عبد الظل - الفصل 2223
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2223 : الدماءُ والفولاذ
في أعالي ساحة المعركة، كان ملك السيوف لا يزال ملاحقًا من قبل نهر الدماء القرمزي. محاطًا بعاصفة السيوف، تراجع أقرب فأقرب نحو الحجاب المتموج للسحب المتوهجة… كما لو كان يُدفع إلى الزاوية.
في الأسفل، كان سهل العظام المتصدع منتفخًا بالعفن القرمزي، فيما كان ‘العمالقة’ الموتى يكافحون ضد سلاسل السحر التي تُقيدهم. كانت الأحرف الرونية المتألقة، التي تشكّلت من سيوف لا تُحصى تحلق في الهواء، وبدت بالفعل باهتة ومشوّهة، على وشك الانهيار.
وفي النهاية، تحرر أحد المخلوقات الضخمة من قفصه الأثيري واندفع إلى الأمام، مُستعدًا لإطلاق العنان لقوته المُدنّسة.
لكن، قبل أن يتمكن من ذلك…
دار أنفيل في الهواء ووجّه إحدى سيوفه المروعة بضربة واحدة، فانشطر العالم نفسه إلى نصفين.
امتد الخط الرفيع الذي بدا وكأنه قد قطع الواقع حتى سطح ساحة المعركة المحطمة، عابرة الجسد الهائل ‘للعملاق’. وبعد لحظة، التأم العالم مجددًا، وزالت الندبة التي تركتها ضربة الملك على نسيجه.
أما ‘العملاق’، فقد ترنّح وانقسم إلى نصفين نظيفين.
تهاوى ‘العملاق’ المبتور ساقطًا. وكان جسده الشبيه بالجبل هائلًا لدرجة أن اثنتي عشرة ثانية مرت قبل أن تصطدم كتلته المروعة بالأرض – وحين حدث ذلك، اهتز سهل العظام بكامله، واتسعت الشقوق التي اندثرت على سطحه المتصدّع.
بحلول ذلك الوقت، كان أنفيل قد هبط بالفعل على العظام المرتعشة. قابضًا على سيفيه، فيما شكّلت السيوف الخمسة الأخرى من حوله كرة صاخبة من الفولاذ الفتّاك، نظر إلى الشلال العظيم من الدم الذي يهدد بإغراقه… ثم هاجم.
لكن هذه المرة، كانت ضرباته مختلفة بشكلٍ غريب.
بدا أنها لم تتغير، لكن هناك شيئًا غامضًا في طريقة تحرك سيوفه الآن، وكأنه يوجه نصالها المروعة نحو شيءٍ لا يستطيع البشر حتى إدراكه، فضلًا عن استيعابه.
تموّج نهر الدم بشكل غريب وانسحب للخلف، كما لو كان يتألم. في جميع أنحاء ساحة المعركة، سقط مئات الدمى الميتة أرضًا بلا حراك – لم تكن هناك جروح على أجسادها، ولا دماءٌ تتدفق عبر سطح العظام القديمة. ومع ذلك، بقيت الجثث راقدة بلا حراك، وكأن الملكة لم يعد لها سلطان عليها.
خفض أنفيل سيفيه قليلًا، وحدّق بقتامة في الجدار القرمزي من الدم الذي يعلو فوقه.
ثم دوّى صوتٌ بارد من أسفل قناع خوذته السوداء:
“لماذا لا تصبحين جادة الآن؟”
انتشرت ضحكة رنانة فجأة حوله، محمولة على رياح الإعصار.
“وهل أفعل؟”
مع انغماس ضحكات الملكة في ضجيج المعركة، تموّج بحر الدم القرمزي مجددًا وتراجع قليلًا.
وعلى مسافةٍ ليست ببعيدة، تحركت الجثة الهائلة ‘للعملاق’ المقتول، والتي كانت تعلو فوق السهل كجبلٍ شاهق، فجأة.
بدأ لحم ذلك المخلوق العملاق بالتعفن بسرعة هائلة، وسرعان ما تحول إلى فيضان من سائل قرمزي لزج. تدفقت تلك الكتلة المقززة إلى الأمام وارتفعت عن الأرض، محيطة ببحر الدم كقشرة تحيط به.
ثم انعكسَت عملية التحلل، وتصلّبت الكتلة مجددًا.
وسرعان ما ارتفع غوليم لحمي مرعب فوق السهل المتصدع، شاهقًا بارتفاع مئات الأمتار… وأصبح نهر الدم الآن محبوسًا داخله، يتدفق عبر عروقه، ويغذّيه بقوة فائقة.
امتدت قطع العظام المتكسرة عبر جلده الممزّق، بينما كانت ملامح وجه بشري غامض مخفية خلف ملامحه المشوّهة المروعة.
