يكن هناك ما يُقال بعد الآن.
فقد نفد وقت الكلام.
انخفضت نيفيس قليلًا، ثم انطلقت نحو السماء. محاطةً بتألّقٍ ساحر، بدت كنجمٍ أبيض يصعدُ إلى الامتدادِ الهائج للسماء العاصفة — راقبها الجنود بتعابيرٍ خدرة، وانعكس نورها النقي في أعينهم.
في الأعالي، تحركت جزيرة العاج. ترددت أصداءُ سلاسلها السبعة وهي تهتز بينما كانت الجزيرة الطائرة تغوصُ في عاصفة السيوف، متحديةً عنف الفولاذ المُبيد بثباتٍ لا يُقهر..
أما على الأرض، فقد ملأ صني الفراغ الذي تركته نيفيس مؤقتًا – كان درعه العقيقي المرعب مشبعًا بالدماء بالفعل، وتدفقت عليه المزيد وهو يقتل مخلوقات الكابوس القوية التي هددت مركز الجيش البشري.
لكن رغم كل براعته القاتلة وقوته الصادمة، لم يكن لورد الظلال بديلاً يُذكر لنجمة التغيير. صحيح أن سيفه كان بنفس شراسة سيفها، وكان قادرًا على قتل الوحوش بنفس الكفاءة. لكنه لم يكن قادرًا على شفاء جراح الجنود الساقطين، ولم يكن قادرًا على دعم شجاعتهم المتداعية بالأمل.
لكن ذلك كان مقبولًا.
لأن صني كانت لديه وسائله الخاصة.
على بُعد مسافةٍ، وصل التجسد الأصلي للورد الظلال – السياف المظلم ذو القناع المخيف – إلى واحدة من أوسع الشقوق في العظام، مخلفًا خلفه دربًا من الموت والدمار. ارتفع أوداتشيه الأسود وسقط، متحررًا من كل الدماء بحركة واحدة سلسة وانسيابية.
ثم، تموج النصل المتعرج كتيار من الظلام السائل. وبعد لحظة، كان قد تحول بالفعل إلى رمح طويل داكن.
نظر صني متجاوزًا الكتلة المتلوية من الكروم القرمزية، إلى أعماق الصدع المسنن. بقي ساكنًا للحظة، ثم ألقى رمحه في الظلام.
أطلق الرمح زئيرًا مدويًا وهو يخترق حاجز الصوت، هابطًا إلى أعماق التجاويف. كان نزوله المظلم يعكس صعود نيفيس المشع إلى السماء بشكل شبه مثالي.
وبحلول الوقت الذي وصلت فيه نيفيس إلى جزيرة العاج، اخترق ثعبان المظلم الغطاء الكثيف للأدغال القرمزية، واصطدم بالأرض بانفجار هائل، محدثًا حفرة عميقة في الموقع الذي ضربه.
كانت الأدغال ككائن لا يُتصور قد استيقظ من سباته العميق، يعج بالحركة والحياة الرجسة. فنَمت أعمدةٌ ضخمة من الكروم المتشابكة بسرعةٍ غير طبيعية، رابطةً الأعماق بالسطح مثل أوتار من نسيجٍ حي. وكانت مخلوقات الكابوس التي لا تُحصى تتدافع لتتسلقها، مهتاجةً برائحة الأرواح البشرية.
بالطبع، لم يمر الانفجار المفاجئ دون أن يُلاحظ. انحرفت العديد من الرجسات عن مساراتها، مقتربة من نقطة الاصطدام بزئيرٍ مسعور.
لكن ما لاقاها كان قشعريرةً قارسةً ومخيفةً تتدفق من الحفرة العميقة. كانت الحفرة نفسها تعجّ بضبابٍ أبيض غريب، وكان الهواء فوقها باردًا لدرجة أن قطرات الماء المتكثف كانت تتساقط كالمطر.
تراقصت شراراتٌ صغيرةٌ في أعمدة النور المتسللة عبر القبة المحطمة للتجاويف، متلألئةً كالجواهر الثمينة.
وتلك الجواهر… كانت رقائق ثلج.
ومع انتشار البرودة المريبة، وتحولها في لحظة إلى عاصفة متفجرة لا نهائية من العنف والطغيان، تحولت قطرات المطر إلى جليد، وانفجر الضباب الأبيض من الحفرة، متضخمًا ليصبح عاصفة ثلجية هائجة.
ثم، برز شكلٌ ضبابي مرعب من الفوهة.
كان مخلوقًا ضخمًا بشكله الغريب والمروع، مصنوعًا بالكامل من الجليد. كان الجليد حالك السواد، لكن المخلوق بدا نابضًا بالألوان بسبب الزهور العديدة التي تفتحت على سطحه، وكانت بتلاتها زرقاء شديدة الإشراق.
