عبد الظل - الفصل 2208
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2208 : إرادة الناس
تحول عظم الفخذ للسَامي الميت من سهلٍ مائل كبير إلى متاهة من الأودية الشاسعة والعميقة بالقرب من حافته الجنوبية… نهاية قبر السَّامِيّ.
كان ذلك لأن كلتا ساقي الهيكل العظمي الهائل تحطمتا بضربة مروعة ذات يوم، منذ آلاف السنين. تضررت كلتا عظمتي الفخذ بشدة بالقرب من الركبتين، مع شقوق عميقة تشوه سطح العظم القديم. أدت بعض الشقوق إلى التجاويف… وبعضها أعمق، ممتدةً طوال الطريق إلى بحر الرماد في الأسفل.
كانت مفاصل الركبة نفسها بعيدة عن الأنظار، مدفونةً في الرماد. نظرًا لأن لا أحد يعرف مدى عمق بحر الرماد، فمن المستحيل معرفة ما إذا كانت قصبة ساق السَامي الميت وشظاياه مخفية تحت السجادة الرمادية اللامتناهية، أو ما إذا كان شيءٌ ما قد قطعها تمامًا في الماضي السحيق.
كانت قلعة جلعاد التي أُمر بغزوها تقع عند آخر هضبة عظام، وتقف على شاطئ بحر الرماد…
كانت الرحلة إلى نهاية قبر السَّامِيّ مرهقة. ومعركة القلعة، الواقعة على مقربة شديدة من مساحة الرماد اللامتناهية، واعدة بأن تكون أكثر رعبًا.
“هل أنت متأكد من أننا نستطيع أخذها؟”
بدا الصوت متعبًا.
أبقى جلعاد بصره موجهًا عبر الوادي الأخير، ثم استدار ببطء لينظر إلى رفيقته الأخيرة.
كان الاثنان كل ما تبقى من الحملة.
دُمر درعه اللامع منذ فترة طويلة، وتحول جلده إلى لون البرونز تحت إشعاع السُحٌب القاسي. حتى قميصه قد ابيض بفعل النور، وفقد كل لونه.
كانت مظلة المرأة في نفس الحالة المؤسفة. كانت الأنماط الجميلة التي كانت تغطي سطحها الآن باهتة وضعيفة، بالكاد يمكن ملاحظتها تحت النور الساطع.
من المعجزة أن المظلة الهزيلة قد نجت من الأساس.
ناظرًا إلى المرأة، وجد جلعاد الموقف مضحكًا فجأة.
مات العديد من المحاربين الشجعان… أسياد ماهرون ومخيفون. حتى قديس قوي. ومع ذلك، فإن هذا العنصر الفاخر الدنيوي الذي أحضرته المرأة معها على نزوة بقي سليمًا.
تنهد بعمق.
كانت عيون جلعاد الزرقاء حية ومحمومة، لكن عيون المرأة الخضراء باهتة وهادئة.
بعد أيامٍ لا تنتهي من الرعب والمعاناة، وصلوا أخيرًا إلى وجهتهم. والآن، لم يتبق لهم سوى هذه العقبات القليلة الأخيرة للتغلب عليها… الوادي الأخير، والهضبة الأخيرة، والقلعة بذاتها.
تذكر أنها سألته سؤالاً وأومأ برأسه متأخرًا.
“يجب أن نأخذها، وبالتالي، سنفعل.”
كان الجزء السفلي من وجه المرأة مخفيًا خلف وشاح، لكنه استطاع أن يلاحظ من عينيها أنها تبتسم.
لم تبتسم منذ فترة، لذا لربما هذه علامة جيدة.
“نحن الاثنان فقط الآن. قديسان ضد أيًا تكون الأهوال الدنسة التي تحرس القلعة… أعتقد أن الاحتمالات ليست في صالحنا.”
ضم جلعاد شفتيه، ثم هز رأسه متجهمًا.
“لقد وصلنا إلى هنا. لذا، سنأخذها.”
تأملته المرأة لفترة، ثم استندت للخلف وضحكت.
ثم طوت مظلتها ونظرت إليه ببرود.
