عبد الظل - الفصل 2193
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2193 : الصالح الأعظم
بقيت كاسي صامتة لفترة، مكافحةً ضد الشعور بالغثيان الناتج عن فقدان السيطرة الكاملة على جسدها وروحها. كانت وجنتها الممزقة تنبض بألم خافت، وقطرات الدم تتلألأ ببرودة على الأرضية الحجرية.
‘إنها… لا تبدو بشرية تمامًا، بعد الآن.’
بدت الجثة الجميلة أمامها مثل كي سونغ وتصرفت مثل كي سونغ، لكن رغم وجود بعض التشابه – تشابه خفي عميق – إلا أن الشابة التي رأتها في ذكريات السيد أوروم كانت قد اختفت إلى حد كبير.
وكأنها لم تكن كائنًا حيًا، بل شبحًا يتغذى على إرادة لا تنكسر.
في الحقيقة، لم يبدُ أيٌّ منهما بشريًا حقًا – الملك والملكة.
فكي سونغ ميتة، ولا ينبض لها قلبٌ. في حين أن أنفيل كان بلا شك على قيد الحياة، فإن قلبه عديم المشاعر لهو أكثر برودة من قلب الجثة رغم ذلك.
كانا يبدوان بشريين، لكن طريقة تفكيرهما لم تكن كذلك. هناك حدٌ للقسوة التي يمكن أن يبلغها المرء، حدٌ لانعدام الرحمة. هناك حدود لا يستطيع أي شخص أن يتجاوزها دون أن يتحول إلى وحش فاقد للعقل.
ولكن، مجددًا، لم يكن من المفترض أن يكون السياديون بشريين بالكامل.
‘هل لأنهما كي سونغ وأنفيل من فالور، أم لأنهما فائقان؟’
كانت الكائنات الفائقة أنصاف سَاميين بالمعنى الحرفي تمامًا. وكان القديسون مثل كاسي نفسها يُلقبون أيضًا بأنصاف السَاميين، لكن رغم امتلاكهم لبعض الصفات السامية وتجاوزهم للحدود البشرية، فإن هذا اللقب أتى في معظمه من مخيلة البشر.
بالنسبة للأشخاص العاديين، بدت قوى القديسين سامية، وهكذا، أُطلق عليهم لقب أنصاف السَاميين.
ورغم أن هذا اللقب كان في الغالب مجرد استعارة، إلا أن كاسي شعرت بالفعل كيف أن إحساسها بذاتها بدأ يتغير.
عاشت ذكريات عدد لا يحصى من الأشخاص، ورأت العالم من وجهات نظر لا حصر لها. فقد عاشت حياة الرجال والنساء، الصغار والكبار، الأصحاء والمرضى – عاشت حياة الجنود والمحاربين، عمال المصانع، الورثة المتعجرفين، اللاجئين البائسين، الممثلين، الحرفيين، السياسيين، ربات المنازل، المجرمين، الخدم، العمال… والعديد غيرهم.
أي نوع من الأشخاص يمكن أن يمتلك خبرة حياة كاملة ومتنوعة كهذه ويبقى كما هو؟.
عدة حيوات؟.
بطبيعة الحال، تغيرت نظرتها للعالم.
وهي مجرد قديسة…
كيف ستتغير إذا أصبحت فائقة – كائنة نصف سامية كان لابد أن يكون وعيها شاسعًا بما يكفي ليشمل عالمًا بأسره؟ كم سيبقى من ذاتها السابقة؟.
كم من إنسانيتها سيتم التخلي عنه لإفساح المجال للسمو؟.
تنهدت، ثم واجهت كي سونغ بتعبير قاتم..
“…لأي غاية؟”
صرت كاسي على أسنانها.
“قضيتم أنتِ وأنفيل عقدين من الزمن في حكم العالم. أنشأتم العشائر العظيمة، وصغتم طبقة الإرث إلى ما هي عليه اليوم، وغزوتم مساحات شاسعة في عالم الأحلام. قمتم بقمع ظهور القديسين الناشئين، وأبَدتم بلا رحمة كل من تجرأ على عصيانكم، وحافظتم على مظهر من النظام في عالم اليقظة. وعندما لم تتمكنوا من كبح تعويذة الكابوس أكثر، كشفتم عن أنيابكم أخيرًا في القارة القطبية الجنوبية. والآن، أنتم في حرب. لأي غاية؟”
ترددت للحظة.
“هل هو فقط لتصبحوا أقوى ما يمكن لكائن فائق أن يكونه؟ لنشر نطاقكم على البشرية بأسرها؟ لماذا؟ ما الذي تسعون إليه؟ هل تتوقون للمزيد من القوة؟ هل تسعون لحل ضغائن قديمة لا تُغتفر؟ هل تستعدون لمواجهة الكابوس الخامس لتصبحوا مقدسين؟ هل استسلمتم؟ لماذا… لماذا فعلتم كل هذا؟”
نظرت إليها كي سونغ بهدوء من على العرش.