أطلق أنفيل ضحكة خافتة.
“آه… كم هذا مقزز…”
بينما التفتت السيول العارمة من السيوف الطائرة في الهواء وانقضّت، مستهدفة تمزيق المسخ اللحمي العملاق، اندفع الأخير إلى الأمام بسرعة لا ينبغي لأي مخلوق بهذا الحجم امتلاكها.
ارتفعت يداه الهائلتان، ثم سقطتا كالمطارق الساحقة. اندفعت سيوف أنفيل الخمسة إلى الأمام لصد الضربة المروعة، وفي اللحظة التي التقت فيها قبضتا الملكة بها…
غطّى وميضٌ من النور ساحة المعركة للحظة، وانتشرت موجة صدمة مدمّرة في جميع الاتجاهات، مبددة آلاف السيوف الطائرة، محيلةً عدداً لا يحصى من الدمى إلى ضباب دموي، وقاذفةً بعدة قطع ضخمة من سهل العظام إلى أعماق التجاويف.
… وبينما كان يراقب التصادم الكارثي من السطح البعيد لجزيرة العاج، ارتجف صني.
لم يكن بحاجة لأن يلتفت ليرى الحالة المزرية للجيشين العظيمين. لا تزال نيفيس متشبثةً بالمركز، محافظةً على تماسك الحشد الشاسع من الجنود البشريين، بينما كان هو يواجه أسوأ موجات الكابوس عند الأطراف. القديسون ما زالوا يقاتلون، والمحاربون المستيقظون لا يزالون صامدون…
لكن كان الوضع يزداد قتامة مع كل دقيقة تمر.
بالكاد أصبح قادرًا على الحفاظ على تجسيداته وإبعاد الرجسات الأقوى عن رَين. وكمية الجوهر التي استعادها من قتل مخلوقات الكابوس لم تعد تكفي لتعويض ما يستهلكه، ولم تكن نيفيس بأفضل حال.
كانت ظلاله تتلقى إصابة تلو الأخرى أيضًا… وإذا كان حتى الشرير بذاته يعاني من الأضرار، فإن قديسي النطاقين سرعان ما سيكونون على حافة الموت.
في الواقع، هلك عدد قليل منهم بالفعل.
أصبح عبيد سيدة الوحوش على وشك الانقراض. وقد تحطمت الأصداء النخبة لفالور، الذين تمّت صياغتهم، بالكامل. أما الضحايا بين الجنود، فكانت أعدادهم تتزايد، ومع سقوط كل واحد منهم، كان يتضاءل عدد المحاربين القادرين على التصدي لطوفان الرجسات.
والأسوأ من ذلك، أن الأدغال بدأت تتسلل إلى سطح السهل المتصدّع. في السابق، كان على البشر التعامل فقط مع المفترسات المرعبة في التجاويف، لكن الآن، بدأت العدوى القرمزية المتفشية تهدد بابتلاعهم أيضًا.
الطحالب الجائعة، العشب المتعطش للدماء، الأشواك السامة للكروم الزاحفة، سُحب حبوب اللقاح القاتلة، والبذور التي تستقر على لحم البشر فقط لتنبت عبره بفطرياتها الرجسة… كان على الجنود أن يتحملوا كل ذلك وأكثر، بينما تُقطّع أجسادهم وتُلتهم على يد مخلوقات الكابوس المروعة.
كان قد سخر سابقًا من عين سيدة الوحوش المفقودة… لكن في الحقيقة، انزعج صني من المنظر. إذا لم تستطع حتى أميرة سونغ الجبارة حماية نفسها في هذه الكارثة التي لا تُصدق، فأي أملٍ سيبقى لدى البقية؟.
أصبحت أفكار صني كئيبة.
الخطة… كانت الخطة أن ينتظروا حتى يستنزف السياديون بعضهم البعض، أو، من الأفضل، حتى يصلوا إلى حافة الموت – عندها فقط، كان من المفترض أن يهاجموهم هو ونيفيس.
ولكن الآن، لم يكن صني متأكدًا من قدرتهم على الانتظار أكثر من ذلك.
لم يكن الجيشان العظيمان في وضع يائس فحسب، بل هو ونيفيس كانا يستنزفان جوهرهما بلا طائل – امتلك كلاهما احتياطيات هائلة منه، لكنها ستستمر في التضاؤل.
إذن، من سيكون المُستنزف وعلى شفير الموت بحلول الوقت الذي ينضمون فيه إلى المعركة؟.
نظر صني نحو الأفق بتعبير قاتم، ثم صر على أسنانه.
إذًا…
متى من المفترض أن يهاجموا؟.
شخصٌ واحد فقط كان يعرف الإجابة.
‘عليّ أن أجد كاسي…’
ترجمة آمون