عبد الظل - الفصل 2185
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2185 : أغنية الغراب
قادت سيشان كاسي إلى أعماق الهيكل البارد. وكلما توغلوا أكثر، وكلما مرّوا عبر بوابات أكثر، ازداد البرد حدة، حتى لم تستطع كاسي إلا أن ترتجف.
في النهاية، أحاط بهما صمتٌ تام.
‘أين هي؟’
رغم أن كاسي كانت في حالة غريبة ولم تستطع التحكم بجانبها بوضوح، إلا أن قدرتها الكامنة كانت لا تزال تعمل – حتى وإن كان من الأصعب بكثير فهم ما تحاول إخبارها به على غير المعتاد. ومع ذلك، كانت فضولية لمعرفة ما ستكشفه الرونيات لها عن الملكة.
كان من المحتمل ألا تكشف لها سوى القليل، إذ أن شخصًا قويًا مثل كي سونغ لا شك أنه قد حمى نفسه من العرّافين الفضوليين. ومع هذا، كانت تأمل في أن تعرف شيئًا ما.
وضعت سيشان يدها على كتف كاسي، مجبرةً إياها على التوقف، ثم ضغط برفق. لم يكن أمام كاسي خيار سوى الركوع.
أُزيل الكيس عن رأسها.
لم تستطع سماع أي شيء، ولم تستطع شم أي شيء. بدا أن قدرتها الخاملة توحي بغياب أي كائن أمامها.
ومع ذلك، شعرت بذلك… حضور عميق، عميق جدًا، بدا وكأنه يغرق العالم بأسره. كما لو كان هناك مسخ هائل، قديم، ومخيف يختبئ في الظلام أمامها مباشرةً.
مقاومةً ذهنها المشتت، مدت كاسي يدها نحو العلامة التي تركتها على سيشان وفعّلتها.
ربما بسبب قربهما الشديد، أو ربما كان مجرد حظ، تمكنت بالفعل من الحفاظ على تماس ضعيف مع قدرتها الصاعدة هذه المرة…
وارتجفت.
من خلال عيني سيشان، استطاعت أخيرًا أن ترى أين كانا.
أحاطت بهم غرفة حجرية كبيرة، مليئة بالظلال. تدفق النور البارد من أعلى، منيرًا عرشًا حجريًا وحيدًا.
كانت امرأةٌ فاتنة الجمال تجلس على العرش، ينسدل ثوبها القرمزي فوق درجاته مثل نهرٍ من الدماء. كان لون بشرتها شاحبًا مثل جثة، وشعرها يتدفق كسيل من الظلام اللامع الذي لا يمكن اختراقه.
وهناك ابتسامة باهتة تزين شفتيها المغريتين، وعيناها كانتا… كانتا…
ساحرتين… ولكن في الوقت ذاته، مقلقتين ومزعجتين. كان هناك لمحة من الفراغ والبعد فيهما، كمن مات منذ زمن بعيد.
كانت هي مصدر ذلك الحضور الوحشي العارم الذي شعرت به كاسي.
إذا كان حضور أنفيل ثقيلًا وقمعيًا، فإن حضور كي سونغ كان خفيًا – وأكثر رعبًا لهذا السبب. شعرت كاسي بالخوف يقبض على قلبها بمخالب جليدية.
كان الخوف البدائي القديم ذاته الذي تشعر به جميع الكائنات الحية في حضور مفترسٍ أعلى.
هناك شابان – فتى وفتاة – يقفان على جانبي العرش، يحدقان في البُعد بعينين فارغتين.
استغرقت كاسي بضعة لحظات لتدرك أن أياً منهم لم يكن حياً.
لا…
لم يكن أيٌ من الثلاثة.
لأن المرأة الفاتنة الجالسة على العرش كانت، بلا أدنى شك، ميتة أيضاً.
وبعد أن تخلصت كاسي من صدمتها، ارتجفت وانحنت بعمق.
“تحياتي، يا جلالتك.”
أدارت المرأة الميتة رأسها قليلاً ونظرت إليها، مما جعل جسد كاسي كله يرتجف رغم إرادتها.
لم تتكلم كي سونغ، بل فتح الفتى الميت الواقف إلى يسارها فمه وقال بصوت واضح:
“أغنية الساقطين…”
وفي الوقت ذاته تقريباً، تحدثت الفتاة الميتة أيضاً:
“…كنتُ فضولية للقائكِ.”
