عبد الظل - الفصل 2209
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2209 : المياه المظلمة
“إنها تعود!”
غلت المياه المظلمة بينما ارتفع الرعب الهائل من الأعماق. كان درعه الشفاف يلمع كحجر السج تحت النور الساطع للذكريات المنيرة، وتفرقت السفن المحطمة، مدفوعةً بالأمواج العاتية جانبًا.
كان المخلوق ضخمًا للغاية بحيث يصعب تمييز شكله بالكامل. أولئك الذين كانوا يكافحون للبقاء على ظهر السفن المحطمة لم يتمكنوا سوى من التقاط لمحات من هيئته المروعة: العيون السوداء الهائلة، الخط المتعرج للفك المروع، مع غابة من الأطراف العملاقة، والقرون الاستشعارية المرنة التي امتدت لما يقارب الكيلومتر في الهواء…
ومع ذلك، لم يكن ساكن الأعماق المخيف هو ما أرعب الناس – فقد خاضوا بالفعل معارك ضد العديد من الرجسات المروعة أثناء إبحارهم في ظلمات محيط العمود الفقري، وكان بعضها أشد رعبًا وغموضًا من هذا. وقد فقدت الحملة العقابية معظم سفنها في هذه الرحلة، وخسرت الكثير من المحاربين… لكن الموت في معركة ضد مخلوقات الكابوس هي فكرة مألوفة للمستيقظين.
أما الشيطانة القاتلة المختبئة في الظلام فوقهم، فكانت أشد إثارة للاضطراب.
وبينما أستمرت الأصداء المصنوعة من تمزيق ساكن الأعماق، محطمةً درع المخلوق بأنيابها الفولاذية، أطلق فرسانها وابلًا من الحراب والسهام نحو الشقوق. كانت كل منها ذكرى قوية قادرة على إلحاق أذى جسيم – تعرض مخلوق الكابوس لبعض الضرر، وعلى الرغم من أنه لم يُصب بجروح خطيرة بعد، إلا أنهم تمكنوا من إبعاده عن السفن.
“هناك!”
ثم انطلقت عدةُ سهامٍ متألقة في الهواء من على ظهر السفينة، طاردةً الظلام.
كل الظلام… ما عدا كتلة صغيرة عديمة الشكل منه.
كانت الكتلة تتهاوى وهي تلتف لتتفادى أحد السهام، ثم تمزقت بفعل شعاع من الطاقة الحارقة انطلق من أحد الطوابق.
ومن داخلها، انكشفت هيئة ساحرة.
هوت شيطانة فاتنة ذات بشرة عاجية وشعر أسود كالسج من السماء، وقد طوت جناحيها القاتمين لزيادة سرعتها. كان درعها ممزقًا ومهشمًا، ووجهها الفاتن ملطخًا بالدماء. برزت عدة سهام من جانبيها، قبل أن تنهار ببطء إلى وابل من الشرر.
ومع ذلك، كان هناك وميض بارد وقاسٍ في عيون الشيطانة المجنحة.
“لا تدعوها تصل إلى السفن!”
لكن كان الأوان قد فات بالفعل.
كانت ريفل قريبة جدًا.
سقطت على سطح السفينة التي جُرفت بعيدًا عن البقية بسرعة هائلة، مستدعية ظلامها في اللحظة الأخيرة.
هرع المحاربون الصاعدون إلى اتخاذ تشكيل دفاعي، حيث اندفع مقاتلو المدى القريب للأمام بينما تراجع رفاقهم الأقل صلابة. أقيم جدار من الدروع وحاجز من الرماح أمام طريقها، حيث بدد اللهب الساحر الظلام الحقيقي الذي غلفها كالحجاب.
تعلم المطاردون منذ زمن كيفية التعامل مع كمائنها. كانت قد تمكنت من القضاء على العديد منهم في البداية، بل وقتلت اثنين من القديسين، لكن بحلول الآن، أصبحت كل هجمة تنفذها بمثابة مقامرةٍ مع الموت.
فمن بالغ السهولة أن تُحاصر، أن تُطوق، ثم تُقطع…
ومع ذلك، كان هذا جيدًا. لأن ريفل كانت تتعلم أيضًا.
عادةً، كانت ستندفع عبر السطح، إما تقطع الأجساد أو تمسك بأحد الأعداء لتطرحه في البحر قبل أن تختفي في الظلام. لكن هذه المرة، لم تفعل – بل اصطدمت بالسطح المحطم كقذيفة مدفع بكل بساطة، مخترقةً خشبه وسط سحابة من الشظايا.
ثم قامت بتفكيك السفينة بأكملها.
وبينما غمرتها المياه الباردة، تعالت الصيحات من فوق السفينة المتضررة.
“لقد اختفت!”
“اللعنة، البدن مُخترق!”
“عنبر الشحن يغرق!”
“إنها في الماء!”
دارت ريفل واستخدمت جناحيها لدفع نفسها عبر المياه المظلمة. وعندما وصلت إلى الهيكل المحطم للسفينة، استخدمت مخالبها لتوسيع الاختراق، ثم دارت مرة أخرى ودفعت بنفسها بعيدًا عن الخشب المسحور، نحو الأعماق.
عادةً، بإمكان محاربي نطاق السيف إصلاح مثل هذا الضرر الذي لحق بإحدى سفنهم بسهولة. كما أنها لم تكن لتجازف بالسقوط في الماء، حيث كانت الأصداء المصنوعة تنتظر لتمزيقها إربًا.