في حيرة، استدار جلعاد إلى الوادي.
“دعينا نرتاح هنا. سأحملكِ إلى الجانب الآخر بمجرد أن نستعيد جوهرنا…”
“لا.”
توقف، غير متأكدًا مما إذا كان قد سمعها بشكل صحيح. نظر للخلف، وعبس.
“…لا؟”
كانت المرأة تبتسم.
“نعم…لا؟”
استندت على مظلتها وتحدثت، مع بقاء صوتها هادئًا.
“كنت سأخبرك منذ فترة… في اليوم الذي فقدنا فيه نصف الجنود المتبقين، ورفضت العودة. ولكن بعدها، قررت الانتظار قليلاً. لسحق روحك بشكل أفضل.”
رمشت جلعاد، محدقًا فيها بحيرة.
“ماذا تقصدين؟ القلعة…”
ضحكت المرأة.
“أرفض.”
لاحظت عدم فهمه، هزت رأسها.
“الجميع ماتوا، لكنني على قيد الحياة. أنا على قيد الحياة لأنك أبقيتني على قيد الحياة، وأبقيتني على قيد الحياة لأنك بحاجة إلى قديس بلا قلعة للمطالبة بالقلعة. لكنني لن أفعل. أنا أرفض. بصراحة، أفضل أن أغوص في بحر الرماد برأسي أولاً. أوه… واذهب إلى الجحيم، يا فارس الصيف. هناك مكان خاص هناك مُجهزٌ لأشخاصٍ من أمثالك، أنا متأكدة.”
ضحكت مرة أخرى، وبدت أكثر من طبيعية قليلاً في أذنيه.
هل كانت تؤوي هذه الأفكار بهدوء طوال هذا الوقت؟.
عادت عيناها الخضراوتان إلى الحياة مرة أخرى، وأصبحتا مشرقتين كما كانتا ذات يوم… قبل أن يغادروا في هذه الرحلة الملعونة.
“ها، قلت ما لدي. والآن، سأرحل.”
عبس جلعاد، محتارًا.
كان متعبًا للغاية، ومتضررًا للغاية، ومنهكًا للغاية بحيث لم يستطع فهم الموقف الغريب. كانت أفكاره تتحرك ببطء.
ما الذي تقوله؟.
لا، فهم ما كانت تقوله. لكن الكلمات لم تكن تعويذات سحرية تجعل الواقع يخضع لرغبات المرء. ماذا كانت تتوقع أن يحدث بسبب اندفاعها؟.
“لدينا أوامرنا.”
رفعت المرأة حاجبها، وكانت عيناها الخضراوتان مليئتين بالتسلية.
“وماذا في ذلك؟ قد تكون عازمًا على البقاء مخلصًا للملك، لكنني لست كذلك. في الواقع، لقد سئمت منه ومن أوامره. كنت مشمئزةً بالفعل قبل إرسالي في هذه الرحلة العبثية، والآن، بعد أن شهدت موت جميع جنودنا موتًا بلا معنى، فلا أهتم حتى بالتظاهر بأنني لست كذلك.”
رفع جلعاد يده وفرك وجهه بتعب.
كان موت الجنود يثقل كاهل روحه أيضًا. كان مريضًا ومتعبًا أيضًا.
لكنه لم يستطع أن يفهم.
كانت قديسة. بطلة متسامية لنطاق السيف، ومن الأفضل بينهم. بالتأكيد، لم يكن كل القديسين تابعين لعشيرة فالور العظيمة مثله. وحتى بين الفرسان، لم يأخذ الجميع قسمهم على محمل الجد كما فعل.
بعض الناس يسترشدون بالجشع والمصلحة الذاتية. وكان معظم الناس ضائعين ببساطة.
لكن معظم القديسين ما زالوا يتمتعون بالقدر الكافي من رباطة الجأش للحفاظ على منطقهم. ما الذي كانت تأمل في تحقيقه؟ هل كان هناك آخرون مثلها بين الأبطال المتساميين لنطاق السيف، على استعداد للتخلي عن المنطق؟.