حاولت كاسي تهدئة قلبها الذي ينبض بجنون، واستقامت في وقفتها، مواجهة المرأة الميتة على العرش.
‘لا شيء هناك.’
لم تظهر لها قدرتها الخاملة أي شيء، كما لو لم يكن هناك أحد أمامها على الإطلاق. تقريبًا كما لو أن…
تغيرت تعابيرها.
“أنتِ… دمية.”
استندت الملكة إلى الخلف على العرش، بينما ضحكت الفتاة الميتة بمرح.
كادت كاسي أن تفقد توازنها. أصبحت أفكارها مشوشة.
كي سونغ – جسدها الأصلي – لم يكن سوى دمية، مثل الشابين الآخرين وبقية حجاجها. لم تكن إلا جسداً ميتاً تحركه قوة جانبها.
فأين هو وعاؤها الحقيقي إذن؟.
ضمت كاسي شفتيها.
“لستُ متأكدة أننا التقينا حقاً إذن، يا جلالتك. وإن كان لي أن أجرؤ على السؤال… أين أنتِ حقاً؟”
نظرت إليها كي سونغ بابتسامة، وأجاب الفتى:
“في كل مكان.”
ارتجفت كاسي.
‘في كل مكان…’
فهمت غريزياً ما كانت الملكة تعنيه. لم يكن أي من دُماها الميتة مجرد وعاء لروحها… بل كانت جميعها الوعاء ذاته، وكانت موجودة في كل مكان حيث كان حجاجها الكُثر، دائماً، في كل آن.
وهذا يعني أنه لكي تُقتل ملكة الغربان… لا بد من القضاء على جميع دُماها التي لا تُحصى، بغض النظر عن مكان وجودها.
كيف كان من المفترض أن يفعل نيفيس وصني ذلك؟.
بقيت كاسي صامتة لفترة.
وفي النهاية، تنهدت ببطء.
“في جميع أنحاء قبر السَّامِيّ، دُماكِ مع جنود جيش السونغ. هم أول من يهاجم، وأول من يُقطع. هذا يعني أنكِ خضتِ ألف معركة، يا جلالتك، وقُتلتِ عشرة آلاف مرة.”
أومأت كي سونغ – الدمية المصنوعة من جسدها الأصلي – برأسها.
“…مليون معركة. عشرة ملايين موت.”
كلما أرادت التحدث، كان أحد الشابين الميتين يفعل ذلك نيابةً عنها. صوتان واضحان ينسجمان أحياناً، ثم ينفصلان مجدداً، ليبدو الأمر كما لو أن عدداً لا يُحصى من الأشخاص يتحدثون.
جمعت كاسي شجاعتها.
ترددت لبضعة لحظات طويلة، ثم قالت:
“كنتُ مع السيد أوروم حين مات. لمحتُ ذكرياته.”
خفضت كي سونغ رأسها، وتعابير وجهها تُظهر لمحة من الكآبة لوهلةٍ عابرة.
“عمي أوري…”
خرجت تنهيدة خفيفة من شفتيها الساحرتين.
لكن تلك اللمحة من العاطفة اختفت في لحظة، وحلّت محلها رباطة جأش غير بشرية.
“وماذا بشأنه؟”
أخذت كاسي نفسًا عميقًا.
“كان معلمكِ، أليس كذلك؟ لقد سأل طلاب الأكاديمية ذات مرة عن جوهر القتال. وإجابتكِ… كانت الفشل. قلتِ إن من يُجبر على القتال، يكون قد فشل بالفعل.”
نظرت كي سونغ إليها بفضول.
“وماذا إن كنتُ قلتُ ذلك؟”
ابتسمت كاسي بابتسامة قاتمة.
“لماذا هذه الحرب إذًا؟ أليست أعظم فشل يمكن للمرء تخيله؟”
بقيت الملكة صامتة لبضعة لحظات.
ثم انفجر الشابان الميتان في ضحكة مشرقة، تناغمت فيها أصواتهما الصافية بانسجام تام.
وعندما خفت ضحكهما، تحدثت الفتاة الميتة:
“بالطبع، هي كذلك. ظننتُ أن ذلك بديهيٌ بذاته.”
ترجمة آمون