لكن الأسطول المتهالك كان محاصرًا بالفعل من قبل رعب الأعماق. كانت الأصداء بعيدة، تحاول اختراق درعه السميك، بينما كانت السفن تكافح للبقاء على مسافة آمنة.
من المحتمل أن السفينة التي ألحقت بها الضرر لن تغرق… لكنها ستبتلع الكثير من الماء، مما سيبطئها.
ويجعلها فريسة سهلة.
حينها، سيتعين على أحد القديسين الأربعة المتبقين من فالور اتخاذ قرار. إما أن يخاطروا بأنفسهم لحماية السفينة المتضررة، أو يضحوا بها.
وفي كلتا الحالتين، ستنال ريفل فرصة لإسقاط متسامٍ آخر.
… بالطبع، إذا نجت حتى ذلك الحين. فلم تكن بحالة جيدة هي الأخرى.
كانت ريفل قوية، وحجاب القمر أيضًا. لكنهما كانتا مجرد اثنتين ضد سبعة من قديسي نطاق السيف، وضد الحملة بأكملها. لقد استنزفوا أعداد العدو على مدار الرحلة الطويلة والمروعة عبر محيط العمود الفقري… قتلوا بعضهم مباشرة، وأوقعوا بالبقية عبر استدراج سفن العدو إلى أفواه الأهوال التي تسكن الظلام.
لكن أضعف العدو ريفل وحجاب القمر بدوره.
استُنفد جوهرهم. وامتلأت أجسادهم بالجروح. تم تدمير ذكرياتهم وأصدائهم، ونفدت إمداداتهما منذ فترة طويلة. وكان سكان الأعماق متعطشين لالتهامهما، تمامًا كما كانوا يتوقون لأرواح ولحم المطاردين.
وكانت القلعة تقترب أكثر فأكثر.
عرفت ريفيل أنها لن تكون قادرة على تدمير ما تبقى من قوة نطاق السيف قبل أن تصل سفنهم إلى الوجهة.
إذن… على الأرجح، سيتم تحديد مصير هذا الكابوس في معركة يائسة ثلاثية الأطراف بين بنات الملكة سونغ، وقديسي نطاق السيف، وحارس قلعة محيط العمود الفقري.
أياً كان ذلك الرعب.
كانت هناك فرصة أن تكون مخلوقة الكابوس التي اتخذت من القلعة عشًا لها هي المنتصر النهائي.
صرت على أسنانها، وانتزعت الأسهم المتبقية من جسدها وحطمتها، شاعرةً بالسم الذي كان يكسو رؤوسها الحربية وهو يحاول شلَّ جسدها.
جرفها تيار قوي بعيدًا بينما هوى قرن استشعار مبتور للوحش القشري العملاق إلى الماء من ارتفاع شاهق، مزاحمًا أطنانًا لا حصر لها من المياه.
‘لا وقت لإضاعته، الآن…’
طوت ريفل جناحيها وسبحت نحو الأعلى.
***
بعد فترة، وصلت إلى الشق في قبة عمود السَامي الميت، الذي استخدموه كملجأ الليلة الماضية. بدّدت جناحيها، وزحفت بجسدها الممزق إلى الداخل، ثم سقطت على الأرض غير المستوية وأخذت نفسًا متقطعًا. كان جسدها المتسامي يعمل بالفعل على ترميم لحمها الممزق، لكن حتى حيويته الهائلة لم تكن كافية للتغلب على الضرر المتراكم.
سرعان ما اشتعل نور شاحب في الشق، فرأت حجاب القمر.
كانت أختها جالسةً مستندةً إلى الحائط، ويداها تحضنان جرحًا مروعًا في بطنها. ابتسمت بضعف.
“كيف كانت المطاردة؟”
هزّت ريفل رأسها بتعب.
“خسروا سفينتين. لكن لا يزال لديهم أربعة قديسين.”
ترددت للحظات، ثم أضافت بصوت خافت:
“سنغادر بمجرد أن أستعيد القليل من الجوهر. القلعة باتت على بعد بضع ساعات فقط الآن…”
تنهدت حجاب القمر.
“هل تعتقدين أننا سنتمكن من هزيمة الحارس، وقتل قديسي السيف، وغزوها؟”
تنهدت ريفل ببطء.
“ربما… وربما لا. لا نحتاج لذلك على أي حال. بدلًا من ذلك، سنفعل ما فعلته سيشان وهيل – سأقوم بإعاقة الأعداء، وستجدين أنتِ البوابة وتستولين عليها.”
عقدت أختها حاجبيها.
“…ثم نترككِ تموتين هكذا؟”
تأملت ريفل وجهها للحظات، ثم ضحكت بهدوء.
“ يا الهـي ، يبدو أنكِ فقدتِ الكثير من الدم بالفعل. بماذا تفكرين، أيتها الحمقاء؟ فبمجرد أن تسيطري على القلعة، ستصبح جزءًا من نطاق والدتنا. وبمجرد أن تصبح جزءًا من نطاقها، ستتكفل هي بقديسي السيف – وبالحارس أيضًا. عليّ فقط البقاء على قيد الحياة حتى ذلك الحين.”
التزمت حجاب القمر الصمت لفترة.
وفي النهاية، قالت بلطف:
“هل يمكنكِ حتى تدبر ذلك؟ أحذركِ… لا تفكري حتى في الموت، ريفل. سأكون غاضبة جدًا. لا تجرؤي على مواجهة وجهي إذا فعلتِ.”
لم ترد ريفل، شاعرةً بمدى ضآلة القوة المتبقية في جسدها المنهك.
وفي النهاية، ابتسمت.
“حسنًا. بما أنكِ تصرّين…”
ترجمة آمون