“أنتِ… ترفضين؟ لا يمكنكِ الرفض.”
بدا أن المرأة تبتسم.
“ألا يمكنني؟ ماذا ستفعل لإيقافي، يا فارس الصيف؟ أعترف، أنت أقوى مني بكثير. يمكنك قتلي. يمكنك التغلب علي. يمكنك حتى جرني إلى القلعة ضد إرادتي. ولكن… حتى لو فعلت ذلك، لا يمكنك إجباري على المطالبة بها. لا يمكنك فعل أي شيء.”
حدق جلعاد فيها بنظرة فارغة.
ثم اشتعلت لمحة من الغضب المزعج في عينيه الزرقاوين الثاقبتين.
“وبعد ذلك ماذا؟ ماذا سيحدث بعد هروبكِ إلى عالم اليقظة؟ هل تعتقدين أن الملك سيترككِ وشأنكِ؟! أم أنكِ تخطط لمحاربته أيضًا؟! إنه أمر لا طائل منه!”
حدقت المرأة فيه لفترة، ثم تنهدت وفتحت مظلتها.
اختبأت في ظلها وهزت رأسها.
“هل حقًا لا طائل منه؟”
ضحك جلعاد.
“أنتِ لا تعرفين شيئًا. لم ترِ شيئًا. إذا كنتِ تعتقدين أنكِ تستطيعين محاربة سيادي… إذا كان أي منا، أو حتى جميعنا نستطيع… فما أنتِ إلا واهمة. فهو ليس سوى فعلٍ عبثي”.
ابتسمت المرأة مرة أخرى.
“لا أعتقد ذلك.”
حدقت فيه بقتامة، وهزت رأسها مرة أخرى.
“أعتقد أنك تسيء فهم شيء مهم للغاية، يا فارس الصيف. أنت على حق، لا يمكنني محاربة الملك. إنه أمر ميئوس منه… إذا فعلت، سيقتلني. ولكن ماذا سيحدث بعد أن يقتلني؟ هل تعتقد أنني سأكون آخر من يتحداه؟ هل سيقتل كل من يخالف أوامره؟”
سخرت المرأة.
“نحن البشر العاديون عاجزون أمام السيادي، لأن السيادي نصف سامٍ. إرادته هي الإرادة السامية. لكن السَاميين عاجزون أيضًا أمامنا نحن البشر، لأن سموهم يعتمد على النطاق، والنطاقات تتكون من الناس. فلمن سيكون ملكًا إذا أدار الناس ظهورهم له، وقتل الناس؟ ملك اللاشيء؟”
استدارت بمظلتها، واتخذت خطوة أقرب إلى جلعاد ونظرت في عينيه.
“نحن البشر لسنا عاجزين كما تعتقد. وإرادتنا ليست تافهة كما تبدو. ولكن حتى لو كانت كذلك… حسنًا، لأكون صريحة، لا أهتم. لم أعد أكترث. لقد سئمت من هذه المهزلة.”
بينما كان جلعاد يحدق فيها، مكافحًا لإيجاد الكلمات للرد، ألقت عليه المرأة نظرة شفقة.
“أوه، وأيضًا… بحق. لقد أقسمت يمين الولاء لعشيرة فالور العظيمة،صحيح؟ حسنًا، تتألف عشيرة فالور العظيمة من العديد من الأشخاص. ابحث عن عشيرة أقل فسادًا لتكون مخلصًا لها، أيها الأحمق. يا الهـي ، حتى نجمة التغيير هي وريثة فالور هذه الأيام…”
مع ذلك…
اختفت المرأة في الهواء، بعد أن جذبت حبلها للعودة إلى عالم اليقظة.
تلاشى الإشراق الأخضر الزاهي لعينيها، ولم يتبق في العالم سوى ظلال من الأبيض والرمادي.
تُرك السير جلعاد، فارس الصيف، وحده، وأنزل نفسه متعبًا إلى الأرض.
فعل كل ما في وسعه… أكثر مما يستطيع، حتى.
ولكن على الرغم من ذلك، انتهت مهمته بالفشل.
ترجمة آمون