كان التناقض بين الجمال النابض بالحياة للزهور والجسد البشع تحته مذهلاً. كانت أعمدة ضخمة من الثلج تنجرف من الزهور مثل حبوب اللقاح، تغلف المخلوق بضباب جليدي. وفي قلب ذلك الرجس الغامض، بالكاد مرئيًا عبر الجليد، كانت هناك ظِلالٌ صغيرة تشبه بقايا بشرية.
لقد كان ثعبان، الذي اتخذ هيئة الطاغية الفاسد… وحش الشتاء.
وحش الشتاء، ذلك الرعب المقيت.
منذ زمنٍ بعيد، خسر صني فوجَه أمام قوته المدنسة.
ولاحقًا، عاد إلى الامتداد الجليدي للقارة القطبية الجنوبية وقتله.
والآن، بعد أن أصبح هو نفسه ‘عملاقًا’، استطاع أخيرًا أن يأمر تلك القوة لنفسه.
‘تجمّدوا، جميعًا…’
بينما كانت عاصفةُ السيوف تعصفُ في السماء فوق قبر السَّامِيّ، اجتاحت عاصفة ثلجية فجأة أعماقَ التجاويف المظلمة. هبت الرياح القارسة بقوةٍ عاتية، تاركةً أشجار الغابة العتيقة تتهاوى نحو الأرض. تحولت الجداول والأنهار إلى جليد. ولا حصر للقوارض التي أُبيدت على الفور، متجمدةً حتى التصلب بسبب البرد غير الطبيعي، ثم تهشمت إثناء سقوطها.
تجمدت بعض جسور الكروم وتحطمت كذلك. أما التي كانت لا تزال ترتفع، فقد تباطأ نموها، مستنزفة من الحياة ببطء. وسقطت أعدادٌ لا تحصى من مخلوقات الكابوس إلى الأسفل، فغرق زئيرها في عويل الرياح العاتية.
بالطبع، لم يكن سكان الأدغال الرجسة مجرد لاجئين ضعفاء مثل أولئك الذين لجأوا إلى فالكون سكوت، ولا حتى مثل جنود جيش الإجلاء الأول الشجعان… بل كانوا أقوى بكثير، وأقدم بكثير، وأكثر مقاومة بكثير. كان معظمهم فاسدين بالفعل، وكثير منهم كانوا من الرتبة العظيمة.
حتى عند تعرضهم لبرودة نطاق وحش الشتاء القاتلة، لم يستسلموا لقبضته الجليدية.
لكنهم لم ينجووا سالمين أيضًا. محاطين بالرياح والثلوج الدوّامة، أصبحت مخلوقات الكابوس أضعف، وجُرحت، وأُبطئت حركتها.
[لقد قتلتَ…]
[لقد قتلتَ…]
[لقد قتلتَ…]
منزعجًا من الضجيج الفوضوي للأصوات المتكررة، أسكت صني سوارَ اليد. لقد أطلق جحيمًا متجمدًا في التجاويف، وكان ثعبان يحصد أرواح الرجسات بعدد لا يُحصى.
وكل حياةٍ يقتنصها الثعبان كانت تُرسل قطراتٍ من جوهر الروح لتتدفق نحو روح صني بفضل قدرة [ناهب الأرواح].
فأغرقه سيلٌ من الجوهر كالطوفان، مُجددًا احتياطياته المُستنزفة.
ولكن الأهم بكثير…
الجنود الذين كانوا يقاتلون بيأس من أجل البقاء في حرّ قبر السَّامِيّ الخانق شعروا فجأة بموجة من الهواء البارد الرحيم تجتاحهم، ورأوا أعمدة الثلج تتصاعد من الشقوق في سهل العظام.
لم يتوقف طوفان مخلوقات الكابوس الذي هدد بإغراقهم، لكنه أصبح أقل وحشية. قلّ عدد الرجسات التي كانت تخرج من الأسفل، وأولئك الذين تمكنوا من الزحف إلى السطح بدوا أضعف، مغطين بالجليد ويتحركون ببطء.
خف الضغط عن محاربي النطاقين المتحاربين بعض الشيء، وتمكنوا أخيرًا من التنفس… على الأقل للحظة.
ابتسم صني بكآبة من خلف قناع ويفر.
صحيحٌ أنه لم يكن مثل نيفيس، التي تبعث الأمل وتشفي الجنود الجرحى.
لكنه كان قادرًا على بثّ الرعب وجلب الموت لمخلوقات الكابوس المسعورة.
ولم تكن طريقته أقل فاعلية.
ترجمة آمون