مع ابتسامة خفيفة تشكلت على وجهها الفاتن.
“لماذا؟… من أجل الصالح الأعظم، بالطبع.”
لم تستطع كاسي منع نفسها من إطلاق سخرية خافتة.
“الصالح الأعظم؟”
أومأت الملكة برأسها.
“هدفنا هو الحفاظ على البشرية، كما كان دائمًا. يمكنكِ أن تعترضي على أساليبنا… أن تحتقريها حتى… لكن لا تشككي في نوايانا. كل ما فعلناه، فعلناه لبناء عالم أفضل لأولئك الذين سيتبعون خطانا.”
تنهدت كي سونغ.
“للإجابة على سؤالك… الحرب ضرورية لأنني وأنفيل ضعيفان للغاية.”
ضحكت دماها الخاصة.
“قوتنا، مهما بدت عظيمة، غير كافية بشكل يرثى له. نطاقاتنا غير مكتملة. قوتنا ناقصة. نحن شبه خالدين ولا منافسين لنا بين البشر، لكن الأعداء الذين نواجههم ليسوا بشراً أيضًا. إنهم الحكام الحقيقيون لعالم الأحلام – الساميين القديمين الفاسدين الذين يقبعون في أحلك زوايا هذا العالم الملعون.”
انحنت كي سونغ للأمام قليلاً، مبتسمة بخفة.
“هناك معادلة بسيطة لحماية مستقبل البشرية، كما ترين. في هذا العالم المروع، لا تملك البشرية ترف امتلاك أشياء لا تحتاجها. أن يكون لدينا تعداد سكاني يبلغ ثلاثة مليارات نسمة هي رفاهية، ولكن هل هذا ضروري؟ هل يمكننا إنقاذهم جميعًا؟ لا… نشر قواتنا بشكل مفرط لن يؤدي إلا إلى الفناء التام. في المقابل، يمكن للبشرية أن تبقى على قيد الحياة بأعداد أقل بكثير. أولئك الذين جلبناهم من سلسلة الكوابيس سيفون بالغرض – إنه عدد كافٍ لإنتاج عدد مناسب من المستيقظين، الذين سينتجون بدورهم عددًا كافيًا من الأسياد والقديسين. في الواقع، العدد الحالي بالفعل أكبر مما ينبغي.”
ابتسمت بابتسامة قاتمة.
“هناك أكثر من مئة مليون شخص عادي داخل نطاق الأغنية في هذه اللحظة. جميعهم بحاجة إلى الطعام، والملابس، والمأوى، والحماية من مخلوقات الكابوس. لقد كنا نعد المقاطعات البشرية في عالم الأحلام لأكثر من عقد من الزمان، ومع ذلك فإن عبء العناية بهذا العدد الهائل من الناس يرهق كل مورد متاح لدينا، ويهز أركان المملكة بأكملها. البنية التحتية على حافة الانهيار، والإمدادات تتناقص…”
عبست كاسي.
“هؤلاء الناس لا يجلسون مكتوفي الأيدي. إنهم يعملون في الحقول، ويبنون الطرق… إنهم يتطوعون لمواجهة الكابوس الأول ليصبحوا مستيقظين أيضًا. في غضون بضع سنوات، سيتمكنون من إطعام أنفسهم، وكسوتهم، وحماية أنفسهم.”
هزت كي سونغ رأسها.
“لكن الوضع على الأرض سيصبح أقل استقرارًا بكثير في غضون بضع سنوات، مما يعني أننا لن نتمكن من إيصال نفس الكمية من الإمدادات عبر بوابة الأحلام. ولكن، لنفترض أنكِ محقة… حتى في هذه الحالة، فإن عالم اليقظة سيواصل التدهور بوتيرة متسارعة. وسرعان ما سيُلتهم بالكامل، وسيتغير عالم الأحلام بأسره. ستُعاد كتابة جغرافيته، وستبدأ أسراب مخلوقات الكابوس في هجرة عظيمة. سنُحاصر من جميع الجهات، وستفيض مناطق الموت من حدودها، مهددة بإغراق الأمة البشرية التي أنشأناها بشق الأنفس.”
ابتسمت الملكة بابتسامة قاتمة.
“عندما يحدث ذلك، لن يكون بمقدور نطاق الأغنية ولا نطاق السيف النجاة. ومع ذلك، فإن النطاق البشري – مملكة واحدة موحدة تحت سماء عالم الأحلام الممزقة والمرقعة، يحكمها فائق واحد – قد يكون لها فرصة.”
ترجمة آمون